قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الشباب في القرآن الكريم
*كريم محمد
إن القرآن الكريم وإن لم يتناول موضوع الشباب بشكل مباشر، إلا أنه تناول شيئاً هذا الموضوع عندما تحدّث عن (الفتوة) كونها المضمون الصالح للشباب، وأيضاً عندما ضرب للشباب أفضل الأمثلة وأجملها في عدد من الأصفياء من الأنبياء الذين اختارهم الله عزّ وجل لرسالاته ووحيه والأولياء الذين امتحنهم لعبادته .
فكان المثال الأول هو النبي إبراهيم (عليه السلام )، فإنه كان يتطلّع إلى الآفاق الواسعة، ويفتش عن الحقائق الناصعة، ويملك الشجاعة العالية، فيتأمل ويفكر في ملكوت السموات والأرض، حتى أدله الله تعالى على الحقيقة، فآمن بالله وتبرأ من الأصنام ومن كل المشركيـن، فكانت حكايته مع الأصنام التي حطمها وجعل الفأس في رقبة كبيرهم، "قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ" (الأنبياء/ 59-60)، وجاء التكريم الإلهي لهذا النبي العظيم: "وَكَذلكَ نُري إِبرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَمَاوَاتِ وَالأرضَ وَلِيَكونَ مِنَ المُوقِنِيـنَ" (الأنعام/ 78)، وبهذا يصبح إبراهيم (عليه السلام) القدوة لكل الفتيان والشباب الموحدين الشجعان الرافضين للوثنية والشرك والانحراف والضلال .
والمثال الثاني الذي يضربه القرآن الكريم للفتيان والشباب هو النبي يوسف (عليه السلام)، وهو الذي آتاه الله العلم والحكمة عندما بلغ أشده، وأصبح الفتـى القوي والجميل والصابر والصامد أمام عواصف الشهوة وإغراءات الجنس والمال والجاه، وأيضاً أمام ضغوط الاضطهاد والقمع والتهديد بالسجن والنفي، كل ذلك تجاوزه ذلك الفتى اليافع والرقيق، ليقدم مثالاً رائعاً وخالداً للتاريخ والأجيال بامكانية وصول فتى في عمر يوسف الى أعالي النفس الانسانية، ويكسر كل أشكال العبودية لغير الله تعالى من الشهوة الجنسية والمال وغيرها. قال تعالى: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ" (يوسف/ 22). "وَرَاوَدَتهُ التي هُوَ فِي بَيتِهَا عَن نَفسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبوَابَ وَقَالَت هَيتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحَسنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظالِمُونَ" (يوسف/ 23) .
والمثال الثالث هو النبي موسى (عليه السلام )، وهو الذي عاش في أحضان البيت الفرعوني، وتربى في محيط الطاغوت والجبروت والتـرف الجاه والدلال، وكان فرعون قد اتَّخَذَهُ ولداً له، وهذا يعني لأي انسان بانها ولاية العهد والسلطنة والجاه العظيم، وربما يفكر البعض بانه يمكن بعد ذلك القيام بأي عمل يرتأيه في سبيل الله! إلا إن موسى (عليه السلام) بقي متمسكاً بجذوره الرسالية ومرتبطاً بأصله الإلهي الرباني، يتجنب معونة الظالمين، وينتصر للمظلومين ويدافع عنهم، ويَمُدُّ يَدَ العَونِ والمساعدة للضعفاء والمحتاجين، وكان يتحمل الآلام والمعاناة والمطاردة والهجرة من أجل ذلك، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، قال الله عزّ وجل في حقّه: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاستَوَى آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ" (القصص/ 14).
والمثال الرابع هم أهل الكهف، حيث قال الله سبحانه وتعالى بحقهم: "إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدنَاهُم هُدىً وَرَبَطنَا عَلَى قُلُوبِهِم إِذ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ لَن نَدعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَد قُلنَا إِذاً شَطَطاً" (الكهف/ 13-14) .
هذه الصور والأمثلة الواقعية الجميلة والمعبِّرة عن الأبعاد المختلفة تنطلق من مفهوم صحيح للفتوة والشباب والقوة، وهو التوحيد في العبودية ورفض العبوديات الأخرى، ولجم الشهوات والرغبات، ونصرة المظلومين والدفاع عنهم، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين، والتمرد على الواقع الفاسد ورفضه بشجاعة وتضحية .
وقد ورد توضيح هذا المفهوم للفتوة والشباب، ومضمونها الحقيقي عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك من خلال ذكر المصاديق الصحيحة لها، فقد ورد عن أبي قتادة قال: (كنا عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) إذ تذاكروا عنده الفتوة، فقال: (عليه السلام) (وما الفتوة؟ لعلكم تظنون أنها بالفسوق والفجور!! كلا، إنما الفتوة طعام موضوع، ونائل مبذول، وبشر مقبول، وعفاف معروف، وأذى مكفوف، وأما تلك فشطارة فـتـى) .
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (نظام الفتوة احتمال عثرات الأخوان وحسن تعهد الجيـران )، ولذا أصبح الاتصاف بالفتوة أجمل زينة للإنسان، كما ورد عنه (عليه السلام) في غرر كلماته وحكمه: (ما تزين الإنسان بزينة أجمل من الفتوة).
وفي مقابل ذلك نجد القرآن الكريم يضرب أمثلة أخرى للشباب المنحرف والتائه والمغرور والضال والجاهل، وأورد ذلك في قصة ابن نوح حيث قال تعالى: "وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلا تَكُن مَعَ الكَافِرِين * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللهِ إِلا مَن رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ" (هود/ 42-43) .
ومثال آخر يتحدث عنه القرآن الكريم ويعبر عن حالة الانحراف في الشباب حيث العقوق للوالدين والتمرد على الله تعالى والتوغل في الجهل والغي، فقال تعالى: "وَالذِي قَالَ لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَن أُخرَجَ وَقَد خَلَت القُرُونُ مِن قَبلِي وَهُمَا يَستَغِيثَانِ اللهَ وَيلَكَ آمِن إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَاهَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ" (الأحقاف/ 17).
ولذلك يكون الولد الشاب الصالح قُرَّةَ عينٍ لأبيه، وامتداداً للمسيرة الصالحة، ويكون الولد الفاسد عدواً لأبيه وضرراً عليه.
وأخيراً ندعو الله سبحانه بالآية الشريفة: "رَبَّنَا هَب لَنَا مِن أَزوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعيُـنٍ وَاجعَلنَا لِلمُتـقِينَ إِمَاماً".
1