قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

تضحيات الحسين عليه السلام ... قطرات غيث للظامئين في العالم
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / بشير عباس
حينما نتدبر في آيات الذكر والاحاديث المروية والمأثورة عن النبي واهل بيته (ع) تنفتح امامنا افاق كبيرة، هذه الكلمة المعروفة والتي جاءت ضمن سياق رواية مطولة عن النبي الأكرم (ص) حينما استقبل الامام الحسين عليه السلام جده المصطفى وهو ما يزال صبياً يدرج فتعجب ابن مسعود وذكر ما ذكر، فقال له النبي (ص): (ان الحسين في السماء اعظم منه في الارض)، ومن جملة ما قال: انه (مكتوب في ساق العرش انه مصباح هدى وسفينة نجاة).
هنالك أسئلة لابد منها...
ماهو العرش الذي يقول عنه ربنا سبحانه وتعالى: "الرحمن على العرش استوى"، ولماذا يكتب كلام على ساق العرش؟ ثم ان قواعده او الجهة التي تكون بازاء الخلائق لماذا زينت بهذه الكلمة (ان الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة)؟
اذا علمنا بان العرش هو مركز التدبير الالهي للكائنات جميعا، وان الله قد استوى عليه يدبر الامر من الليل والنهار، واذا علمنا بان الخلائق ليست محصورة باهل الارض وانما هناك عوالم لا تحصى. نعرف معنى ان ساق العرش تزين بهذه الكلمة: (ان الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة)، وحينما نقرأ عن فطرس وهو ملك كريم وعظيم كيف انه حينما احترقت اجنحته لم يجد بداً من العودة الى مقامه الا بالتمسح بمهد ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه، نعرف ان القضية ليست قضية خاصة بمجموعة او اخرى.
كربلاء .. خارج الزمان والمكان
حينما ندرس قصة كربلاء وملحمة عاشوراء ربما نضعها في اطار زماني ومكاني ضيق و محدود، وكانه صراع بين الحق والباطل في فترة محددة وحسب، في حين علينا ان نقرأ هذه القضية ضمن اطارها الكوني وضمن السنن الالهية التي تحكم الارض.
لندرس (سورة الفجر) وقد خُصصت بابي عبد الله الحسين سلام الله عليه، فالحديث عن الفجر ليس عن الليل وانما هو حديث عن انطلاقة النهار في بداية السورة "والفجر وليالٍ عشر"، صحيح ان هذه الليالي هي الليالي الاولى من شهر ذي الحجة الحرام، ولكن قد تنطبق في الليالي الاولى من اول السنة الهجرية وهي من الاول وحتى العاشر من شهر محرم الحرام، "والشفع والوتر" فالحسين شفع و وتر فهو شفع مع الحسن، لأن (الحسن والحسين امامان قاما او قعدا)، ولكنه وتر ايضاً في ملحمته، ثم لندرس هذه السورة الكريمة في اطار حديثها عن سنن الهية وكونية "ان ربك لبالمرصاد"، إذن، القضية ليست محصورة بيزيد ومعاوية بن ابي سفيان والحزب الاموي، بل القضية اكبر من ذلك، إنها الصراع بين النور والظلام وبين الحق والباطل وبين ارادة الله التي سوف تتحقق، شاء الناس أم أبو، وبين شهوات البشر و وساوس الشيطان، وبالنتيجة القضية أبدية. "والفجر ليال عشر والشفع والوتر والليل اذا يسر"، إن حديث السماء حول السنن الالهية؛ الليل والنهار والفجر، مما يدعونا دائماً لأن ندرس الامام الحسين عليه السلام كقضية كونية، وفي تسلسل السورة: "هل في ذلك قسم لذي حجر"، هنا القضية عن العقل اينما كان، سواء في فرد واحد أم في المجتمع، ثم يذكر ربنا قصة تاريخية كنموذج في سياق الآيات الكريمة، يبين هذا الصراع في قصة فرعون التي تُعد المثل المتميز في الصراع بين الحق والباطل، علماً إن القران الكريم يضرب لنا الامثال من هذه القصة في سبعين مرة، لانه مثل متميز لابد ان نهتدي من خلاله الى سنن الله تعالى في الحياة، وما يركّز عليه القران الكريم في هذه السورة المباركة هو: "ان ربك لبالمرصاد"، بمعنى ان الله لم يخلق الخلق ويتركه كما أدعى اليهود في قوله تعالى: "... يد الله مغلولة غُلت ايديهم ولعنوا بما قالوا" وحينما يسأل الحجاج سعيد بن جبير ويقول له: اين ربك...؟! يقول: انه بالمرصاد.
