قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

مع الركب الحسيني من الشام إلى كربلاء
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *أسعد محمد باقر
بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وصحبه في العاشر من المحرم الحرام عام 61هـ، عمد الجيش الأموي إلى تقطيع الرؤوس ورفعها فوق الأسنة والرماح، ثم تسيير الإمام علي بن الحسين وعمته زينب (عليهما السلام) وبقية النساء والأطفال إلى الشام بأمرٍ من يزيد، وفي طريقهم إلى الشام، نجح الركب الحسيني في أداء واجبهم الرسالي، وبالذات في هذا المقطع الزمني والمكاني على أحسن وجه. حتى خشي يزيد انقلاب الرأي العام عليه وخروج الأمر من يده، بفضل الخطب الفاضحة والكلمات اللاهبة التي أطلقتها زينب والامام السجاد على أهل الكوفة وأهل الشام، الأمر الذي دعاه للتفكير بجدية في طريقة للخلاص من هذه المشكلة العويصة، ينقل التاريخ أنه أمر النعمان بن بشير بتجهيز الركب لإرجاعهم إلى المدينة.
قال الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه (حياة الحسين بن علي ج3/413): ولم يطل مكوث أهل البيت في الشام، فقد خشي يزيد من وقوع الفتنة، واضطراب الرأي العام ووقوع مالا تحمد عقباه، فقد أحدث خطاب العقيلة زينب وخطاب الإمام زين العابدين، إنقلاباً فكرياً في جميع الأوساط، فقد أنارت تلك الخطب المشرقة العقول، وأثارت العواطف وأصبحت حديث الأندية والمجالس، فكانت تغلي كالحمم على تلك الدولة الغاشمة، وهي تنذر بانفجار شعبي، يكتسح دولة يزيد، فقد عرفت أهل الشام لؤم يزيد، وخبث عنصره، وقلبت الرأي العام عليه فجوبه بالنقد حتى في مجلسه وسقط اجتماعيّاً، وذهبت مكانته من النفوس.
قال الشيخ المفيد في (الإرشاد، ج2/122): ولمّا أراد أن يجهّزهم – أي يزيد- دعا علي بن الحسين، فاستخلاه، ثم قال له: لعن الله ابن مرجانه، أَمَ والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إياها! ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت، ولكن الله قضى ما رأيت! كاتبني من المدينة وانْهِ كلّ حاجة تكون لك، وتقدم بكسوته وكسوة أهله، فأعرض عنه الإمام لأن كلامه لم يكن إلاّ تهرّباً ممّا لحقه من الخزي والعار.
الخروج من الشام..
المستفاد من الروايات التاريخية، أن خروج الركب من الشام كان في العشرين من صفر سنة 61هـ، فقد ذكر الشيخ المفيد في (مسار الشيعة/46) قوله: وفي العشرين منه – صفر- كان رجوع حرم سيدنا ومولانا أبي عبد الله من الشام إلى مدينة الرسول، وقال نفس الرأي الشيخ الكفعمي.
وربما المقصود من عبارة خروج الركب من الشام إلى المدينة هو يوم خروجه من الشام لا يوم دخوله المدينة، وقيل إنّ الرأس الشريف أُدخل الشام في الأول من صفر، وأن أهل بيت الحسين دخلوها في ذلك اليوم، مع احتمال تقدّم ورود الرأس عليهم، كما جاء في (لسان التاريخ)، فيكون مدة بقاء الركب في الشام عشرين يوماً، لكن القاضي نعمان ذهب إلى القول ببقاء الركب في الشام شهر ونصف، أما السيد بن طاووس يقول بمكث الركب في الشام شهر.
وقد ساير الركب الحسيني في خروجه من الشام، عدّةٌ بأمر يزيد، حيث ورد ذكرهم في التاريخ، على اختلاف في قول المؤرخين:
فمنهم قال إن المسايرين للركب إنما هو (جيش)، وذهب إلى هذا القول: مسكويه الرازي، وقال بن داود الدينوري (ثلاثون فارساً)، أما أبن نما فقد ذهب إلى القول: يمضي الاسارى إلى أوطانهم مع نعمان بن بشير وجماعة معه إلى المدينة.
