قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
في ذكرى بعثة النبي (ص) الشاهد والسراج المنير
كيف ندعو العالم الى نهج النبي (ص) وماهي واجباتنا ازاء الرسالة ؟
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللـه وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً اِلاَّ اللـه وَكَفَى بِاللـه حَسِيباً * مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللـه وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللـه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً * يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللـه ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلآَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ اِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً * يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ اِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً اِلَى اللـه بِاِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِاَنَّ لَهُم مِّنَ اللـه فَضْلاً كَبِيراً ) صدق الله العلي العظيم. (الاحزاب / 39 – 47)
يصف القرآن الكريم النبي الأعظم ( ص ) سيدنا وشفيعنا وقائد مسيرتنا محمد بن عبد اللـه ( ص ) بصفات كريمة شتى ؛ فهو رحمة للعالمين ، وهو مبشر ونذير ، وسراج منير ، ورسول الى البشرية كافة .
ما هي شهادة النبي (ص) ؟
ترى ماهي شهادة النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ؟ ان شهادته هذه تتمثل في انه نهض لوحده ضد الجاهلية التي اطبقت على الارض ، فالاصنام كانت تعبد حتى في بيت اللـه الحرام ، فكان الناس يعيشون في ظلم الإمبراطورية الفارسية من جهة اليونانية الرومانية من جهة أخرى ، والجهل والمرض والفقر مخيم في كل مكان ... وفي هذه الفترة بالذات بعث اللـه - عز وجل - النبي الأعظم ( ص ) لا لكي يحطــم الاصنام في الجزيـرة العربية فحسب ، وانما لكي يؤسس دولة اسلامية تكون القدوة للدول الاسلامية الاخرى في سائر العصور ، وليكون رحمة للعالمين ، ويحرك البشرية باتجــاه الحضارة والرقي والتكامل ، لكي يكون دين اللـه هـو السائد على الدين كله ولو كره المشركون .
وهكذا قدم رسول اللـه ( ص ) وكل جزء من اجزاء حياته شاهداً على البشرية ، وكل لحظة من لحظات عمره الشريف المبارك كانت سراجا منيرا للبشرية ورحمة لها ، وعندما يعود الى مكة بعد هجرته الى المدينة وتأسيسه للمجتمع الاسلامي فيهــا يقول لأهلهــا وقلبه مفعم بالرحمة والحـب والتسامــح : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " (1) رغم انهم قاوموه ، واخرجوه من بلده ، وفرضـوا عليه ذلك الحصار الجائر الذي اودى بحياة اثنين من حُماته ، ومن اعز الناس عليه ألا وهما ؛ زوجته خديجة الكبرى ، وعمه ابو طالب ...
اخلاق استوعبت البشرية :
هــذا الخلق العظيم ، وهذه الرحمة التي استوعبت البشرية كلها ، كانت تجمع الى جانبها الشجاعة الفائقة ، والبطولة العديمة النظير الى درجة ان الامام علياً عليه السلام الذي يضرب به المثل في الشجاعة كان يقول : " كنا اذا احمر البأس اتقينا برسول اللـه (ص ) فلم يكن أحد منا أقرب الى العدو منه " .
وعندما يفقد رسول اللـه ( ص ) حاميه المؤمن أبا طالب ( ع ) ، يخرج ( ص) بإسلامه من مكة الى الطائف لعله يجد في هذه المنطقة من يحميه ، ويصطحب ابنه المتبنى زيد بن حارثة ، وإذا بأهالي هذه المدينة يستقبلونه أسوأ استقبال ، فيغرون الاطفال والصبيان به .