ثورة في اللحظة الحاسمة
لقد خلق الله الانسان وسبقت كلمته بالرحمة له وسخر له ما في الارض جميعا وجعله نموذجا متميزا في خلقه وهيأ له دار للضيافة سماها الجنة والاخرى بالسجن والاعتقال والتعذيب واسمها جهنم - والعياذ بالله-، هذا الخلق الالهي المتميز بدأه بشخص وهو افضل من خلق في ذلك العالم وهو آدم و زوجته حواء عليهما السلام وجرت قصتهما في الجنة والنزول الى الارض في قصة طويلة وجرى ما جرى بين ابنيهما اذ "قربا قرباناً فتقبل من احدهما ولم يتقبل من الآخر انما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني قال لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك اني اخاف الله رب العالمين"، اذا ندرس هذا القضية كاملة نجد نموذجاً للصراع بين الحق والباطل وبين قابيل وهابيل، ومن ثم يأتي ادريس وبعده نوح ومن بعده ابراهيم ومن بعده موسى ومن بعده عيسى وبعده النبي الاكرم (ص) وتتكرر السنّة الالهية، باستمرار الصراع بين الحق والباطل، وما يتخللها من أذىً او معاناة يتحملها أصحاب الحق في لحظة معينة ولفترة معينة ولسبب حكيم، ربما لا يعرفه الكثير، ولكن في النهاية الحق هو الذي يسود ويحكم، فاذا نقول: قتل الامام الحسين سلام الله عليه، فهل يعني انه اصبح في عداد الغائبين عن وجه الحياة؟ انه قتل فعلاً، ولكن بقتله أحيى العالم بأسره.
انه امتداد لرسول الله الذي قال عنه: (حسين مني وانا من حسين)، لكن الكلمة الصاعقة (وانا من حسين)، واذا عرفنا ان الله تعالى ارسل نبيه الاكرم رحمة للعالمين وقال "وما ارسلناك الا رحمة للعالمين" نعرف ايضا ان الحسين جاء رحمة للعالمين، واذا كانت الرحمة الالهية المهداة هي شخص النبي وتتمثل في رسالته وقرآنه وبعثته وسيرته المضيئة، فان رحمة الله عند الحسين سلام الله عليه تتمثل في شهادته، لان شهادته جاءت مكملة لتلك الرسالة الالهية التي بعث بها النبي (ص) وانتشرت في الارض وقامت بدور مزدوج.
الدور الاول: ان الرسالة صاغت امة سماها ربنا تعالى "خير امة اخرجت للناس" هذه الامة الرشيدة والمجيدة الامة التي يضرب بها المثل في القوة والشجاعة والاستقامة والصبر، هذه الامة ساقتها رسالة الله على يد النبي (ص).
الدور الثاني: والذي عادة ما يتغافل عنه المسلمون، وهو الوسطية، علماً ان وجودها يقع في منطقة وسطى في الكرة الارضية، ومنذ ذلك اليوم كان لها دور الشهادة على سائر الامم: "وكذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا".
بعد ان اصبحت هذه الامة وسطاً في العالم وبين البشرية، وشهدت على الاخرين العدالة بعد بعثة النبي الأكرم (ص)، وانتشر النور الالهي على العالم، ظهر تحدٍ خطير يواجه هذا الاسلام، بل كاد ينحرف وتطوى صفحته، وكاد (الرجل) الذي قال (دفناً دفناً...)، ينجح في مهمته الخبيثة والشيطانية، فجاءت ثورة الامام ابي عبد الله الحسين ونهضته في اللحظة الحاسمة التي كادت أن تدمر كل شيء، وهذه اللحظة هي اللحظة التي جاء الانبياء عليهم الصلاة والسلام من اجلها.
