قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
قراءة في كتاب : التاريخ الاسلامي.. دروس وعبر
قراءة معاصرة للاخطاء الفادحة
عدنان عباس سلطان
الحركة الزيدية وتخطيط الثورة:
تخبرنا الوقائع التاريخية بان حركة زيد قد خضعت للتخطيط اكثر من جميع الثورات التي سبقتها مثل ثورة التوابين وثورة المختار وغيرها وقد نالت من جراء ذلك ان تتحول الى تيار ثوري اجتماعي امتد طويلا.
وقد قام زيد باتصالات خاصة مع القوى المناوئة للحكم القائم أنذاك، فقد اتصل بحسب النقل التاريخي مع المرجئة والخوارج والمعتزلة واطراف اخرى بما يشبه الائتلاف منطلقا من ان هذه القوى كلها تشكل جبهة عريضة يمكنها ان تحسم النضال لصالح القضية الاساس والخلاص من نير التسلط والاستبداد والاستيلاء على الحكم وضم الجبهة الاسلامية في عباءة ما يشبه الاحتواء الديمقراطي او التعددية السياسية بالمفهوم المعاصر ان صحت الروايات التي اكدت اتصالاته تلك.
وكان من الممكن ان تنال النجاح في ظل الظروف القائمة في ذلك العصر وامتداد المظالم في جسد الامة الاسلامية ولكن ان كنا قد عرضنا الجوانب الايجابية للتخطيط الذي خططه زيد فان هناك اخطاء كبيرة قد ارتكبها زيد اثناء التخطيط وكانت سببا قويا في انتكاس الثورة واستمرار مأساة الامة في حكّامها الظلمة على مدى التاريخ.
1ـ اعلان ثورته لدى هشام بن عبد الملك ضمن الطريقة المكشوفة بالقاء الحجة على الحاكم وهي ضمنا معروفة وتشبه الى حد ما الاستئذان لدى الخصم بالحرب أي تنبيه الغافل واستنفار المطمئن واستفزاز الكامن.
والظالم في كل الازمان لا يرتد عن الظلم لأي سبب كان فليس حجة زيد باقوى من الرسالة التي كانت طرية انذاك ولا القرآن الذي كان صاعقة العصر في تلك الفترة فلكل هذا لم يكن هناك ارتداد ولا اتعاض فكيف يمكن لزيد وهو ليس بالاهمية التي توازي الكتاب والرسالة لكي يكون سببا في رد هشام بن عبد الملك؟ يضاف الى ذلك وهو المهم جدا ان هشام بن عبد الملك نفسه لا يعير أهمية لزيد ويعده أنساناً حالماً شان من يحلمون بالملك والحكومة مجرد أحلام لا تتحقق ويظنه متطاولاً تطاول الأقزام، وفي قول هشام لزيد: انت الذي تنازعك نفسك للخلافة؟ كلمة (أنت) تعني في العربي انك صغير وغير ذي هيبة لا في مال ولا شأن اجتماعي او سياسي وتطالب ان تكون خليفة!!
وكلمة (انت) لازالت تعاب حتى في وقتنا الحاضر.
ولذا فقد منعه من الدخول عليه لمد اكثر من اربعين يوما، إضافة الى اتهامه بخيانة الامانة والمديونية غير المستوفية لأصحابها تسفيها وتحقيرا له واسقاط صفته بيده على انه أي زيد مجرد رجل اقل من العادي تتداوله الشرطة مخفورا بين المراكز والمحاكم،
ونتساءل كيف ياخذ هشام بن عبد الملك ويصغي للقول فيتبع احسنه ويترك الملك العضوض؟
ان التجارب الانسانية على مدى التاريخ وحتى التاريخ الذي قبل ثورة زيد انما يدلل بأن الطغاة سواء عرفوا الحق او تجاهلوه فانهم لن يرضخوا ابدا إلا لصوت السلطة، وقد ذكر القرآن الكريم قصصهم عبر الحقب التاريخية الموغلة في القدم، فان من يبغي حرب الظلمة فليبادر دون إنذار مسبق وليأخذهم على حين غرة وعلى حين غفلة وهم يعمهون.
2ـ اصرار زيد على المقابلة لمدة طويلة امتدت لأربعين يوما! وهو يقف على باب الخليفة منتظرا الاذن بالدخول وكأن الامر مهم لدرجة انه ينتظر بلا يأس، ذلك تسفيها له ليس امام الحاشية وانما امام الشخصيات التي تختلف مع الحكومة بعلاقات شتى ايضا وهو بالتالي سيبدو صورة باهتة امام الشعب هناك او حتى امام القاعدة التي يتشكل منها البعد الجماهيري المناوئ للحكم الاموي.
