قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الضمان الاجتماعي و برنامج الاسلام لتحقيق الاستقرار السياسي
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / فاضل عبد علي
فرصة العمل ولقمة العيش باتت اليوم من أهم ما يطلبه الانسان من حقوق مواطنة في بلده نظراً لتطور الحياة بالسرعة القصوى التي نشهدها، وازدياد الحاجات اليومية لجميع افراد الاسرة، وهذا ما وضع الحكومات في بلادنا الاسلامية أمام مسؤولية كبيرة، فهم يفترض انهم يمثلون النظام الاسلامي بشكل او بآخر في تحقيق السعادة والرفاهية للناس ضمن اطار الحقوق والواجبات. وقبل ان نعرف مقدار نجاح من فشل هذه الحكومات في تحمل هذه المسؤولية القانونية والحضارية، يجدر بنا التعرّف على ما قدمه النظام الاسلامي على صعيد المجتمع، ثم نقارن بين ما كان يعيشه الانسان المسلم في ظل اول حكومة اسلامية في عهد النبي الاكرم صلى الله عليه وآله، وبين ما يعيشه اليوم في ظل الحكومات الحالية في بلادنا الاسلامية.
لايسعنا في هذا الحيّز إلا ان نشير الى قبسات من النهج الساطع للنبي الأكرم وخليفته أمير المؤمنين عليهما الصلاة والسلام في ضمان حقوق الناس في لقمة عيشهم، ومن الخطوات الاولى في هذا المجال محاربة كل اشكال الفقر والحرمان، فاذا كان اليوم ثمة من يتحدث عن الضمان الاجتماعي، فان النبي ووصيه عليهما الصلاة والسلام، كان يصعب عليهما رؤية فقير او معدم على قارعة الطريق، ولطالما شجّع النبي الاكرم بعض المستعطين بان يعملوا ويكسبوا من كدّ أيديهم، وابرز مثال ذلك الفقير الذي أقرضه النبي الاكرم درهماً واحداً وقال له اذهب واعمل به، واذا به بعد فترة يتحول الى تاجر لمشتقات الحليب في المدينة ببركة قرض النبي له وتشجيعه على التخلّي عن عادة التسوّل القبيحة. وكذلك قصة أمير المؤمنين عليه السلام مع ذلك الذمي الذي طعن في السن وصادفه الامام مع ثلّة من اصحابه، على قارعة الطريق يستعطي الناس، فاستهجن الامام المنظر وشجب الحالة حتى وان كان الرجل غير مسلم، فامر ان يصرف له راتب من بيت المال، وهو ما يُعد اليوم بمنزلة (راتب التقاعد)، فقد قال الامام بحقه: (استعملتموه، وحين شاخ تركتموه...).
من هنا يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي - دام ظله- في كتابه (السياسة من واقع الإسلام): (الضمان الاجتماعي في الإسلام صبابة الإنسانية في قمّتها، ولذا فإنّ الإسلام حيث ينطلق من الزاوية الإنسانية، يصب هذا الضمان بما يتوافق والإنسانية في أعمق أبعادها الفضيلة، وبالتأكيد لم ير التاريخ قبل الإسلام، ولم تسجل الحضارات بعد الإسلام حتى اليوم ضماناً إجتماعياً بعمق الضمان الإجتماعي في الإسلام).
وهكذا صار الاهتمام بجانب الضمان الاجتماعي كبيراً وأساسياً، لأسباب عديدة أهمها إيفاء الحكومة بواجباتها تجاه الشعب، ثم تحقيق الاستقرار السياسي الكبير الذي يتبع شرط التوفير المؤكد للضمان الاجتماعي والصحّي وسواهما من احتياجات الناس، ولذلك كانت تعاليم الإسلام واضحة في هذا الخصوص، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه، في مجال التشريعات الضامنة لحقوق المسلم، ويقول: (في نصوص الشريعة الإسلامية زخم كبير من ذلك، وهو إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على مدى اهتمام الإسلام بالتأكيد على هذا الجانب الإجتماعي المهم، حيث تكرر نقل ذلك عن نبي الإسلام صل? الله عليه وآله والأئمة من العترة الطاهرة عليهم السلام).
