قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الشباب والتطلعات
*الشيخ عبد الغني عباس
إن الإسلام بطبيعته الإصلاحية يتفحص طبيعة الواقع الاجتماعي من أجل الحفاظ عليه من الانهيارات والتصدعات، ولا شك أن ذلك يندرج تحت إطار الوصول إلى المجتمع النموذجي الفاضل إما من باب الوقاية وإما من باب العلاج . ولأجل ذلك دأبت الزعامات الدينية كالأنبياء والرسل والأئمة المعصومين إلى تجسيد هذه النظرة إلى أبعد الحدود ، فما رأيناه من المسيرة الإصلاحية التي استمر عليها الأنبياء والأوصياء على مر التاريخ إلا تأكيد على هذه المسألة .
نذكر ذلك، لأن طبيعة الواقع الاجتماعي ومساره سواء كان باتجاه الإصلاح أو بالاتجاه المعاكس لن يبقى جامداً، إنما سوف يلقي بظلاله على الإنسان صعودا أو نزولا سلباً أو إيجاباً، ولعل من أكثر الطوائف تأثرا وانفعالا طائفة الشباب، التي تنعكس عليها هذه الاتجاهات .
الشباب و دائرة التطلعات
هذه الطائفة في الحقيقة بين كماشة المبتدأ وبين كماشة الضغوطات المتكالبة، وبينهما مسار طويل يخطه كل شاب لمسيرته ومساره، فمن جهة المبتدأ ترجع هذه الطائفة إلى أصل الخليقة والحكمة من الوجود ، فلماذا خلق هذا الإنسان ؟ ولماذا انتقل من العدم إلى الوجود ؟ ومن نقله؟ ولماذا خلقه ؟
هذه الأسئلة وغيرها حري بكل إنسان أن يجلس جلسة صفاء ولحظة خلاء بينه وبين نفسه من أجل تلمس إجاباتها واكتشاف حقائقها، ولا شك أن الشباب هم أكثر حاجة لهذه الأسئلة ونقاشاتها .
إن أصل الخليقة هو الله عز وجل، وله حكمة متعالية من هذا الخلق، وهذه الحكمة المتعالية يمكن للإنسان أن يقترب منها رويدا رويدا بإرادته. فلو قرأ الإنسان القرآن لرأى ذلك جلياً: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا". فإذا أدركنا ذلك جيدا انكشفت لنا الحقيقة واضحة فعرفنا المبتدأ، وأن الله لم يخلقنا اعتباطا وإنما من أجل غايات سامية ينبغي علينا السعي لتحقيقها .
لكن ليست هذه المشكلة عند الكثيرين، إنما تنشأ المشكلة من كماشة الضغوطات المتكالبة عليه لا سيما جيل الشباب ، فمع تزايد ضغوطات الواقع من جهة سواء طبيعة الواقع الثقافي والاجتماعي والتربوي بل وحتى الاقتصادي ، تفرض طريقة خاصة في التعاطي ولو بأثر رجعي على ملامح المبتدأ .
كيف إذن؛ يمكن لنا التوفيق بين الأمرين: بين أساسيات المبتدأ وبين استحقاقات الضغوطات المتكالبة، استحقاق البحث عن المال وما يجره ذلك على الإنسان من نسيان المبادئ وأحكام الشرائع؟
أن الشباب هم أكثر الأصناف إلحاحا في الإجابة على هذه التساؤلات ، ولكن من أين نبدأ ؟
سؤال هام وكبير، ولكن التوفيق بين الكماشتين يبدأ من التربية الإسلامية التي ارتكز عليها الجيل الشاب، لأن هذه التربية تمكن الشاب من تجاوز هذه الضغوط المتراكمة، وفي ذات الوقت تؤمن الرغبات الجامحة، ومن ثم توجهه بسهولة واقتدار نحو التطلعات النبيلة والسامية، التطلعات التي تقفز على الواقع التفصيلي فتجعله يعيش جوا من الاطمئنان والسكينة وحالة من الرضا .
لا نريد لحديثنا أن يكون في فضاء مطلق، بل نود الحديث قليلا عن الشباب وكربلاء، حيث استوقفتني هذه الرواية المأثورة عن الإمام الحسين عليه السلام: قال جعيد الهمداني: أتيت الحسين بن علي وعلى صدره سكينة ابنته، فقال: يا أخت كلب... خذي ابنتك عني، فسألني فقال: أخبرني عن شباب العرب؟ قلت : أصحاب جلاهقات ومجالس. قال عليه السلام: فأخبرني عن الموالي؟ قلت : آكل ربا، أو حريص على الدنيا. قال عليه السلام: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، والله ، إنهما للصنفان اللذان كنا نتحدث أن الله تبارك وتعالى ينتصر بهما لدينه. يا جعيد همدان: الناس أربعة : فمنهم من له خلاق ، وليس له خلق ومنهم من له خلق، وليس له خلاق. ومنهم من ليس له خلق ولا خلاق ، فذاك أشر الناس ومنهم من له خلق وخلاق، فذاك أفضل الناس) .