قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
في ذكرى مولدها السعيد..
نور السعادة الذي يتمناه كل بيت
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *جاسم عبد الحسين
دائماً يُقال؛ إن لكل ولادة ألماً ومعاناة، وهي السنّة الإليهة في حياتنا الدنيا، طبعاً ليس المقصود بالولادة، ولادة الطفل من بطن أمه وحسب، وهي من أعظم النعم الإلهية علينا، إنما هنالك ولادة الفكرة والابداع والموقف البطولي والتاريخي، وكل ذلك يمر عبر مخاضات ومراحل أشبه الى حدٍ ما، بالمراحل التي يمر عبرها الجنين في بطن أمه قبل أن يرى نور الحياة، وهذا ما يجعلنا سعداء وفرحين في ذكرى مولد بضعة المصطفى الحوراء الإنسية فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، ففي هذه الذكرى العطرة نتذكر ذلك البيت السماوي الذي شهد هبوط الملائكة والآيات الكريمة، كما نتذكر تلكم المواقف البطولية والسلوك النموذجي.
هدية الجنّة
روي عن سدير الصيرفي، في حديث متواتر عن أبي عبدالله الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): خلق نور فاطمة (عليها السلام) قبل أن يخلق الله الارض والسماء فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية؟! فقال: فاطمة حوراء إنسية قالوا: يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية؟ قال: خلقها الله عزوجل من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الارواح فلما خلق الله عزوجل آدم عرضت على آدم. قيل يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟ قال: كانت في حقة تحت ساق العرش، قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها؟ قال: التسبيح والتقديس والتهليل والتحميد، فلما خلق الله عزوجل آدم وأخرجني من صلبه وأحب الله عزوجل أن يخرجها من صلبي فجعلها تفاحة في الجنة أتاني بها جبرئيل (عليه السلام) فقال لي: السلام عليك ورحمة الله و بركاته يامحمد! قلت: وعليك السلام ورحمة الله حبيبي جبرئيل، فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام قلت: منه السلام وإليه يعود السلام قال: يا محمد إن هذه تفاحة أهداها الله عزوجل إليك من الجنة. فأخذتها وضممتها إلى صدري، قال: يا محمد يقول الله جل جلاله: كلها ففلقتها فرأيت نورا ساطعا وفزعت منه فقال: يا محمد مالك لا تأكل...؟ كلها ولا تخف فان ذلك النور للمنصورة في السماء وهي في الارض فاطمة، قلت: حبيبي جبرئيل ولم سميت في السماء المنصورة وفي الارض فاطمة؟ قال: سُميت في الارض فاطمة لانها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداؤها عن حبها.
وجاء في (بحار الأنوار) للعلامة المجلسي في حقل حياة الزهراء (عليها السلام)؛ عن السكري، عن الجوهري، عن ابن عمارة، عن أبيه عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: قيل يا رسول الله إنك تلثم فاطمة وتلزمها وتدنيها منك وتفعل بها مالا تفعله بأحد من بناتك؟ فقال: إن جبرئيل (عليه السلام) أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحولت ماء في صلبي ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا أشم منها رائحة الجنة.
لقد أخذت الصديقة الطاهرة من أبيها رسول الله الصفات الظاهرية والجوهرية، فعن جابر بن عبدالله الانصاري قال : ما رأيت فاطمة تمشي إلا ذكرت رسول الله (صلى الله عليه واله) تميل على جانبها الايمن مرة وعلى جانبها الايسر مرة.
ولدت فاطمة بمكة بعد النبوة بخمس سنين وبعد الاسراء والمعراج بثلاث سنين في العشرين من جمادي الآخرة وأقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين، ثم هاجرت معه إلى المدينة فزوجها من علي بعد مقدمها المدينة بسنتين في الأول يوم من ذي الحجة و روي أنه كان يوم السادس، وقبض النبي ولها يومئذ ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر و ولدت الحسن ولها اثنتا عشرة سنة. ولم تدم حياتها بعد وفاة أبيها المفجع سوى خمس وسبعون يوماً أو اربعون يوماً، على اختلاف الروايات.
البيت السعيد
ما هو دور الزوج؟ وما هو دور الزوجة في حياتهما الزوجية المشتركة؟
إنه سؤال عريض طالما يتداوله الناس، فهل للمرأة أن تخرج من البيت وتزاول أعمالاً مختلفة، حتى وإن كانت تناسبها كما يقول البعض؟ فما تقول فاطمة؟
عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن أبي عبدالله الصادق، عن أبيه (عليهما السلام))قال: تقاضى علي وفاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) في الخدمة، فقضى على فاطمة بخدمة مادون الباب، وقضى على علي بما خلفه، قال: فقالت فاطمة: (فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا الله بإكفائي رسول الله (صلى الله عليه واله) تحمل رقاب الرجال). أي أن اخرج بين الرجال وأزاحمهم في أعمالهم.
ثم إن فاطمة وهو في محل ربة بيت، كأية إمرأة أخرى تحب أن يدخل عليها أحد يساعدها في أعمال البيت وما أكثرها، لكن لنلاحظ كيف تعاملت الزهراء (عليها السلام) مع هذه القضية؟
جاء في رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لأحد اصحابه: ألا احدثك عني وعن فاطمة؛ إنها كانت عندي وكانت من أحب أهله إليه وأنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، و أوقدت النار تحت القدرحتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد. فقلت لها: لوأتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك ضرّ ما أنت فيه من هذا العمل فأتت النبي (صلى الله عليه واله) فوجدت عنده أناساً فاستحت وانصرفت.
قال: فعلم النبي (صلى الله عليه واله) أنها جاءت لحاجة، قال: فغدا علينا رسول الله (صلى الله عليه واله) ونحن في لفاعنا فقال: السلام عليكم، فسكتنا واستحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم فسكتنا ثم قال: السلام عليكم. فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثا فان أذن له وإلا انصرف، فقلت: وعليك السلام يارسول الله، ادخل فلم يعد أن جلس عند رؤوسنا، فقال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟!
قال: فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، قال: فقلت: أنا والله اخبرك يارسول الله إنها استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها وجرت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأو قدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك ضر ما أنت فيه من هذا العمل، قال: أفلا اعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربع وثلاثين، قال: فأخرجت فقالت (عليها السلام): رضيت عن الله ورسوله ثلاث دفعات.
هذا ما يتعلق بالحياة الزوجية، أما عما وراء جدار الدار، فقد روي عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) قال: رأيت امي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني! الجار ثم الدار.
هذه الباقة غيض من فيض أهل البيت (عليهم السلام)، وهنالك الكثير الكثير من القصص والعبر والمواقف من فاطمة في حياتها ما إن تمسكنا به لنضمن حقاً الحياة السعيدة، وقد جرّب آباؤنا وأجدادنا ذلك، فلم نسمع أبداً عن أزمات زوجية أومشاكل عاطفية أو أسرية عندهم، إلا بعد أن تطورت الحياة وتعقّدت، وهذا لن يكون مبرراً بالمرة في أن نبتعد عن أهل بيت النبوة، لاسيما الصديقة الطاهرة، إن كنّا نطمح لأن تكون شفيعتنا يوم القيامة، كما نحب دائماً أن وسيلتنا الى الله تعالى في شفاء مريضنا وحل مشاكلنا وأزماتنا.