قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الدعاء في القرآن الكريم
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة "توفّني مسلماً"
النبي يوسف .. سجن مصر أحبّ من قيود الشهوات
*صادق الحسيني
ليس اعتباطاً اهتمام القرآن الكريم بقصة النبي يوسف عليه السلام حيث وصفها بأحسن القصص، لما تمثّل هذه القصة من اخلاص التوحيد في العبودية. فمنذ كان طفلاً صغيراً ملقى في الجب على يد أقرب الناس اليه وحيث وجد نفسه عبداً يتبادله الناس بثمن بخس دراهم معدودة و دخوله السجن بهتاناً و زورا و حتى خروجه من السجن و تسنّمه ملك البلاد و العباد، لم تتغير مسيرة يوسف عليه السلام نحو العبودية لله تعالى، ولم يحد عنه الصراط القويم قيد انملة، حتى دعاءه عليه السلام ماكان ليخرج عن هذا النطاق فلو تأملنا دعاء هذا النبي الذي كان قد جمع النبوة و الملك و الجمال، للمسنا هذا الشيء بوضوح، فللنبي يوسف عليه السلام دعاءين يطلب في احدهما السجن و في الآخر الموت!!
مرة يطلب دخول السجن ومرة يدعو الله بأن يخرجه من سجن الدنيا، فبعد ان خيروه بين السجن و مطاوعة الشهوة قال: "رب السجن احب الي مما يدعونني اليه" لأن السجن في طاعة الله احب عند النبي يوسف عليه السلام من سجن زليخا التي كانت تدعوه الى سخط الله.
و بعد ان نال مقام النبوة الرفيع و الملك السامي وبعد ان جاء بالاهل من البدو، يبدأ النبي يوسف عليه السلام استرجاع محطات حياته الحافلة بالعبر و المواعظ حيث قال: "يا آبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد احسن بي اذ اخرجني من السجن و جاء بكم من البدو" وهكذا يبدأ ببيان أنعم الله عليه في كل محطة عاش فيها ويقول: "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث" وهي من النعم التي انعمها لله على يوسف عليه السلام، وهو بذلك يعلمنا درس بليغ من آداب الدعاء بأنّ الداعي عليه ان لا يغفل عن أنعم الله الوافرة عليه في كل آن فمن يحسّ بصداع في رأسه عليه أن لا يغفل عن سلامة جميع اعضاء بدنه بل وسلامة رأسه طيلة السنون الماضية و يذكر النعم التي هو فيها ليدعو الله بعد ذلك، وهكذا فعل النبي يوسف عليه السلام، حين بدأ بذكر نعم الله عليه منذ الصغر ثم يثني على الرب تعالى ويدعوه بقوله: "فاطر السموات و الارض توفني مسلماً والحقني بالصالحين"، ذلك لأن قلبه كان عامراً أبداً بنور الله فلم يصب بعقدة النقص و الانهيار و السلبية كما لم يصب بالغرور والفخر لأنه كان يعلم ان الشر و الخير فتنة وان البلاء مكمن العظمة، وقد تكون النعمة سبيل الهاوية كما كان يؤمن بأن الحياة الدنيا بما فيها من خير و شر قنطرة الى الآخرة التي هي الحيوان لذلك لم ينس تفاهة الدنيا بخيرها و شرها بسجنها وملك مصرها.
وفي الحديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: (ما تمنى أحد من الانبياء الموت الّا يوسف عليه السلام).
ان يوسف في ذلك المجلس الذي هيمن عليه الشكر لله والحمد له على مننه الجزيلة قد غمره الجو الايماني الرائع، فوقف حامداً خاشعاً ضارعاً معترفاً و حينما بدأ بتلفظ هذه الكلمات كما في الحديث هبط اليه جبرائيل فقال له يا يوسف ما حاجتك ؟ قال: "توفني مسلماً والحقني بالصالحين". ذلك لأنّ يوسف عليه السلام يعلم بأنّ الدنيا ادنى كل شيء و هي متاع الغرور ولا راحة فيها وانما الراحة في جنة الخلد في بحبوحة الرحمة الإلهية مع عباد الله الصالحين .