قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

مقام الإمام صاحب الزمان –عجل الله فرجه- في كربلاء المقدسة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة إعداد: أحمد علي مجيد الحلي*
كربلاء... بلد الإمام الحسين -عليه السلام-، بلد البطولة والشهادة.. بلد اختاره الأنبياء والأولياء موطئاً لهم، فهو موئلٌ للكرامة والفداء ورمزٌ للنصر أمام الطغاة، لذا ترى الزائرين فيه وقد جاؤوا من كلّ حدبٍ وصوب، وهم مابين ذاكرٍ ومصلٍّ وباكٍ على المصاب الذي حلّ بواديها:
هي كربلاء فقف على عرصاتها و دع الجفون تجودُ في عبراتها
فهي لم تخلُ من موقفٍ لإمام زماننا ـ أرواحنا له الفداء ـ، وهو النادب لمصاب جدّه صباحاً ومساء، وهو الباكي عليه بدل الدموع دماً، تلهّفاً عليه وتأسّفاً لعدم الحضور معه في يوم كربلاء، وهو الآخذ بثأر الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ، فلابد أن يكون له في أرضها حضور، وفي مناسباتها شركة، وقد روي عن السيد بحر العلوم - قدس سره- أنه رآه ـ عليه السلام ـ يشارك المعزّين في عاشوراء سيد الشهداء، ولعلّه شرّف هذه الأرض المباركة في آنات زمنية كثيرة، وشرّف ماءها بملامسة جسده الطاهر ليسبغ منه وضوءَهُ ويضفي عليه من بركاته أثراً، وربما أراد -عجل الله فرجه الشريف- أن يخصّ موضعاً من مواضعها بالتشريف، فيكون لذلك الموضع محل خاص في نفوس مواليه، كيف لا وقد تضوّع بمسك حضوره، وفاز بتشرّف ركوعه وسجوده، وأنس بعذوبة صوته ولذيذ دعائه، ولعل هذا المحل هو الذي شرف بحضوره واستنار بوجوده القدسي، فكان محل نزول ملائكة الرحمة ومهوى قلوب عشاق الأئمة ومنتظري إشراقة مُحَيّاه الوضاء، وظهور نوره القدسي، وبحثنا هذا يتناول التعريف بالمقام المنسوب إلى الإمام المهدي ـ عليه السلام ـ في كربلاء المقدسة.
*الموقع*
يطلّ المقام حالياً من الجهة الأمامية على الشارع المسمّى بـ (شارع المنتظر)، مقابل مدخل (شارع السدرة) المنتهي إلى حرم الإمام الحسين -عليه السلام-، كما يطلّ المقام من الجهة الخلفية على الضفة اليسرى من نهر الحسينية، بجوار القنطرة التي تؤدي إلى مقام الإمام الصادق عليه السلام الذي يبعد عنه بنحو 200م شمالاً، كما يبعد المقام عن حرم الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ بنحو 800 م جنوباً.
*التاريخ*
للمقام هذا تاريخ يختلف عن تواريخ المقامات الأخرى المنسوبة إلى الإمام المهدي -عليه السلام-، فتاريخه لايحمل تأريخاً عريقاً يمتدّ إلى القرون الغابرة، فكل ماعثرت عليه من تأريخ له لا يتجاوز قرناً واحداً، ومن الطبيعي أن قولي هذا يستند على كثير من الأدلة التي عثرت عليها بمتابعة البحث وكثرة المطالعة في الكتب التي تتعلّق بتاريخ مدينة كربلاء والكتب المتعلّقة بسيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام ـ، مع أني أحْفَيْتُ السؤال عن المقام وتاريخه من المعمّرين وبالخصوص المجاورين للمقام مما أَغْنى بحثنا هذا، ومما يؤيد قولي هذا عدّة أمور سأوردها تباعاً:
1 ـ عدم ورود أي ذكر للمقام وتاريخه في الكتب المختصة بسيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام ـ، أسوةً بذكر غيره من المقامات المنسوبة إليه كمسجد السهلة ومقاماته -عليه السلام- في الحلة ووادي السلام والنعمانية والسرداب المقدس، وغيرها من الأماكن المنسوبة إليه.
2 ـ عدم ورود أي ذكر للمقام وتاريخه في الكتب المختصة بتاريخ مدينة كربلاء المقدسة قديماً وحديثاً، سوى ماذكره المؤرخ الفاضل السيد سلمان هادي آل طعمة في كتابيه (تراث كربلاء) و(كربلاء في الذاكرة) والتاريخ المذكور فيهما للمقام هو قبل سنة 1378هـ، وهو ماسنذكره في تاريخ عمارة المقام، ولولا هذا الذكر من التاريخ لضاع علينا ذكره بالأصل.