الحسين .. رحمة للأمة
عندما ظهر النبي موسى عليه السلام و رفع راية التوحيد في مصر في مقابل فرعون، ولم يخضع الاخير لتلك الراية فان الله تعالى اخذه أخذ عزيز مقتدر واغرقه و جنوده ودمر كيانه شر تدمير، وكذلك الحال ظهر نبي الله ابراهيم الى نمرود وحاول هدايته ولم يستجب، فان الله تعالى دمر حضارة بابل ولم يبق منها شيء، وهكذا في قصة ثمود وقصة عاد وقصة قوم لوط وقصص أخرى، نجد ان الله تعالى لم يمهل الكافرين والخارجين عن الرسالة، بل أذاقهم العذاب والخزي في الدنيا والاخرة، لكن حينما جاء الامام الحسين عليه السلام لم نجد العقوبة والعذاب الالهي لأولئك القوم الذين وقفوا بوجه الامام الحسين وبوجه الرسالة المحمدية، لقد كان الحسين رحمة لقومه، إن اول بكاء بكاه ابو عبد الله الحسين في كربلاء كان على اعدائه، كيف يدخلون النار بسبب هذه الفعلة التي يقومون بها. وبذلك نجد ان الله تعالى انقذ موسى وانقذ عيسى - حسب رأينا-، لكن الامام الحسين وهو سبط خاتم الانبياء، فدا بنفسه فاستشهد واخوانه وابنائه وهُتكت حرماته، فالفرق كبير بين الحسين وبين الانبياء الذين واجهوا العذاب والأذى في الله، فقد الله اذن للامام الحسين ان يستشهد ليجعل النصر للامة المرحومة، لكن مع كل ذلك نجد هنالك من يتجرأ وبكل وقاحة أن يتحدث بأن (الحسين قتل بسيف جده...)!!
*خطباء المنبر و رسالة الحسين
إن خطباء المنبر الحسيني وعلماء الدين إنما يتحدثون باسم النهضة الحسينية الكبرى وباسم ذلك الذي قال (والله اني لا ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما)، (ما خرجت اشرا ولا بطرا ولا ظلما ولا مفسدا وانما خرجت لطلب الاصلاح)، و باسم رجل الاصلاح في العالم الذي اشترى الموت والقتل وكل شيء من اجل الدين انتم تتحدثون باسمه، لذا لابد ان يعرف جميع المشاركين في الشعائر الحسينية دورهم الكبير الذي هو امتداد لدور الامام الحسين في انقاذ الانسانية من الظلم والضياع، وهذا ما يجب أن يعرفه خطباء المنبر الحسيني ومن يؤسس المواكب ومن يسير الى حرم الامام الحسين ويحيي هذه الشعائر الالهية، فالقضية التي هم بصددها ليست بسيطة ومحدودة، إنها قضية عظيمة.
في الوقت الحاضر يعقد مؤتمر في المكسيك حول ارتفاع حرارة الجو، تقول الآية الكريمة: "ظهر الفساد في البر والبحر بما اكتسبت ايدي الناس"، (وما كسبت) هي الزلازل والفيضانات وازدياد الغازات المنبعثة من المعامل المختلفة والتي بدأت تهدد الحجاب الذي حجبنا الله به عن الاخطار وهو (الغلاف الجوي)، فالعالم غارق بالمشاكل، وحسب ما يقول الخبراء فان 250 مليون انسان سوف يهجرون السواحل، وسيحتاج العالم الى 250 مليار دولار لبناء مساكن الى هؤلاء، كل ذلك بسبب درجات الحرارة المرتفعة في الارض وتأثيراتها على المناخ وعلى البيئة وعلى انواع الاحياء في الارض، كما ان الانسان مشغول اليوم بالارهاب، وقد اصبحت معضلة ومحنة في العالم.
فما هو العلاج مما يعاني منه العالم ؟
الاجابة مكتوبة على ساق العرش (الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة). بمعنى أن هذه الامة لن تحيى وتعيش إلا بالالتفاف حول راية ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه، ولن تقوم لهذه الأمة قائمة حتى تقوم بدورها في نشر العدالة على ربوع المعمورة ان شاء الله تعالى. فلا نتحدث في مجالسنا الحسينية عن قضايا بسيطة ضمن أطر ضيقة، بل نتوسع بالحديث عن مشاكل العالم التي نجد علاجها وحلولها عند أبي عبد الله الحسين.
