قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الاهتداء بالقرآن الكريم الطريق الأقرب إلى السعادة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *يونس الموسوي
ندعو الله سبحانه وتعالى كل يوم بالهداية إذ نقول في صلاتنا: "إهدنا الصراط المستقيم" وربما يثار السؤال التالي هنا: ماهي ضرورة أن يكرر المرء يومياً طلب الهداية؟ وإذا كان طريق الهداية واضح ومعلوم لأغلب الناس فما الذي سيبينه الله سبحانه وتعالى للمؤمنين وإلى أي طريق سيرشدهم؟ وما هي الحاجة إلى المبالغة في هذا الموضوع؟
إذا عرفنا أن الهداية تدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الإنسان لاكتشفنا أنه لامبالغة من تكرار الدعاء بطلب الهداية، فنحن في كل يوم بحاجة إلى تجديد الايمان والإلتصاق بنور الهداية لكي يمضي يومنا بأحسن صورة وبأبهى شكل وبأفضل الأعمال، فلا يقول أحد أنني إهتديت إلى سواء السبيل وضمنت على الله جنة الخُلد، فالقلوب متقلبة بين الإيمان وخلافه، وربما كان الظاهر إيمانياً والباطن غير ذلك، وربما كان العكس، وذلك كله هو نتيجة طبيعية للصراع القائم وغير المنتهي بين الخير والشر على قلب الإنسان.
ففي كل يوم تصل الإنسان ملايين الرسائل والبيانات والدعوات من جانب عالم الخير وعالم الشر، فالشيطان القابع على مملكة الشر لايدع المؤمنين يستريحون لإيمانهم وتستقيم لهم الأمور، فهو يأتي إليهم بألف ثوب وألف زي وآلاف الرسائل التي تدعوه إلى الخوض في الباطل، ولايستطيع المرء أن يضمن بأنه لن يتأثر بواحدة من تلك الرسائل الشيطانية، إذا لم نقل أكثر من ذلك بكثير، فان ما نلاحظه من مساوئ في حياتنا العامة هي كلها آثار لاستجابة البشر لنداء الشيطان، وبمقدار سوء الحياة هناك بنفس المقدار إتباع للشيطان وهذه معادلة علمية.
وربما كان المرء في الصباح على حال ودخل الليل على حال آخر، والقلب سمي قلباً بسبب تقلبه، وهذا أيضاً ينطبق على الأحوال والحالات النفسية، فإنك تجد نفسك صباحاً في حالة من الفرح والسرور فتُمسي على الحزن والكآبة وربما لاتعرف سبب ذلك وفي الإيمان أيضاً هناك صعود وهبوط، وعلى الإنسان أن يسعى إلى تحقيق التوازن في هذه التحولات، وأهم محطة لتحقيق مثل هذا التوازن يكون عن طريق الصلاة، فربما يخطأ المرء ويذنب في وقت من الأوقات فيعود إلى الله من خلال الصلاة ويعترف بذنبه أمام بارئه ويتوب منه.
وهكذا يتبين أن الإنسان دائم الحاجة إلى الهداية حتى يضمن الإستقامة لطريقه والصلاح لعمله، فأنت ومنذ أن تستيقظ من الصباح الباكر يقابلك الشيطان بوجهه القبيح المليء بالأصباغ والألوان وهو يستزلك ويحاول معك في هذه القضية وفي تلك المسألة وفي ذلك الشأن، فإذا كنت من أصحاب الإيمان فإنه لايقدر عليك، وأما إذا كنت متوسط الإيمان تكون عند ذلك بين هذا وذاك، وأما إذا لم تكن كذلك معاذالله عندها يكون قلبك مرتعاً للشيطان ويدك التي يبطش بها، وبدنك الذي في خدمته.