ولكن توفير الضمان الاجتماعي يتطلّب من الحكومات توفير الأسباب والوسائل القادرة على تحقيقه، وأهمها بناء الاقتصاد المتين من خلال الاهتمام بالموارد وتنويعها، وهذا ما دفع الدولة الإسلامية للاهتمام بالزراعة والعمران، من أجل توفير الموارد اللازمة للوصول إلى الهدف الأساس المتمثل بالضمان الاجتماعي، لهذا كان الاهتمام بالزراعة كبيراً، كونها تشكّل رافداً اقتصادياً مهماً لدعم قدرات الحكومة على تحقيق ما تتطلّبه الحياة الكريمة للمواطن، بالإضافة إلى حماية الحكومة من السقوط الحتمي في حالة إهمالها لمطالب الناس، وانشغالها بمصالحها فقط، وقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد في الكتاب نفسه: لقد (اتخذ الإسلام سياسة حكيمة، في ازدياد العمران والزراعة، التي بهما تكون رفعة الدولة أو سقوطها).
لذلك كان الاهتمام الحكومي بالزراعة والموارد والاقتصاد كبيراً، والسبب يتعلّق بالدرجة الأولى بتوفير الشروط اللازمة لتحقيق الضمان الاجتماعي والصحّي، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (أمّا الزراعات، فهي أيضاً كانت بكثرة هائلة منقطعة النظير، حتى بالنسبة إلى هذه الأيام التي سهّلت فيها الزراعات، وصنعت مكائن تعمل لاستخراج المياه ورش البذور والحصاد وغيرها، فالعراق كان يسمّى بـ أرض السواد، لأنّ الشخص في العراق أين ما كان يذهب أو يحل، يبصر ـ بمرمى بصره ـ الزراعات، وكان يقول واصفو مزارع العراق: إنّها لا يوجد فيها فدان غير مزروع).
وهكذا استطاعت الحكومات في ظل النظام الإسلامي أن توفّر للمواطن حاجاته الأساسية، وهو ما كفل لها النجاح والتفوّق والاستقرار، الذي حقّق لها نجاحات متواصلة في النمو والازدهار المضطرد. ومن نافلة القول ان التاريخ الاسلامي القديم والحديث لم يسجل أية انتفاضة جماهيرية على الحاكم بسبب مشكلة الضمان الاجتماعي – كما نسميه اليوم- او لصعوبة الحصول الى لقمة العيش او ان انساناً مات من البرد او الامراض او الجوع. نعم؛ كانت هنالك وعلى طول الخط اجحاف وتمميز وطبقية في مراحل مختلفة من التاريخ وفي ظل حكومات ودول عديدة في البلاد الاسلامية، الى جانب مشكلة الانحراف عن التعاليم الدينية والاخلاقية، وهذا ما كانت تعالجه الثورات السياسية التي قادها على الاغلب رجال من نسل أهل البيت عليهم السلام.
لكن لنلاحظ الفارق الكبير والفاحش بين فجر الحضارة الاسلامية وبين حالنا اليوم، فالأب حالياً لا يحرص على النباء العقائدي والاخلاقي لافراد عائلته، إنما على توفير اكبر قدر ممكن من المال لمواجهة العوز المادي او الامراض الفتّاكة والخطيرة التي تستنزف امواله ودخله الشهري، او كيف يجد فرصة العمل الآمنة التي تدر عليه المردود المالي المناسب، ثم يبدأ بالتفكير مليّا بابنه وكيف يحصنه بالزواج، لكن اين يسكن وما هو عمله و....؟! ومئات الأسئلة التي تجعل الانسان في دوامة لا خروج منها.
ففي بلد يعيش فيه هكذا شعب، هل من الحكمة الصواب للحكومة او النظام الحاكم برمته ان يفتخر بانجاز له او انه عمل شيئاً إزاء شعبه؟ ثم هل نتفاجئ اذا انفجرت الشعوب من تحت ركام الازمات والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية أمام حكام طالما حلموا بالحكم مدى الحياة وأطاحوا بهم ورموهم في مزبلة التاريخ؟
لا يوجد أي عذر للحكومات التي تدّعي تطبيق الشريعة الاسلامية في عدم تنظيم قانون متكامل للضمان الاجتماعي، حتى وان لم يكن البلد صاحب ثروات معدنية، فقد شرّع الاسلام من القوانين ما يجعل الانسان غنياً عن الحاجة والفاقة ويعيش بقدر الكفاف على اقل التقادير، لا ان نشهد في معظم بلادنا المتسولين والشحاذّين، في المقابل نشهد بروز اسماء في الساحة السياسية كانت بالامس القريب في مرتبة قريبة من الفقر، ثم اصبحت تمتلك العقارات والسيارات والاموال الطائلة.
*المصدر / شبكة النبأ