قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

أداء الأمانة من صدق الإيمان
* شاكر سعيد
يحث الإسلام على إشاعة مفاهيم الخير والصلاح بين الناس ويدعوهم إلى الإلتزام بالصفات الحسنة لكي ينعموا بحياة فاضلة, ومن الصفات التي أمر الدين الحنيف المؤمن الإلتزام بها هي الأمانة، فأصبحت إحدى الصفات الأساسية التي تميّز المؤمن عن بقية المسلمين هي أدائه للأمانة وقد جاء في القرآن الكريم (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون/8، فهم يلتزمون بأداء الأمانة ليس للمسلمين فقط بل للكافرين ولأهل الكتاب وغيرهم, وهذا هو الفضل بعينه بأن تلتزم بالمعايير الخلقية والإيمانية أمام من تختلف معهم في الدين والمعتقد, وبهذه الصورة يمكن أن تظهر أخلاق الإسلام والإيمان.
فالمؤمن هو القدوة ويجب أن يكون الأول والمقدام في كل شيء حسن حتى يستحق هذه المرتبة, ومن أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها لكي يرفع نفسه إلى مقام المؤمنين هو اداءه للأمانة, فقد كان رسول الله (ص) الصورة الناصعة لهذه الصفة الشريفة, وقد لقي إستحسان قومه وعشيرته قبل أن يكون نبياً لتمتعه بهذه الصفة الكريمة, فأصبحت هذه الصفة بمثابة المقدمة لإعلان النبوة الصادقة، فقبل أن يبعث النبي بالرسالة بُعث بالأخلاق والصدق والأمانة ومن خلال إلتزامه بهذه الصفات الحسنة أصبح المثل الأعلى في مجتمع مكة الذي كان يعج بالمظالم والمفاسد, من هنا فإن الإلتزام بالصفات الخلقية وعلى رأسها الأمانة لها أولوية من جهتين:
1- الجهة الإنسانية حيث ينتفع بها بني البشر كافة مسلماً وكافراً.
2- الجهة الدينية حيث تعتبر من فرائض الإسلام.
إن نشر الفضيلة والأخلاق الحسنة يمهد الطريق أمام نشر تعاليم الإسلام, لذلك فإن تعاليم الدين الحنيف تلقى أكثر قبولاً ورواجاً بين الطبقات المحافظة الملتزمة بالأخلاق الفاضلة, ومن حجب قلبه بالأخلاق السيئة والتصرفات الذميمة, فإن صدره سيكون ضيقاً تجاه المفاهيم الإسلامية الحميدة.
وفي الواقع إن الذين يمارسون الطقوس الدينية من صلاة وصوم وعبادة من دون تطبيق لهذه الأخلاق الفاضلة فهم لم يفهموا الدين على حقيقته ولم يدركوا أن هذه الأخلاق تمثل روح الدين, ولنقرأ ما قاله رسول الله (ص) بحق هؤلاء "لاتنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل, ولكن إنظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة". (بحارالأنوار,ج75,ص144)
فقد تكون هذه العبادات كلها (طنطنة) كما قال الرسول ولكنَّ الذي يثبت صحة كل تلك الأمور وسلامة نوايا صاحبها هو في صدق حديثه وأدائه للأمانة وهما من الصفات الأساسية التي حظي بهما الإمام علي بن أبي طالب (ع) تلك المرتبة من القرب عند رسول الله, قال الإمام الصادق (ع) "إنظر ما بلغ به علي (ع) عند رسول الله (ص) فألزمه, فإنَّ علياً (ع) إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله (ص) بصدق الحديث وأداء الأمانة"
فلم تكن صلة الإمام علي بالرسول الأكرم نتيجة لقرابته منه, فأقرباء الرسول كانوا كثيرين, وأغلبهم أكبر عمراً وأكثر مالاً من علي بن أبي طالب، إلا إنه (ص) لم يقرب هؤلاء واستثنى منهم علياً؛ أولاً: لإلتزامة بكل المعايير الخلقية والإسلامية, وثانياً: لإجتبائه من قبل الله سبحانه وتعالى.
وإذا كانت هاتان الصفتان سبباً لإجتباء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب للولاية فإنهما أيضاً كانتا سبباً لاجتباء الانبياء من قبل, فقد ورد ايضاً عن الإمام الصادق "إن الله عزوجل لم يبعث نبياً إلا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر".
إن إشاعة الأخلاق الفاضلة وعلى رأسها صدق الحديث وأداء الأمانة سيساعد على تأصيل الروابط الإجتماعية بين المسلمين ويزيد الثقة فيما بينهم, وما نلاحظه اليوم من شيوع ثقافة الشك والإرتياب إنما هو نتيجة لعدم الإلتزام بهاتين الصفتين, ولو أن تاجراً واحداً خان بأمانته فإنه ستنتشر في ذلك السوق ثقافة الشك وعدم الثقة والإطمئنان، فكيف إذا إزداد العدد أكثر فأكثر؟
ومن هنا جاءت التوصية الدينية بأداء الأمانة لكل الناس بما فيهم الأشرار والخونة، فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام هذه الحكمة البالغة "لاتخن من إئتمنك وإن خانك, ولاتذع سره وإن أذاع سرّك", وباعتبار أن المؤمن يمثل دور القدوة في المجتمع فموقفه لاينبع من ردود أفعال بل هو يتبع منهجاً ومسلكاً قويماً يحثه على الإلتزام بكل القيم والمعايير الخُلقية والإنسانية حتى في ظروف الحرب.
ولعل المرء يتخذ من خيانة وغدر الآخرين حجةً ومبرراً له ليغدر ويفجر, ومن هنا جاءت التوصيات بأن تنتخب الصادق الأمين لكي يحافظ على أمانتك وإذا بدرت منه خيانة فلا تقل خان الأمين, بل يجب أن تحاسب نفسك لأنك إئتمنت الخائن، وفي هذا الشأن قال الإمام الصادق (ع): "لم يخنك الأمين, ولكن إئتمنت الخائن".
وعن الإمام الباقر (ع): "مَن عرف مِنْ عبد من عبيدالله كذباً إذا حدث, وخيانة إذا إئتمن, ثم إئتمنه على أمانة الله, كان حقاً على الله عزوجل أن يبتليه فيها ثمّ لايخلّف عليه ولايأجره".
فمن السذاجة والحمق أن يأتمن المرء الرجل الخائن الذي يغدر ويفجر, وقد فرض الله عليه أن يتحرى ويدقق ويحقق فيمن يريد تحميله مسؤولية الأمانة.