الركب الحسيني إلى كربلاء..
عند خروج الركب الحسيني من الشام، من الطبيعي أن يمر على كربلاء، وإن كان كما ينقل أن في الطريق هناك مفترق طريق، أحدهما يؤدي إلى العراق والثاني إلى المدينة، فهل يعقل أن لا يتجدد اللقاء بين زينب وأخيها الحسين؟! ثم انهم تحملوا المشاق والمصاعب، فهل يصعب عليهم دخول كربلاء مرة أخرى، وكان يزيد كما ينقل التاريخ (أمر الرسل الذين وجّههم معهم أن ينزلوا بهم حيث شاءوا ومتى شاءوا)، فهل حقاً دخل الركب الحسيني كربلاء مرة أخرى، لتجديد العهد بالحسين والشهداء، أم رحل إلى المدينة مباشرةً؟.
وقد وقع الخلاف في زمن وصول أهل البيت إلى كربلاء قادمين من الشام، فهل كان في الأربعين الأولى، أم الثانية؟
لاريب في أصل مجيئهم إلى كربلاء، مضافا إلى إمكانية مجيئهم، فإنه مذكور في كثير من الكتب المعتبرة، أما زمن مجيئهم فقد وقع الخلاف فيه، قال الفريق الأول أن مجيئهم في الأربعين الأولى، ونفوا أمكانية مجيئهم في الأربعين الثانية، ومن القائلين بذلك العلامة المجلسي: (نقل الشهرة بين الأصحاب، فقال حول علّة استحباب زيارة الحسين في يوم الأربعين: >المشهور بين الأصحاب أن العلة في ذلك رجوع حرم الحسين في مثل ذلك اليوم إلى كربلاء عند رجوعهم من الشام، وإلحاق علي بن الحسين الرؤوس بالأجساد)، والشيخ البهائي: (التاسع عشر من صفر فيه زيارة الأربعين لأبي عبدالله، وهي مروية عن الصادق، وقتها عند ارتفاع النهار، وفي هذا كان قدوم جابر بن عبدالله الأنصاري لزيارته، واتفق في ذلك اليوم ورود حرمه (عليه السلام) من الشام إلى كربلاء قاصدين المدينة)، وأبو ريحان البيروني في الآثار الباقية: (العشرون رد رأس الحسين إلى جثته حتى دفن مع جثته، وفيه زيارة الأربعين، وقد زاره حرمه بعد انصرافهم من الشام)، وعدّ الشهيد القاضي الطباطبائي، كتابا ضخما حول هذا الموضوع، وقد اثبت كون رجوع الركب في الأربعين الأولى، قدم لذلك عشرة نقاط، مع ذكر شواهد عديدة على تحقق السير من العراق إلى الشام وبالعكس في مدة عشرة أو ثمانية بل وحتى سبعة، منها ما ذكره السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة، أن هناك طريقاً مستقيماً بين العراق والشام، يسلكه أعراب العقيل في زماننا هذا خلال أسبوع فقط، كما ذكر الأمين أن أعراب صليب – وهم من حوران الواقع في قبلة دمشق- كانوا يسيرون السير إلى العراق في مدة ثمانية أيام.
بينما ذهب جماعة من علمائنا خلاف هذه الآراء، ومنهم من لم يتعرض لذلك مطلقا كالشيخ المفيد، والعلامة الحلّي، والكفعمي، فإنهم اكتفوا بذكر رجوع الركب من الشام إلى المدينة ولم يذكروا شيئاً من وصولهم إلى كربلاء.
والفريق الثاني القائل أن مجيء الركب كان في الأربعين الثانية فإنه بعيد جداً ولا يمكن الالتفات إليه.
جابر أول زائر للحسين..
روى ابن نما عن ابن عائشة قال: (مرّ سليمان بن قتة العدوي مولى بني تميم بكربلاء بعد قتل الحسين بثلاث، فنظر إلى مصارعهم فاتكأ على فرس له عربية وأنشأ:
مررت على أبيات آل محمد
فلم أرها أمثالها يوم حلت
ألم تر أن الشمس أضحت مريضة
لفقد الحسين والبلاد اقشعرت
فإن قتيل الطف من آل هاشم
أذل رقاب المسلمين فذلت
وقد اعولت تبكي السماء لفقده
وأنجمنا ناحت عليه وصلّت
ربما يصرح ابن نما أن أول من زار الحسين هو سليمان بن قتة، حيث قال زاره بعد قتل الحسين بثلاث.