ومع كل ذلك فقد " ... قام عليه الصلاة والسلام عشر سنين على أطراف اصابعه حتى تورمت قدماه واصفر وجهه يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك فقال اللـه عز وجل ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) بل لتسعد به ، ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه فقيل له يا رسول اللـه أليس اللـه عز وجل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال بلى أفلا أكون عبداً شكوراً ... " فيضرب بذلك المثل الأعلى في الخلق العظيم الى درجة ان رجلا يأخذ بتلابيبه في احدى المرات ، ويحــاول خنقه ، الا ان الرسول ( ص) يضحك في وجهه ، ويصلحه، في مرة أخرى يشهر رجل آخر من المشركين السيف في وجهه الكريم ( ص ) قائلا له : من ينقذك مني ؟ ويحاول ان يضربه فاذا بقدمه تزل ، فيقع على الأرض ، فيأخذ رسول اللـه (ص ) السيف ، ويقف عليه ، ويقول للرجل المشرك : والآن من ينقذك مني ؟ فيقول الرجل : حلمك يا محمد ، فيعفو عنه ، رغم ان هذا الرجل كان قائدا للجيش المحارب للرسول ( ص ) ، وببركة هذا العفو يدخل هذا القائد هو وجيشه الاسلام من دون ان تراق أي قطرة دم .
ومن خلقه العظيم ايضاً انه كان يكرم ابنة حاتم الطائي لان اباها كان كريما ، وكان يقول لها : " لو ان اباك كان مسلماً لاستغفرنا له ، وترحمنا عليه " . ومن عظيم سجاياه ايضاً انه كان يدعو لقومه قائلاً : " اللـهم اهد قومي فانهم لايعلمون " رغم انهم كانوا يؤذونه ، ويصبون عليه وعلى اصحابه الويلات ، والعذاب .
كل ذلك لكي يصبح الرسول ( ص ) شاهداً علينا ، ويكون قدوة لنا كما يقول - تعالى - : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللـه اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللـه وَالْيَوْمَ الأَخِرَ ) وهذه الشخصية العظيمة انما تكون قدوة لنا إذا سرنا على خطها، وكنا في مستوى التأسي والاقتداء بها .
خير اسوة و قدوة :
ان هذا الرسول الاكرم (ص) الذي جعله الباري افضل خلقه وخاتم انبيائه ، واعز خلق من مخلوقاته حتى قال تعالى في حديثه القدسي " لولاك لما خلقت الأفلاك " نراه يتعب ويرهق نفسه في جوف الليل رجاءً في الثواب والتقرب اليه، فقد كان (ص) يقف متهجداً في الليل حتى تتورم قدماه ، وكان ( ص ) له حبل يتعلق به حتى لايقع من شدة التعب ، وإذا جاع ( ص ) يشد حجر المجاعة على بطنه , وهو مالك للمال ولكن ينفقه في سبيل اللـه .. هذا ناهيك عن عظيم خلقه وشدة حلمه وصبره على اذى قومه له .
حقا نتساءل : اذا كان الرسول
العظيم يفعل هكذا مع جسده طاعة لله ، فماذا سوف يكون حالي وحالك انت ايها المؤمن ؟!
ان المؤمن الذي تشغله كل ليلة برامج التلفزيون والبث الفضائي ، ثم يهوي بعدها الى فراشه ، حتى يتحول - حسب تعبير الأئمة (عليهم السلام ) - الى " جيفة " ، فهذا حاله حال الغافلين .
كثيــراً من الناس يشكون من الاحلام المزعجة التي تتعقبهم بالليـل .. فهذا يرى الشرطة تطارده ، وذاك يحلم بالبيع والشراء والخسارة ، وذاك يرى الدائنين يهجمون عليه ليخنقوه .. فالسبب لذلك يرجع الى ان هؤلاء يعيشون على مدار اليوم هموم المعيشة والدنيا فقط .
