قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

أم البنين... صوت الوفاء الخالد
*علي ناصر الصايغ
كلنا يعلم عمق وسعة حنان الأم نحو أبنائها، وجميعنا يدرك مدى حالة الأنانية التي تحتل مساحة واسعة في نفس كل أم إذا ما خُيرت بين أبنائها مع غيرهم من الأبناء في التربية، حتى وإن كانوا أقرب الناس إليها، فمن الصعب حينئذٍ أن تنسجم غريزة حبّ الولد مع تجاوز الأم أبناءها لصالح أبناء آخرين، وإذا أحاط خطر ما بالأولاد فلا تفكر إلا بهم، ولديها الاستعداد أن تقدم حياتها في سبيل نجاتهم.
أم البنين نموذج المرأة الصالحة
كانت أم البنين (سلام الله عليها) نموذجاً يحتذى به في الأخلاق الرفيعة والتربية، فقد عدّت أبناء الزهراء (ع) أمانة في عنقها فعهدت على نفسها بأن تقدم إليهم أفضل مايمكن، فكانت مراعية لأحاسيسهم متفهمة لهم، حتى طلبت من الإمام علي (عليه السلام) أن لا يناديها باسمها ولذا لقبها الإمام بأم البنين، كما ربّت أولادها على احترام اخوانهم من الزهراء (ع) فقد ورد ان الإمام العباس (عليه السلام) كان ينادي أخوته بنور عيني وكذا باقي اخوته ويتنافسون على خدمتهم، ويقول علي رباني خلخالي في كتابه: (أم البنين النجم الساطع في مدينة النبي الأمين): كانت السيدة أم البنين تكن في نفسها من المودة والحب للحسن والحسين ما لا تكنه لأولادها الذين كانوا ملء العين في كمالهم وآدابهم، ويقول: لقد قدمت أم البنين أبناء رسول الله على أبنائها في الخدمة والرعاية، ولم يعرف التاريخ أن شريكة تخلص لأبناء شريكتها وتقدمهم على أبنائها سوى هذه السيدة الزكية، فقد كانت ترى ذلك واجباً دينياً لأن الله أمر بمودتهما في كتابه الكريم فقال تعالى "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى" وهما وديعتا رسول الله صلى الله عليه وآله وريحانتاه، وقد عرفت أم البنين ذلك فوفت بحقهما وقامت بخدمتهما خير قيام، وقد وجد عندها أولاد فاطمة الزهراء (ع) من العطف والحنان ما عوضهما من الخسارة الأليمة بفقد أمهما سيدة نساء العالمين، التي توفيت في بدايات عمرها الشريف.
مناقبها (رضوان الله عليها)
تجلت حقيقة الإيمان والتقوى، وروح العفة والطهارة في شخصية أم البنين (سلام الله عليها) وعن فضائلها وجميل خصالها وعظيم قدرها، يشير الإمام الشيرازي إلى ذلك بقوله: (...فكانت أم البنين قد بلغت درجة من الفضل والكمال حيث رضي أمير المؤمنين (عليه السلام) بخلقها ودينها، فأقدم على الزواج منها، فعندما تزوج منها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وجاء بها أهلها لدار أمير المؤمنين (عليه السلام) لم تدخل إلى بيت الطُهر قبل أن تلمس رضا الحسنين عنها فانحنت إِجلالاً تستأذنهم أن تكون خادمة في بيتهم فدخلت الدار وهي تتشرف بخدمتهم للرعاية والتربية والقيام بواجبهم .
هكذا كانت هذه المرأة، النموذج الإنساني في ظاهره والملائكي في ما تحمله من الفضائل والصفات النورانية والذي تمثل في أم البنيين (عليها السلام) فقد كان ينتظرها دور مهم في حياتها تلك المرحلة لتميزها عن غيرها من النساء فهي ذات حسب ونسب ومن العوائل ذات الشرف والرفعة في الأخلاق والفضيلة والمزايا الحسنة، فقد دعا أمير المؤمنين أخاه عقيلاً ذات يوم وقال له: اختر لي إمرأة ولدتها الفحولة من العرب، من ذوي البيوتات والحسب والنسب لتلد لي غلاماً فارساً رشيداً؟ وقد عرف عقيل بخبرته وحفظه في علم الأنساب ومعرفته بالعرب، ففكر وفحص وبحث ديار أنساب العرب ودرس أخلاقهم وطباعهم حتى أختار له (فاطمة) والتي سميت في ما بعد بأم البنين عليها السلام فعرضها على الإمام أمير المؤمنين ذاكراً صفاتها وخصال أهلها وقبيلتها، فأمره الإمام عليه السلام أن يخطبها من أهلها.
الوفاء الذي شع من إيمانها
إن فاطمة (أم البنين) عليها السلام، لم يكن سلوكها المتقولب بالآداب والاحترام اعتباطاً، بل يدل على خلفية دينية وثقافية بمعرفة أهل البيت (ع) كانت تمتلكها هذه المرأة العظيمة حتى نالت شرف الدخول الى بيت الإمامة فكانت تنظر الى الإمام علي (عليه السلام)، كإمام مفترض الطاعة، وكذا الى الحسن والحسين (ع) وليس ذلك إلا من صفاء فطرتها وكمال علمها، وحسن معرفتها بأهل البيت (ع) وعندما دخلت بيت الإمامة كانت شخصيتها تزداد صقلاً وإشعاعاً بعدما مزجت بنور الله في أرضه، وقد أدت الأمانة على خير وجه، وقد كانت على معرفة بواقعة الطف لذا كانت تنتظر ذلك اليوم وقد استعدت إليه فأنتجت أربعة أبطال كانوا مصداقاً لنعم الوفاء والتربية الصحيحة، حتى عندما جاء الناعي ينعى موت الحسين (ع) ذُهلت بالخبر، والمعروف ان الناعي ينعى الميت، إلا أن ذهولها جعلها تسأل عن خبر الإمام (ع)، فسأل الناعي عنها فقيل له هي ام البنين، فقال لها العذر فقد فقدت أربعة ابطال، واخذ يعدد اولادها الواحد بعد الآخر ولكنها أصرت في السؤال عن الحسين (ع) التي لم تتحمل خبر مقتله حتى اذا قال لها باستشهاده أحست بعظمة الألم الذي كان عليها أكبر من فقدانها أولادها، ونعم مااختار الإمام علي (عليه السلام) من امرأة لتكون صورة متكاملة الملامح لتكون قدوة لنسائنا في سلوك الطريق الصحيح.
9