ولنا مع ابن نما وقفتين:
1- إن هذه الرواية تفرد بها ابن نما، ولم يذكرها فيما نعلم أحد غيره من ارباب السير والتواريخ، بل ان الأكثر منهم اكتفى بذكر ابيات سليمان، من دون أن يقيدوا ذلك بيوم، ولا مكان.
2- الرواية تذكر مرور سليمان بكربلاء ونظرته إلى مصارع الشهداء، والمرور هنا أعم من أن يكون بقصد الزيارة.
وبهذا فإن الزائر الأول والذي قصد الزيارة، كما صرح بذلك كثير من العلماء وفي كونه هو أول من زائر للحسين بعد استشهاده (عليه السلام)، حيث رحل من المدينة المنورة إلى كربلاء لأجل الزيارة، كما صرح بذلك الشيخ المفيد: في اليوم العشرين منه، هو جابر بن عبدالله بن حزم الأنصاري، الذي انطلق من المدينة المنورة إلى كربلاء لزيارة قبر سيدنا أبي عبدالله فكان أول من زاره من الناس.
فمن هو جابر بن عبد الله الأنصاري؟ ومن عيطة العوفي؟
هو جابر بن عبدالله بن عمرو بن حزام الأنصاري، من اصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) وأصحاب الإمام علي بن أبي طالب والحسن والحسين، وزين العابدين، والباقر، ومن شرطة خميس أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال النمازي الشاهرودي: (هو من النقباء الإثني عشر، انتخبهم رسول الله بأمر جبرئيل وعدّه الإمام الصادق في رواية الأعمش في شرايع الدين من الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيهم ولا يتهم)، وقال العلامة المجلسي في الوجيزة في حقه: (ثقة وجليل القدر، أجلّ من أن يحتاج إلى بيان)، وقال العلامة المامقاني: (فالرجل من أجلاء الثقاة بلا مرية)… ونعم وما أفاد في حقه ثقة جليل القدر عظيم الشأن والمنزلة).
ويُعد جابر آخر من بقي من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) وكان منقطعاً إلى آل بيت رسول الله، وكان مكفوف البصر، وكان يجلس في المسجد وهو معتم بعمامة سوداء وينادي: (يا باقر العلم)، كان يتوكأ على عصاه ويدور في سكك المدينة ويقول: (علي خير البشر).
ذكر السيد الخوئي: أنه شهد بدراً وثماني عشرة غزوة مع النبي، روى الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر قوله: (ولم يكذب جابر).
أما عطية العوفي، ويكنى أبا الحسن، فقال المحدث القمي: (عطية العوفي أحد رجال العلم والحديث)، وهو الذي تشرف بزيارة الحسين مع جابر الأنصاري الذي يعد من فضائله أنه كان أول من زاره… روي أنه جاء سعد بن جنادة إلى الإمام علي بن أبي طالب، وهو في الكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين إنه قد ولد لي غلام فسمه، فقال (عليه السلام) هذا عطية الله، فسمي عطية، وكانت أمة رومية، هرب عطية إلى فارس، وكتب الحجّاج إلى محمد بن القاسم الثقفي أن أدع عطية، فإن لعن علي وإلاّ فاضربه أربعمائة سوط، وأحلق رأسه ولحيته، فدعاه وأقرأه كتاب الحجّاج، وأبى عطية أن يفعل، فضربه أربعمائة سوط، وحلق لحيته ورأسه، فلما ولي قتيبة بن مسلم خراسان خرج إليه عطية، فلم يزل بخراسان حتى ولي عمر بن هبيرة العراق، فكتب إليه عطية يسأله الأذن له في القدوم، فأذن له، فقدم الكوفة فلم يزل بها إلى أن توفي سنة 111 وكان كثير الحديث ثقة).