لابد ان نجعل للقرآن وتلاوته والصلاة وذكر اللـه مساحة تتسع لها اوقاتنا التي تذهب كل يوم دون رجعة .. لابد ان نروح انفسنا بتلاوة ذكر اللـه قبل ان ننام ، ولابد ان نعيش الآخرة والموت كل يوم .. ان نزور المقابر ونترقب مصيرنا الذي سوف نؤوب اليه .. اليس من الاعمال المستحبة ان يعد ويحفر الانسان قبره قبل موته ثم ينام فيه مستعداً لساعة الأجل الحاسمة ؟
لقـد كان الامام زين العابدين (ع) ذلــك الامام الزاهد العابد كما يقـول هو عليه السلام يدرس حياة الرسول ( ص )، بــل يحفظ مغازيه ( ص) وسيرته فـاذا كـانت حياة الرســول عامـة هـي جملة دروس لامامنا السجاد ( ع ) ، فكيف لا تكون منهجـاً وخريطـة عمـل لنـا جميعــاً ؟
لقد قرأت في كتاب ( بحار الانوار ) رواية حول كيفية شرب الماء عند النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) فلقد كان ( صلى اللـه عليه وآله ) يطبق ثلاثين ادبا لدى شربه للماء .. وما هذه الامراض التي تصيب المعدة والكبد والكلية والاثنى عشري و .. الا بسبب عدم مراعاتنا لاداب الاسلام في الأكل والشرب والنوم وغيرها ان انحرافاتنا الحياتية تكمن في حدوث الفجوة والفاصلة بيننا وبين رسولنا الاكرم والائمة المعصومين ( عليهم السلام ) فانقطعنا عن فيض نورهم وهداهم ، كما ينطفأ المصباح عندما ينقطع التيار الكهربائـي عنـه .
لماذا الغاء دور القدوة ؟
ان جملة من الناس عندما تسألهم لماذا لا تقتدوا بالرسول الاكرم والأئمة (ع)؟ يجيبك قائلا : لا يمكن لنا ان نكون مثلهم متناسين قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) ثم كيف لا يمكن لنا اتباعهم والاقتداء بسيرتهم وقد جعلهم الله لنا اسوة حسنة ، وكيف يقول الامام علي (ع) : " الا وان لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه " ؟ .
واذا كان لنا عذر او حجة ( معصومية ) هؤلاء الرسل والائمة (ع) فما بالنا بالصديقة زينب وسيدنا العباس وعلي الأكبر والقاسم بن الحسن ، وكذلك اصحاب الرسول والأئمة (ع) كأبي ذر والمقداد وسلمان وحبيب بن مظاهر الاسدي .. وماذا نقول في علماء الدين العظام الذين ينتهجون سيرة الحـق والتقـوى ؟ لماذا يصـرّ البعض على الغاء دور القدوة في الحياة ؟! وفيما اذا رأينا قائداً حياً ينفع الأمة ( قد لا نؤمن به شخصياً مثلا ) .. نضع امامه شتى العراقيل ونتفرق عنه .. وقس على ذلك الشهداء الابرار الذين ضحوا بأنفسهم الغالية في هذا الطريق المبارك .
الطاعة للرسول (ص) من اهداف البعثة :
يقول - عز من قائل - : ( وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَسُــولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بإِذْنِ اللّهِ ) ، فطــاعـة الرســول (ص) هي الهدف من بعثته ، لا ان نكتفي بالايمان القلبي به من دون طاعة وعمل ، فهل يمكن ان يكون هناك ايمان مفرغ من العمل ؟
ان طاعة اللـه - عز وجل - في طاعة رسوله ، وطاعة رسوله هي التي تذهب عنا الرجس ، وتطهرنا من الذنوب كما يقول تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) .
ان اللـه - تعالى - انما يتوب علينا ، وتعود الينا رحمته ، وترجع الينا وحدتنا في ظل " لا إله إلا اللـه " ، وعزتنا الايمانية ، وحضارتنا التي هي حضارة الخير والرفاهية للبشرية ، انما يعود الينا كل ذلك اذا استغفرنا اللـه - عز وجل - من خلال العودة الى رسوله .
من دروس المبعث
كـان الظلام سائداً على العالم ، وكانت الاصنام تعبد جهراً بفعل الانحرافات الجاهلية ، وكانت البشرية غارقة في الضلالة ، وقوى الاستكبار هي سيدة الموقف في كافة انحاء الارض ، و المستضعفـون يرزحـون تحت نير السلطـات الطـاغية ، و الاقــويــاء والاغنيـاء يفرضـون منطـق القـوة ، وشريعـة الغاب في كل مكـان .