3 ـ عدم ورود أي ذكر للمقام وتاريخه على لسان الرحّالة الذين تشرفوا بزيارة مدينة كربلاء، بينما ذكر أكثرهم مقام الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ الذي يبعد عنه بنحو 200م.
4 ـ عدم ورود أي ذكر للمقام في ديوان السيد نصر الله الحائري المتوفّى في سنة 1168هـ، بينما ذكر مقاماً الإمام المهدي -عليه السلام- القائمان في الحلة ووادي السلام، وهذا الديوان كتبه تلميذه السيد حسين بن مير رشيد التقوي في سنة 1155هـ.
5ـ عدم ورود أي ذكر للمقام في واقعة (علي هدلة) سنة 1294هـ، وهي واقعة تمرّد فيها بعض أهالي كربلاء على الدولة العثمانية وفروا فيها إلى مقام الإمام جعفر الصادق ـ عليه السلام ـ المجاور لمقام الإمام المهدي ـ عليه السلام ـ.
فبعد هذه الأدلة لا يمكن القول بوجود تاريخ للمقام قبل قرن من الزمان أو أكثر، إذ مع هذه الأقوال التي ذكرناها فليس من الممكن التغافل والتسامح بعدم ذكره من العلماء والمؤرخين في كتبهم مع وجود عمارة للمقام مشيدة في عصرهم.
* تاريخ عمارة المقام*
العمارة الأولى :
حدّثني الحاج الفاضل عباس الكيشوان ـ وهو من ثقات الكربلائين الذين عاصروا كثيراً من الأحداث والتواريخ ـ أنه كان يسمع من الذين قبله بأن عمارة المقام كانت قديماً عبارة عن مكان محاط ببارية من الحصير والقصب.
العمارة الثانية :
وجدت قصيدة في ديوان السيد عبد المهدي السيد راضي الأعرجي (1327-1358هـ) المخطوط، تنص على بناء أحد المقامات المنسوبة إلى الإمام المهدي -عليه السلام- وتاريخ البناء فيها وقع في سنة 1347هـ/1924م، والمباشر لبناء المقام اسمه جعفر.
العمارة الثالثة:
جددها المرحوم الحاج حمزة الخليل وذلك سنة 1378هـ/1957م على ماذكر السيد سلمان آل طعمة في كتابه (كربلاء في الذاكرة) ص 160، وأرخ تجديدها الشاعر الكربلائي السيد مرتضى الوهاب بأبيات على القاشاني، وهي:
شاد للقائم إذ ضحى الخليل بيت قدس فيه برد وسلام
واعتنى الحمزة في تجديده فاستوى منه عماد ورخام
مذ تجلى نوره أرّخته (ضاء للمهديّ ركن ومقام)
العمارة الرابعة:
وفي سنة 1391هـ/1970م هدم جزء من العمارة السابقة، فجددها محسن حميد الملا مهدي الوزني الخفاجي على ما ذكر في كتاب كربلاء في الذاكرة، وبعد انتفاضة شهر شعبان من سنة 1411هـ/1991م هدّمت هذه العمارة من قبل نظام البعث البائد ليلاً، وسوّيت للأرض ولم يَبْقَ لها أثر.
العمارة الخامسة:
بعد الهدم الذي تعرضت له العمارة السابقة للمقام نحواً من أربع سنوات هيأ الله ـ عز وجل ـ لها الرجل المحسن المدعو عباس صالح بحر من أهالي كربلاء، فبنى عمارته الحالية على مساحةٍ واسعة، وبحلّة قشيبة تتناسب وحرمة المقام الشريف على مايراها الرائي لها، ومساحة هذه العمارة تقدر بنحو 2000متر مربع، وكان ذلك في سنة1415هـ/1995م. واستمر البناء في هذا المقام نحو ثلاث سنوات.
يتوافد الزائرون الى هذا المقام سنوياً في ليلة النصف من شعبان وهي ليلة ولادة صاحب الأمر -عليه السلام-، وأسبوعياً في ليالي الجمع، ويقرأ فيه صباح كل يوم جمعة دعاء الندبة المشهور، كما يزار عصر ذلك اليوم بكثرة، ومن عادة الزائرين أن يقدموا النذور للقيم، ثم توقد الشموع وتوضع على كربة تطفو على الماء، فترى حينها منظراً ساحراً يبهرك بنور تألق المكان.
*مركز الدراسات الخاصة بالامام المهدي –عجل الله فرجه-