قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الإمام الحسين عليه السلام .. قضية استثنائية
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *طاهر القزويني
ربما تكون قصة الامام الحسين عليه السلام كبقية القصص التاريخية التي عاشتها البشرية، لكن لماذا نجد في هذه القصة دون غيرها حرارة لا توجد في سائر القصص ؟
وقضية الحسين عليه السلام ومصابه هي مثل أي قضية ثائر على الظلم عبر التاريخ ضحى في سبيل مبادئه وقضيته، فلماذا تستمر هذه القضية وتبقى حيّة، فيما تموت وتنتهي سائر القضايا؟
بل ان قصة الإمام الحسين عليه السلام هي كقصة الأنبياء الذين قطعت أيديهم و رؤوسهم في سبيل دين الله، فلماذا يجدد التاريخ فاجعة الإمام الحسين عليه السلام كل سنة وكل يوم؟ وإلى جانب كل مسجد هناك حسينية وفي كل بقعة هناك ذكر للحسين عليه السلام، لكن لا نجد أي ذكر في الثقافة والأدب والتاريخ إلا ما ندر عن قصة نبي الله يحيى الذي قتل وقطع رأسه بسبب نزوة رخيصة من طاغية زمانه، أو قصة نبي الله زكريا الذي قتله بنو إسرائيل داخل شجرة عندما نشروا الشجرة بالمنشار وقطعوها وهو بداخلها نصفين!
فهل السبب وراء كل ذلك هو أن الشيعة هم الذين واضبوا على نشر هذه القصة للعالم أجمع؟ أو أمر آخر...؟
ليس الأمر كذلك، ولو أن الشيعة منذ استشهاد الامام الحسين عليه السلام كان لهم نصيب في إحياء هذه القضية العظيمة، لكن مع ذلك، فان الجهد الانساني ليس كل شيء بالنسبة لقضية بحجم قضية الامام الحسين المتعلقة بالسماء وبالحكمة الالهية في هذه الحياة.
إن قصة الإمام الحسين عليه السلام ليست كأية قصة أخرى، وقضيته لاتشبه أية قضية أخرى. لأن راويها ليس مؤرخاً او أي انسان آخر، بل هو الله سبحانه وتعالى، ولنا ان نتساءل؛ لماذا أنبأ الله سبحانه وتعالى أنبياءه الكرام بقصة الإمام الحسين عليه السلام، هل الغاية أن يبكوا على الإمام؟ أم من أجل أن يحزنوا عليه؟ أم أراد أن يبين فضله وكرامته؟ ليس لأجل هذا قصّ الله سبحانه وتعالى قصة الإمام الحسين عليه السلام لأنبيائه، بل من أجل أن يتعلموا من الحسين دروس الصبر والإيثار والتضحية في سبيل الله.
إن الحسين عليه السلام هو مقياس الإيمان، فكلمازاد إيمان المرء زاد ايمانه بالحسين، وكلما ارتفع في ميزان العلم إرتفعت معرفته بالإمام، وبنفس درجة الفسق والنفاق الذي في قلب المعاند المعادي للإمام، يزداد ظلمه للإمام، وقد نقل التاريخ القديم والحديث كيف أن طغاة العالم ومنهم المتوكل العباسي في الماضي وصدام في الحاضر حاربوا حتى قبر الحسين(ع).
فالإمام الحسين عليه السلام هو فاروق الحق والباطل وهو فاروق الإيمان والكفر، فمن كان في صف الحسين ومن مواليه وأنصاره كان في صف الحق من أول الزمان وحتى آخره، ومن كان في مواجهة الحسين(ع) كان في صف الباطل والطغيان.
وعندما تقرأ زيارة عاشوراء وغيرها من الزيارات تحس وكأن قضية الإمام الحسين عليه السلام حاضرة وأنها تدفعك للإنتماء إلى هذا المعسكر وتقول: (يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) وتقول أيضاً (إني سلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم إلى يوم القيامة) وفي هذه الزيارة سر اعجازي حيث أنها تتنبأ بأن الناس سينقسمون على الحب لآل البيت والعداء لهم وأن هذا الأمر سيستمر إلى يوم القيامة، فتقول (وحربٌ لمن حاربكم إلى يوم القيامة) فهذا الخط الأموي مستمر إلى يوم القيامة ويجب أن يكون لدينا الاستعداد لمواجهة هؤلاء الأمويين.