الامبراطوريــة الرومانية كانت تعتنق المسيحية ظاهراً ، والطبقية كانت قد بلغت اوجها .اما الامبراطورية الفارسية فقد كانت تعج هي الاخرى بالعنصرية والطبقية ، وجماهير الفلاحين والمهنيين ترزح تحت نير الضرائب المتصاعدة .وفي الجزيرة العربية كان شعار الناس الخوف ، ودثارهم السيف، وحياتهم مليئة بالتعاسة والمآسي .
وازاء هذه الاوضاع أبت رحمة اللـه - عز وجل - إلا ان تبعث للبشرية منقذاً وهادياً وبشيراً وسراجاً منيراً، حيث كانت هذه الواقعة ارهاصا وإيذاناً بانتهاء عصر وبداية عصر جديد ، وها هو الارهاص بطلوع فجر جديد لان اللـه - عز وجل - خلق الناس ليرحمهم لا ليعذبهم ، و قد أبى ان يستمر المستضعفون والفقراء والبؤساء في وضع كهذا الوضع ، فبعث رسوله (ص) خيراً عميماً ورحمة للعالمين .
وهنا يتبادر الى الاذهان السؤال التالي : اننا اليوم نعيش في ظروف شبيهة في ابعاد مختلفة للجاهلية التي كانت سائدة قبل الاسلام ، فنحن نشهد الآن الجاهلية المادية الطاغية وهي تسعى اليـوم لتعـم بضلالتها وظلامها الارض ، فكيف ننتفع ونستلهم العبر والدروس من ذكرى مبعث الرسول الاعظم (ص) ؟
ان البعض يعتقد - للاسف الشديد - اننا لا نستطيع ان ننتفع بشخصية النبي (ص) ما دام غائبا عنا ، وهذا التصور يتضمن خطأ فظيعا ، فان يكن الرسول غائبا عنا فان الكتاب الذي اوحي الى قلبه الشريف مايزال باقيا ، كما ان سيرته الوضاءة ما تزال بين ايدينا ، وسنحاول فيما يلي الاجابة على السؤال السابق عبر طرح النقاط والملاحظات التالية :
1ـ ان الاستفادة من شخصية الرسول (ص) ممكنة من خلال دراسة سيرته ، فمن المعلوم ان رسالته (ص) كانت اول رسالة كتبت ، لان الكتابة في عهده كانت منتشرة ، وكان (ص) بدوره يؤكد عليها ، وهكذا بقيت سيرته العطرة ذخرا لنا ، فالرسالات السماوية السابقة لم تكتب بتفاصيلها كما كتبت رسالة نبينا الأعظم (ص) ، وعلى سبيل المثال فقد روى لنا التأريخ تفاصيل وجزئيات كاملة عن حياة النبي (ص) ؛ كيف كان ينام؟ وكيف كان ينهض؟ وكيف كان يأكل ويشرب ويمشي؟ واسلوب تعامله مع أهله ، واصحابه ، ... كل هذه التفاصيل وغيرها مثبتة في كتب السيرة بوضوح الى درجة ان هذه الكتب ذكرت لطريقة شرب النبي (ص) للماء ثلاثين اربا!
ومــن جهــة أخـرى فأن القرآن الكريم يقول في هذا المجال : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، والاسوة تعني ان نستلهم الدروس والعبر من سيرته وكأنه (ص) يقودنا بالفعل ويعيش بين ظهرانينا ، فعلينا ان نجسده في اذهاننا ، ولو اننا استلهمنا من سيرته العطرة كل التفاصيل وربطناها ببعضها لجسدنا سيرته ، وحينئذ نستطيع ان نتساءل عندما نواجه أي سؤال محير او موقف صعب ، كيف كان يتصرف الرسول (ص) في مثل هذه المواقف ؟ كيف كان - مثلاً - يقود الحرب ( علماً اننا بحاجة الى سيرته في الحرب لاننا في حالة جهاد ) ؟ وكيف كان ( صلى اللـه عليه وآله) يقود الأمة في حياته ، وبأي خلق كان يتفاعل مع المجتمع ، وكيف أدار ذلك المجتمع الجاهلي الغارق في الغفلة؟ والعداوات؟ والصـراع ؟
ان على كل فرد منا ، وعلى المجتمع كله دراسة سيرة النبي (ص) بشكل معمق ، وحفظ هذه السيرة ومحاولة اتباعه (ص) فيها ، وحينئذ ستكون سيرته هذه رحمة لنا كما كان وجوده رحمة لمن كان حوله .
