قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

ماذا تترك وماذا تأخذ؟
*يونس الموسوي
الناس إما يتركون أو يأخذون، فهم يتركون الشر ويأخذون الخير، لكنهم أحياناً يتركون الايمان ويأخذون الكفر! أو يتركون العمل السيئ ويتجهون صوب العمل الصالح، أو يأخذون الأموال ويتركون النبي (صلى الله عليه وآله)! فهل يمكن أن يحدث ذلك؟ وهل من المعقول أن المسلمين أخذوا الأموال وتركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
نعم هذا ما حصل و يؤكده القرآن الكريم في الآية الشريفة "وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا" (الجمعة،11) فهؤلاء المسلمين جذبتهم الأموال إلى الدرجة التي لم يعودوا يروا نبيهم الذي كان بينهم فتركوه وذهبوا إلى ما تميل إليه قلوبهم.
فالآخذ والترك واحدة من القضايا المهمة التي يجب أن ننتبه إليها حتى لانندم عندما نتخذ قرار الأخذ والترك، فهؤلاء لو كانوا قد أخذوا برسول الله (ص) وما تركوه وحده، لما كانوا وعلى الأزمان مذمة القرآن الكريم، حيث أصبحوا المثل السيئ على الذين لايعرفون قيمة الصحبة مع رسول الله (ص) فيتركوه ويتركوا صحبته من أجل حفنة من المال.
هذا مثل سيئ، وفي الأقوام السابقة كانت هناك أمثلة سيئة لأولئك الذين تركوا أنبياءهم وتشبثوا بأصنامهم وآلهتهم، وقالوا يحدثنا القرآن الكريم: "وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ" (الصافات،36) وأيضاً "قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ" (هود،53)، هم تمسكوا بالحجر والصخر وتركوا النور الذي في كلام نبيهم، فهؤلاء كانوا بحاجة إلى علم يمكنهم من وزن الأشياء وتقديرها بشكل سليم حتى يتمكنوا من إتخاذ القرار السليم في الأخذ والترك.
هذه الحالة هي غير مقتصرة على تلك الأقوام وإنما قد تسري إلى الأقوام المعاصرة أيضاً، لأنهم كانوا يملكون العقول والأحاسيس والمشاعر التي نملكها اليوم، لكنهم لم يصيبوا في تقدير الأشياء فأخذوا وتمسكوا بالشيء الذي كان لابد أن ينبذوه، وتركوا الشيء الذي كان يتوجب عليهم التمسك به، فماهي الضمانة التي تحجزنا عن الوقوع في المتاهة التي وقعوا هم فيها؟
إننا قد نسقط بنفس المنزلق الذي سقطوا فيه لكن الذي قد يحجزنا عن ذلك هو معرفتنا بما ينبغي علينا تركه وما هو الشيء الذي يتوجب علينا التمسك والأخذ به، وبالطبع نعرف ذلك بعد أن نميز بين قيمة الأشياء.
لنأتي بمثال من التاريخ ومن الكوفة في عهد الإمام الحسين (عليه السلام)، فهم أخطأوا في تقدير قيمة الأشياء، و تمسكوا بالدنيا وطاعة يزيد وتركوا ولاية الحسين (عليه السلام) والدار الآخرة، وهنا يكون الإنسان في موقف صعب وعليه أن يتخذ قراراً مصيرياً، لأن القضية كانت عبارة عن موت أو حياة، فإما يكون مع الحسين شهيداً خالداً وإما يخلد إلى الأرض خوفاً من ضريبة رفض الباطل والأصنام البشرية، فماالذي يختار؟ هذا السؤال لايقتصر على زمن الإمام الحسين (عليه السلام)، إنما هو يتكرر عبر الأزمان المختلفة والأماكن المختلفة ومثلما أحس بثقله ذلك الرجل من أهل الكوفة الذي تشفّى بالأمام السجاد وهو مع السبايا، لكنه عاد الى رشده عندما أدرك ضلاله وحقيقة هؤلاء الأسرى وحقيقة النظام الحاكم والفاسد، فأنت أيضاً وفي زمن آخر قد تستشعر ذلك الثقل، وكل واحد سيجيب عن ذلك السؤال بطريقته الخاصة يوماً ما.
نعود ونقول بأن الذي يعرف ما ينبغي عليه تركه أو التمسك به، يكون أقدر على التعامل مع القضايا، وعلى مقدار التضحية التي سيقدمها في سبيل ذلك الشيء الذي سيتركه أو يتمسك بنقيضه، فأنت لابد أن تعرف قيمة الولاء لآل بيت النبوة (صلوات الله عليهم) حتى تستطيع أن تعطي من نفسك ما تقدر عليه من العطاء في سبيل مبادئهم، وإذا لم تعرف قيمة ذلك فإنك ستتخلى عن تلك المبادئ في أول إبتلاء يصادفك في حياتك، لأن الجهل يقود إلى الشك والتردد، وهذا الطريق لايحتمل الشك والتردد فإما أن تأتي عن إيمان ويقين حتى تصبح جندياً في جبهتهم أو تتركهم وتنتمي إلى جيوش أعدائهم، فهؤلاء العظام لايخسرون شيئاً عندما يفقدون واحداً أو إثنين وإنما الخسران سيكون لمن يخذلهم ويتخلف عنهم.
في الواقع أن من يترك هذا الطريق، يكون مسلوب التوفيق من الله تعالى لمواكبة مثل هذه المسيرة، فنراه يتخبط في ظلمات الجهل والشك والتردد "ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ" (البقرة،17)، إن طريق الإيمان أمامهم لكنهم لايشاهدوه ويجادلوا بشأنه، بل وينكروه، لأنهم لايملكون النور الذي يتفحصون به طريق النجاة.
هذا النور لايستطيع أن يحصل عليه الإنسان من أي مكان.. إذن ماذا نفعل؟
ندعو الله دوماً وأبداً أن يعطينا هذا النور ولايسلبنا إياه، لأنه لوسلبنا النور ضعنا وتهنا في ظلمة الحياة الدنيا، ولاينفعنا بعد ذلك لامال ولابنون.
لكن كيف نحصل على هذا النور؟
يبدو أن أمور الحياة متصلة بعضها بالبعض فأنت من أجل أن تصل إلى غاية الإيمان والعمل الصالح وجنة الخلد بحاجة إلى النور الذي يرشدك إلى هذا الطريق، والنور يحصل عليه المرء بعد النجاح في إختبار الإيمان والعمل الصالح فالقرآن الكريم يقول "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ" (العنكبوت،2) وقال عزوجل أيضاً "أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى" (القيامة،36) والإنسان في هذا المضمار يدخل في إختبار شديد ولابد أن يسجل موقفه في هذا الإختبار، حتى يحصل على هذا النور.