ومرة أخرى تطلب أيضاً في الزيارة أن يرزقك الله فرصة طلب ثار الإمام الحسين عليه السلام (أن يرزقني طلب ثارك مع امام منصور من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله). فمن أين يطلب الإنسان ثار الإمام الحسين عليه السلام؟ انه يطلبه من أعوان وأتباع آل امية على مر التاريخ، والموالين للخط الأموي.
إذن، فقضية الإمام الحسين(ع)، استثنائية وأحكامها إستثنائية أيضاً ، فهذه القضية التي أصبحت مدرسة للأنبياء والصالحين، كما في الروايات الكثيرة التي تحدث فيها الله سبحانه بوحيه أو عن طريق ملائكته لأنبيائه ورسله، هي قضية الله الأولى، وهوالذي تكفل بنشر أحداثها وتفاصيلها وشعاراتها ومبادئها ليس فقط للمسلمين بل للبشرية كافة.
جاء في الحديث القدسي عنه سبحانه وتعالى يتحدث إلى إبراهيم الخليل عليه السلام فيما روي في (عيون أخبارالرضا) عليه السلام بالإستناد إلى الفضل قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لما أمرالله عزوجل إبراهيم عليه السلام أن يخرج مكان ابنه اسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم أن يكون قد ذبح إبنه إسماعيل بيده وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده عليه بيده فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب.
فأوحى الله عزوجل إليه: يا إبراهيم، من أحب خلقي إليك؟ فقال: يا رب ما خلقت خلقاً أحب إليّ من حبيبك محمد فأوحى الله إليه: أفهو أحب إليك أم نفسك؟ قال: بل هو أحبّ إليّ من نفسي. قال: فولده أحبُّ إليك أم ولدك؟ قال: بل ولده. قال: فذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال: ياربّ، بل ذبحه على ايدي أعدائه أوجع لقلبي. قال: يا إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الشاة، ويستوجبون بذلك سخطي.
فجزع إبراهيم لذلك وتوجع قلبه وأقبل يبكي فأوحى الله عزوجل: يا إبراهيم، قد فديت جزعك على إبنك اسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، وذلك قول الله عزوجل (وفديناه بذبحٍ عظيم). وقد ورد هذا الحديث في (البحار) وفي (الخصال) و(قصص الأنبياء)، وهناك روايات كثيرة تذكر الله عزوجل أو الوحي مع أنبيائه وهم يشرحون تفاصيل القصة العظيمة للإمام الحسين عليه السلام.
وهكذا يتبين أن قصة الإمام ليست كبقية القصص وقضيته ليست كبقية القضايا لذا فأن أحكام قضية الإمام الحسين عليه السلام أيضاً هي مختلفة عن جميع القضايا الأخرى، فإذا كان البكاء على الميت هو عمل مكروه، والجزع عليه غير جائز من الناحية الشرعية، فأن هذه الأمور كلها جائزة ومباحة بالنسبة إلى الإمام الحسين عليه السلام ليس فقط جائزاً بل يحصل عامله على الثواب الجزيل، وعلى هذا إتفاق علماء الشيعة جميعاً، ذلك أن قضية الإمام الحسين عليه السلام أصبحت هي قضية الإسلام الأولى فالدفاع عن قضية الإمام هو دفاع عن الإسلام، والعمل في خدمة قضية الإمام هو عمل في سبيل الله، والخدمة في بيت الحسين وهي (الحسينية) هي كالخدمة في بيت الله، وزيارة الإمام الحسين عليه السلام هي كزيارة بيت الله بل هي أعظم لأن زيارة الإمام تعدل ألفي حجة، فاراد سبحانه وتعالى أن يجازي الحسين عليه السلام على ما فعله في سبيل الإسلام، فجعل في كل بلد بل في كل مدينة إلى جانب أي مسجد هناك بيت للحسين أيضاً هي (الحسينية).