رمز وحدة الأمة :
2 ـ ان الرســول (ص) يمثل راية واحــدة توحد الامـة ، فجميع الخطوط تنتهي الى شخصيته (ص) ، ونحن لو اتخذنا منه منطلقا للوحدة والتوحيد وتركيز الجهود ، ولو اتخذنا منه (ص) حبلا نعتصم به لأصبحنا امة قوية مقتدرة لا يمكن ان تنال منها مؤامرات الاعــداء .
وعندمـا يقول اللـه - سبحانه - : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً) ، فانه يؤكد في آية سابقة على ان حبل اللـه يتمثل في اثنيـن ؛ الرسول (ص) ، والرسالة اي القرآن الكريم ، فالاعتصام بحبل اللـه - عز وجل - يعني توحيد الصفوف تحت راية النبي (ص) ، وهذا مطلب يمكن تحقيقه لان الرسول (ص) حاكم فيما بيننا ، والاحتكام الى منهجه وتعاليمه يعد من الفرائض التي اشار اليها القرآن الكريم في قوله :( فَــلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُــمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ).
فالتسليـم لمنهج النبي (ص) من شأنه ان يوحدنا ، اما ان يعتقد كل فريق بان رسول اللـه (ص) ملكه ، وينفي انتماء الآخرين اليه ، فهذا ما سيولد الشقاق والخلاف الذي جعل المسلمين اليوم معرضين للغزو العسكري والاقتصادي والسياسي والثقافي ...
القرآن الناطق :
3 ـ لاشك ان رسول اللـه (ص) متجسد في القرآن الكريم ، فقد كان (ص) خلقه القرآن ، كما واثنى عليه الخالق - عز وجل - قائلا : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ).
ولاريب ان كتاب اللـه موجود بين ايدينـا ، وعلينا الالتصاق اكثر فأكثر بهذا الكتاب العظيم ، والاستفهام من آياته الكريمة ، والعمل بتعاليمه المقدسة ، احياءً لسيرة رسول اللـه (ص)، واستنــزالاً لرحمته التي شملت العالمين بأجمعهم ، فقد جاء اليهم بكتــاب هو نـور وهدى ، وفيه بصائر وذكر ، وفيه تفصيل كل شـيء . اننا نعيش في كل عـــام ذكرى سعيدة هي ذكرى مبعث النبي (ص) ، ونحن نهنئ انفسنا ، والعالم الاسلامي ، بل البشرية كلها بهذه الذكرى ، ونؤكد ان الرسول (ص) لم يكن رحمة للمسلمين فقط ، بل كان رحمة للعالمين . وعلينا ان نسعى ونبذل الجهود من اجل هداية البشرية كلها بسيرة الرسول (ص) الوضاءة, فأين دعوتنا هذه من الناس؟ ولماذا لا نحمل هذا السراج المنير الى جميع ارجاء العالم وخصوصا تلك المناطق التي تبحث عن النور ، والتي عانت ما عانت من الويلات والمآسي بسبب ضلالها ، وابتعادها عن الصراط المستقيم الذي رسمه لها الخالق - عز وجل - ؟
ان الدعوة الآن الى الرسالة التي سبق وان حملها نبينا الأعظم محمد (ص) ، والعمل المنظم والدؤوب من أجل نشرها ، يمثلان واجبا اساسيا نستلهمه من هذه الذكرى ، ومن هذا الحدث الحبيب الى قلوبنا . فالبشرية اليوم هي احوج ما تكون الى من يصحح انحرافاتها ، ويهديها الى سواء السبيل ، وينقذها من اسر المذاهب الوضعية التي لم تجر عليها سوى المزيد من الازمات والمشاكل في مختلف الأصعدة .