وقد يكون الخليفة ارسل البريد الى المدينة ليتحصل له تقرير مفصل من الحاكم المنصب هناك عن السيرة المعارضة التي يتفاعل بها زيد في المدينة وهو وقت كافي للذهاب والورود من المدينة الى الشام.
3ـ الوقوع بنفس الخطأ الجسيم وذلك بالاعلان عن النوايا سواء من قبله ضمن المقابلة التي حصلت بينه وبين هشام بن عبد الملك او من خلال التفاعل غير السري في الكوفة حيث لم يتخذ جانب السرية وقد كان الوالي المنصب من قبل الامويين على علم بالتوقيت فاوقت الامر في يوم معين وجمع الناس في المسجد كرهائن او كدرع لوأد الخطة او على الاقل استفزاز الثوار واستغلال ردود افعالهم، وفعلا فقد استطاع ان يستفز زيد والثوار الذين معه وزجهم في معركة غير متكافئة وجزئية وبذلك بدأت الثورة وكان المبادر فيها الخصم خلافا للوقت المتفق عليه بينا لاطراف الثورية حيث انها استجابت للاستفزاز.
هناك ثغرات كبيرة في التاريخ الاسلامي اغفل ذكرها وهي صفحات مبتورة تعرضت لكثير من الاغفال والمحو والاهمال لعدة ظروف نجهل اغلبها ولا نبيح باكثر التحليلات لظروف متنوعة وليس الحقيقة التاريخية سوى نتف خائفة من وجوه عدة حتى في الزمن الحاضر على ان تلك الثغرات تدعو وتعطي هامش كبير للتحليلات وفق المنطق التاريخي وطبقا للتجارب التي مرت في المسار السياسي المعاصر ولو اننا تجرأنا على تلك الثغرات فاننا قد نظن بأن انصار زيد كانوا قليلين جدا في الكوفة او ان القاعدة ليست بالمستوى الثوري الناضج ونستدل على هذا الظن من خلال ان زيدا ظل معلقا لمدة اربع سنوات ولم يجرؤ احد على نزعه من المكان الذي صلب فيه طيلة تلك المدة الطويلة في حين ان امرأة فقط قد تجرأت وقالت انزلوا هذا الفارس لكي يترجل من وقفته التاريخية التي هي عار وشنار على اتباعه الذين عاهدوه ان يبذلوا مهجهم دونه ودون الحق الذي يؤمنون به.
ومعلوم ان ذلك ممكن لو انهم ارادوا ونزعوا روح المهانة والخنوع فليس هناك قوة ومواصلات ولا اجهزة اتصال تؤلب عليهم القوى العسكرية وتصدهم عن فعل ذلك بالسرعة المطلوبة كما هو الحال في الزمن الراهن.
وبامكاننا ان نستدل ايضا على هذه الحالة في ان التجاوز على السلطة على مدى التاريخ كان يحصل باستمرار فالجريمة تقع والسرقات تحصل والتعدي على السلطة مستمر كذلك تدار عمليات المعارضة للدولة القائمة أي دولة كانت، وهي امور عادية ومتوقعة في كل زمن فكيف والامر يتعلق بقضية كبرى مثل قضية زيد وتعد استمرارا لقضية آل بيت النبي (ص) التي بدأت بثورة الحسين بن علي (ع).
ومع ذلك فان الجماهير او حتى فئة صغيرة يمكنها في الوقت الراهن ومع تطور اجهزة الاتصال ان تفعل ذلك وتتفرق في متاهات المدينة او في المفازات وما اكثرها في ذلك الزمن، هذا استنادنا على ضعف القاعدة التي استند عليها زيد، وكانت قد اودت به الى الفشل والى تعليقه لمدة اربع سنوات ثم احرق وذري في الهواء.
اما السبب الذي حولها الى تيار اجتماعي ثوري فهو قد نما من حالة التعاطف لاهل البيت (ع) ومن جراء التعليق الظالم الطويل وخمود الثورات بعد زيد وابنه يحيى لمدة طويلة وظلت في النفوس تلك الثورة التي قضي عليها بكل وحشية.
والشئ الايجابي الذي تركته تلك الثورات المتوالية انها قد اسست لأنهيار الدولة الاموية فيما بعد وكذلك اسست لأستمرارية النضال بالنسبة للرساليين الى الآن