ومن الجدير بالخطباء أن يتجنبوا التكلّف في إثارة المستمعين بروايات تاريخية حتى وإن كانت صحيحة السند والمصدر، لأن ربما بعض هذه الروايات لاتكون مفهومة لكثير من الناس، فلابد من التكلم على قدر فهم واستيعاب الناس، والرسول الاكرم صلى الله عليه وآله يقول: (نحن معاشر الانبياء نكلم الناس على قدر عقولهم)، وفي رواية اخرى (ما تكلم النبي بكل عقله قط)، لان النبي الأكرم كان يقدّر المستوى الثقافي والذهني للناس، فيتحدث عما يفهمه الناس، لذا كان كلامه وحديثه عذباً مستساغاً لجميع افراد المجتمع في مكة والمدينة رغم الجاهلية المطبقة آنذاك.
إن القنوات الفضائيات تُعد فرصة لنشر افكارنا، لكن علينا ان نتحدث بما يستفيده كل الناس، بمعنى ان نتحدث للجميع وبمنطق الجميع، ثم أن لدينا المنطق القوي والمتين ولسنا بحاجة الى الاثارة والتأثر، وفي الوقت نفسه ثمة منطق ثوابت ومبادئ من وحي الفطرة الانسانية لن نتنازل عنها، لكن هذا لا يمنع من أن نحدث الناس بما يوحدهم لا أن يفرقهم، فالامام الحسين سلام الله عليه جاء بنهضة عالمية ومن اجل حلّ كل مشاكل العالم. عندما وصل الى كربلاء عليه السلام، كان معه رجل من جماعة الخليفة الثالث و رجل آخر مسيحي و رجل افريقي اسود... والدلالة هي إن هذه النهضة للعالم أجمع.
نُقل ان بعض البلاد التي تشهد تمييزاً عنصرياً ضد السود، عندما يسمع السود خطيب المنبر يتحدث عن (جون) في واقعة كربلاء وكيف أنه صنع به ما صنع بابنه علي الاكبر، بدأوا ينهالون على الحسينية لسماع حديث هذا الخطيب. هذا هو المنطق السليم الذي علينا اتباعه، وهذا المنطق هو الذي شجّع الآلاف من البشر في العالم على اعتناق الاسلام والاستبصار ببركة الامام الحسين عليه السلام. كما ان الشعائر التي يقيمها المؤمنون في العراق، مثار اعجاب واكبار سكان العالم، فهم يتابعون من خلال القنوات الفضائية الجموع الهائلة التي تسير على الاقدام نحو كربلاء، وهي مؤمّنة بالكامل من حيث الخدمات الضرورية كالطعام والمنام والطبابة وغيرها، بينما نجد حجاج بيت الله الحرام وخلال ثلاثة ايام، في الوقوف على جبل عرفات وفي مزدلفة يسيرون بين السيارات يبحثون عن وسائل الراحة كالماء او غيره ولا يجدونه.
ان العراقيين يضرب بهم المثل في الكرم خلال الزيارات المليونية الى كربلاء المقدسة، فهم يضيفون الزائرين خلال اسابيع وربما شهر كامل، يستقبلون الزائرين على الطرق البعيدة والقادمين من مدن وسط وجنوب العراق وايضاً شماله، كما يضرب به المثل في الايمان والمحبة والولاء والاندماج مع التاريخ والقيم.
إذن، فنحن مطالبون بحمل راية الامام الحسين ونشرها الى العالم من خلال الحديث عبر القنوات الفضائية ان يتحدثوا بمنطق العالم و بمنطق العقل ونحمل الحلول والبدائل الى العالم، فنقول للعالم هذا هو إمامنا الحسين عليه السلام يبين لكم سبل السعادة والأمان.
إن الامام الحسين عليه السلام، ضحى لينجو الناس من النار والانحراف والضلالة وحيرة الضلالة، لنستلخص دموعنا ودمائنا من اجل ابي عبد الله الحسين، حتى نحصل على بركاته وامداده لنا لنشدّ به أزرنا ونقوي به عزيمتنا في صراعنا الطويل مع قوى الباطل.