واجبنا ازاء الرسالة
ترى ماذا يجب علينا ان نفعل تجاه هذه الرسالة الالهية ؟
علينا ان نزرع الاخلاق الحسنة في ربوع هذا العالم ، شريطة ان نتحلى نحن بها اولا ثم نكون المثل الاعلى لهذه الاخلاق ، ونبشر بها كل الشعوب ، فلو عرفت البشرية ماذا تعني رسالة الاسلام حقاً لتنبهت اليها واهتمت بها وفي هذا المجال لابد ان لا تغيب عن اذهاننا هذه الحقيقة، وهي ان العالم ظمآن ، والذي يروي غليله ليس إلا رسالة الاسلام ، وسيـــرة النبي (ص)، فعلينا ان نكتب عن حياته (ص) للعالم قائلين بملء افواهنا : هذا هو النبي الذي ندعو اليه ولنعلم ان مسؤوليتنا خطيرة ، وواجبنا عظيم في هذا المجال .
ان اللـه - عز وجل - يقول : ( يَآ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ) ، فالرسول (ص) جاء ليفصل للناس رسالات اللـه ، وليبين العلم الحقيقي ، ويعفو عن كثير ، ويخفف عن البشرية اعــباءها ، كما قال - عز من قائل -: ( قَدْ جَآءَكُم مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) ، فالنور هو النبي (ص) ، وهذا النور في اشعاع أبدي ويقول عز وجل - : ( يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ) ، فهذه الرسالة هي رسالة العلم لانه نور ، ورسالة الحياة السعيدة لان السلام هو الذي يحققها .
ان البشرية كانت تحتاج في ذلك اليوم الى هذه السبل ، وهي الآن مازالت بحاجة اليها ، بل انها أحوج ما تكون اليها بسبب الأزمات والمشاكل اللامتناهية التي تعاني منها في هذا العصر والتي استعرضنا جانبا منها ، فهذه البشرية هي بحاجة ماسة الى ( السلام ) والامن والاستقرار والسعادة الحقيقية في ظل الاسلام ، وفي ظل القيادة الالهية الرشيدة ، ليخرجها اللـه - تعالى - من الظلمات الى النور ، ويهديها الى صراط مستقيم .
كيف ندعو العالم الى نهج النبي (ص) ؟
فإذا أردنــا ان نقـارن الحيــاة التي نعيشها بالحياة التي اراد اللـه - تعالى - لنا ان نعيشها لكان الفرق هائلا ، والفجوة واسعة خصوصا إذا عرفنا ان الانسان يمتلك فرصة ليعيش حياة كريمة ملؤها الرفاهيةب والسلام والسعادة .وهنا ندرك مدى حاجة البشرية الى رسالات اللـه - عز وجل - ورسله ، والى ذلك الشخص الفذ العظيم المتمثل في النبي الاعظم (ص) وتعاليمه التي من شأنها ان تجعل من حياتنا حياة اخرى .
وفي هذا المجال لنلق نظرة الى هذه الدنيا التي نعيشها ، ولنبدأ من زاوية واحدة هي زاوية الحالة النفسية ، فلو تمثلت لنا انفسنا في صورة مجســدة لرأيناها مكبلة بالقيود والاصر والاغلال ، ومثل هذه النفوس لا يمكنها ان تعيش سعيدة لانها مسجونة ، مكبلة ، ترفس في قيودها ، في حين ان الحياة التي بشرنا به الاسلام ، ودعانا اليها الرسول (ص) هي حياة طليقة حرة ، حياة الاخوة ، حياة لا تقيدها الاطماع الرخيصة .
وحتى الحياة في البلدان الصناعية المتقدمة التي تبدو قائمة على الحرية والديمقراطية فانها ليست قائمة في الحقيقة على الحرية الحقيقية لان الانسان هناك عبد لشهواته ، فأية حرية لذلك الانسان الذي لا هم له إلا التفكير في بطنه وشهواته ؟ أهذه هي الحياة ؟ أم أنها حياة ذلك الرجل الذي يقول : " واللـه لو اعطيت الاقاليم السبعة بما تحت افلاكها على ان اعصي اللـه في نملةٍ اسلبها جلب شعيرة ما فعلته ... " .