فأنت لست فقط بحاجة إلى إرادة قوية لمواجهة الشيطان بل بحاجة أيضاً إلى فكرة نيرة تكشف لك الخير من الشر والسوء من الصالح، فالإنسان يمر بمواقف كثيرة وهو لايعلم بالتأكيد هل يقدم على العمل الفلاني أم لا؟
وهل أن ذلك يرضي الرحمن أم مرضياً للشيطان؟
وما هو السبيل وكيف العمل؟
نحن نطلب الهداية من الله في أن يضع اقدامنا على صراطه المستقيم، وأن لايخفي علينا منهجه القويم فأن الإنسان المؤمن لديه المنهج القويم الذي يجعله مناراً لهدايته، إنه القرآن الكريم، وهو كلام الله المنزل على قلب رسوله وفيه جواب كل شيء وأن من يستضيء بنوره لن يضيع أبداً في هذه الدنيا الضالة وبين هذه الأعلام المشرعة للبدعة، فقد جاء في الذكر الحكيم "ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ" (البقرة /2)، فالمتقون إتبعوا هذا الكتاب المنزل حتى وصلوا إلى هذه المرتبة، وهم سيمكثون في القمة ما دام القرآن كتاب هدايتهم، فهوالذي سيحفظهم من الفتن ومن البدع ومن الضلالة ومن الإنحرافات الفكرية والسياسية التي تعج بها المجتمعات، وتحقيق هذا الأمر يتطلب بالطبع قراءة جديدة للقرآن الكريم هي ليست قراءة من أجل الصوت، بل من أجل المعنى، قراءة يدرك معها الإنسان غاية الخطاب القرآني وأهدافه العظيمة في تشييد حضارة الإنسان على أسس الخير والفلاح.
في كل آية من القرآن الكريم هناك درسٌ يجب أن نتعلمه من أجل حياتنا وسعادتنا في الدارين، وفي كل عبارة هناك حكمة يجب أن نتقنها ونتبع نورها حتى نصل إلى الرشاد، وفي كل كلمة من الكلمات القرآنية هناك دواء لشفاء الصدور من أعظم الأوبئة والأمراض، تعالوا لنبحث عن هذا الدواء في كل حرف من حروف القرآن الكريم.
ومن خلال التعمق في كلمات الله سنصل إلى أنوار حقائقها ومعانيها، ومن ثم الغاية منها، ومن خلال القراءة المتأنية والدقيقة والمتفكرة يمكننا أن نصل إلى ذلك، وليس عن طريق القراءة السريعة، فالقرآن الكريم ليس كأي كتاب يطالعه المرء على عجل.
إننا نقرأ في القرآن الكريم وهو يقول: "أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (البقرة /5) وذلك عندما يصف المتقين، غير أن السؤال الذي يرد في الذهن، هو: من أين تأتيهم الهداية من ربهم؟
هل تأتيهم عن طريق الوحي؟ أو عن طريق الإلهام؟ أو عن طريق العقل؟
القرآن العظيم نفسه يجيب عن ذلك في الآية الثانية من السورة حيث يقول "ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"، فالهداية كانت تأتيهم من ربهم عن طريق القرآن الكريم وأن الميزة الكبرى التي تميز هذا الكتاب هو أنه لاريب فيه، في حين أن بقية الكتب حقائقها نسبية ويسري في النفس شيء من الإرتياب بشأنها لكن هناك ضمانة هي أكبر من كل ذلك تتحقق من جراء الاهتداء وهي متعلقة بمصير الإنسان وحياته الدنيوية والأخروية، وهذه الضمانة هي: تحقيق الأمن والسرور والسعادة للإنسان، وعلى المستوى الفردي فقد ثبت علمياً أن الأفراد الأكثر إيماناً هم أكثر سعادة من الآخرين، وفي تجربة علمية إكتشفوا أن المرضى الذين يعمرون قلوبهم بالإيمان هم أسرع للشفاء من غيرهم، أما على الصعيد الإجتماعي فان بالايمان يتم تحقيق الأمن والسعادة للمجتمع، وقد جاء في القرآن الكريم: "فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة /38)، وهذا كما يبدو من القرآن الكريم إنه وعد إلهي بتحقيق الأمن والسلامة والسعادة لأولئك المهتدين.
وهنا لابد أن نؤكد أن هناك حقيقة علمية ثابتة تقول والحقيقة العلمية الثابتة تؤكد أن الإنسان الذي يسيطر على غرائزه يصل إلى درجة الكمال، وعلى هذا الأساس فإن الإنسان الذي لاتقوده غرائزه لن يحتاج إلى شيء ولن يرتكب شراً لأنه لايجد أي دافع لذلك، فلنتأمل قليلاً ونتصور مجتمعاً كل أفراده هم من نمط هذا الإنسان المنفك من قيود الغرائز كيف سيكون حاله؟ وكيف سيعيش؟