فلننظر الى تربية الانسان في عالم اليوم والى الثقافة السائدة ، انها ثقافة المادة ثقافة كل همهـا ادخال الانسان في معتقلات الدنيا .. ان الانسان انما يتهرب من هذه الحياة لانها ليست الحياة التي خلق لها ، وليست الحياة التي يقول عنها القرآن الكريم : ( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ، فالرسـول (ص) يدعو الناس الى ما يجعلهم يعيشون حياة حقيقية .
وهكذا فاننا بحاجة الى رسول اللـه (ص) لكي يغير هذه الحياة ، فهذه الحياة اصبحت الآن تافهة ، فالانسان الذي يعيش في الظلام لا يمكن ان يفهم معنى النور ، والبشرية تعيش الآن هذا الظلام ، وهي متعطشة الى النور ، وحينئذ ستدرك ان تلك المادية الطاغية التي كانت تعيشها انما كانت في الحقيقة سجناً كبيراً ، ولذلك قال - تعالى - في معرض تبيينه لصفات الرسول (ص) : (يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ اِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً اِلَى اللَّهِ بِاِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ).
انــنا نعيش حياة ملؤها الظلام الدامس ، والجور الى درجة ان الانسان يتمنى الموت لكي يتخلص منها ومن جبروت الجبارين وطغيانهم وظلمهم ، فهم يحطمون القيم بطرق مختلفة ، وينشرون الاباحية ، ويحاربون كل من يدعو الى اللـه - جل وعلا - .والسؤال المهم الذي اريد ان اطرحه هنا هو : كيف نعيد البشرية الى حياة الرسول (ص) ، الى تلك الحياة المليئة بالسعـادة الروحية ، والهنـاء المـادي ؟ والجواب يتلخص في نقطتين مهمتيــن :
1ـ ضرورة وجود مجموعة من الناس الذين لا يهابون اية قوة ، ويحملون رسالات اللـه ، والذين قال عنهم اللـه - عز وجل - : ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً اِلاَّ اللَّهَ) ، ووجود مثل هؤلاء كفيل باعادة البشرية الى تلك الحياة السعيدة القائمة على القيم والمثل الالهية .
2ـ ان نتحدث للعالم عن حياة الرسول (ص) وانجازاته العظيمة ، والسؤال المطروح هنا : ترى كم كتبنا عن شخصية النبي (ص) ، وهل نحن في المستوى المطلوب في هذا المجال ؟
لقد كُتبت وأُلفت الكثير من الكتب من قبل المستشرقين ، وهم يكتبون كأعداء ، ويتكتمون على الكثير من الحقائق ، فأين نحن من الرسول (ص) ؟ واين نحن من الامام السجاد (ع) الذي كان يقول : " كنا ندرس مغازي الرسول (ص) كما ندرس القرآن " !
ان علينا الآن مسؤولية كبيرة ازاء اطفالنا ، فنحن مكلفون بتعليمهم سيرة الرسول (ص) لكي تعيش هذه الشخصية العظيمة في قلوبهم، ترى كم واحداً منا قرأ كتابا عن حياة النبي (ص) ؟ وهل تكفي قراءة هذا الكتاب الواحد ؟ وكيف يكون الرسول نبينا ونحن لا نعرفه ؟ ان معرفة الرسول والأئمة شرط من شروط كمال الانسان .
ولذلك فان من الواجب علينا ان نعرف الرسول (ص) أولا ، ثم نعرف العالم به بعد ذلك لكي نستطيع ان نقدم صورة ناصعة لهذه الشخصية العظيمة الى البشرية وهي تعيش اليوم احلك الظروف وأكثرها تأزما حيث تصبح الحاجة الى النهج الذي بشرت به هذه الشخصية حاجة اساسية من حاجات العالم اليوم