قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
التنجيم يبحث عن مريديه
الصدقة والقوانين الإلهية والخوف من المحذور
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *طاهر القزويني
يتعلم الإنسان المعارف والعلوم حتى ينتفع بها في جوانب مختلفة من حياته، لكن هناك فرقاً بين علم تتعلمه من الناس ولا تعلم منافعه من أضراره، وبين علمٍ تتعلمه من مدينة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن أهل بيته الأطهار، فيكون نفعه للدنيا والآخرة.
والمعرفة بشكل عام جيدة، ولكن ليست كل المعارف هي مفيدة للإنسان، أو ربما يتصور أنها ستنفعه في قضية ما، ومنهم ذلك الرجل الذي كان على معرفة بعلم النجوم ولما حان الوقت حتى يستفيد من تلك المعرفة واجه خسارة فظيعة، ونقل القصة الامام الصادق (عليه السلام) وقال: كان بيني وبين رجل قسمة أرض وكان الرجل صاحب نجوم فكان يتوخّى ساعة السعود فيخرج فيها وأخرج أنا في ساعة النحوس، فاقسمنا فخرج لي خير القسمين، فضرب الرجل يده اليُمنى على اليُسرى، ثم قال: ما رأيت مثل اليوم قط، قلت: ويل الآخر وماذاك؟ قال: إني صاحب نجوم أخرجتك في ساعة النحوس وخرجت أنا في ساعة السعود، ثم قسمنا فخرج لك خير القسمين؟
فقال له الإمام: ألا أحدّثك بحديث حدّثني به أبي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من سرّه أن يدفع الله عنه نحس يومه فليفتح يومه بصدقة يذهب الله بها عنه نحس يومه، ومن أحبّ أن يذهب الله عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة يدفع عنه نحس ليلته)، فقال الإمام : وإني افتتحت خروجي بصدقة، فهذا خيرٌ لك من علم النجوم). (وسائل الشيعة/ ج6، ص273)
لقد تأسف ذلك الرجل ليس فقط على خسارته مع الإمام في قسمة الأرض، بل كان أسفه أكبر على ذلك العلم الذي أراد الانتفاع به فخسر وضرب يمناه على يسراه ألماً وحسرة، لقد فرض على الامام (عليه السلام) أن يخرج في يوم لابد أن يخسر فيه حسب علم النجوم لأنه يوم نحس بالنسبة إليه، وخرج هو في يوم هو في حساب النجوم يوم خير وسعد بالنسبة إليه لكنه مع ذلك خسر ولم تنفعه النجوم في شيء.
وحسب علم النجوم كان الإمام خاسراً في قسمته ولكنه مع ذلك ربح القسمة، كيف حدث ذلك؟
يتضح أن أحكام هذا العلم غير حتمية، وأنها قد تقع أو لاتقع، وفوق علم النجوم هناك علم آخر يكسر قوانينه وأحكامه، فربما لو لم يتصدق الإمام (عليه السلام) في صباح ذلك اليوم الذي أجريت فيه القسمة لكان قد خسر قسمته، لكنه إستفاد من علم إلهي غيبي يكسر جميع أحكام وقوانين العلم الطبيعية.
من الذي يعرف قيمة الصدقة؟ ومن الذي يعرف مدى تأثيرها على القوانين الطبيعية؟
قليلون هم الذين يعرفون دور الصدقة في تغيير القوانين الطبيعية، لكن الأهم من كل ذلك هو أن ندرك أن معارف أهل البيت (صلوات الله عليهم) أعلى مرتبة من جميع العلوم الأخرى، بينما علم التنجيم ربما يصيب و ربما يخطئ، ذلك أن قوانين الطبيعة ليست هي المتحكمة في أمور الخلق، وإنما هي تابعة لإرادة الخالق، وقد تظهر في النجوم أشياء، ولكن الله عزوجل لايريدها، فلا تحدث، ومن هنا جاء الذم لعلم التنجيم لأنه يفضي إلى الاعتقاد بقوة الطبيعة وتحكمها بمصائر المخلوقين.
وقد وردت بعض الروايات التي تحذر المسلمين من الاعتقاد بقوة وتأثير الطبيعة، فعن زيد بن خالد الجهني قال: صلّى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الصبح في الحديبية في أثر سماءة كانت من الليل، فلما انصرف الناس قال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال إن ربكم يقول: من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب، وكافر بي ومؤمن بالكواكب، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافربي ومؤمن بالكواكب، وفي تعليق الشهيد الأول على ذلك في (الوسائل) قال: هذا محمول على اعتقاد ومدخليتها في التأثير، والنوّء هو سقوط كوكب في المغرب وطلوع رقيبة في المشرق. (وسائل الشيعة، ج8، ص272)
والتنجيم لايؤدي إلى معرفة قطعية بالأشياء، فلو تنبأ شخصٌ ما بشيء حسن يحصل له في السنة الحالية أو القادمة، فربما وقع، وربما لم يقع، أو تنبأ بشيء سيئ يحصل له، فربما لم يحصل، لكن المهم في القضية انه لايستطيع أن يدفع الضرر عن نفسه حتى وإن عرف بوقوعه، ففي رواية عن هشام بن الحكم قال: سُئل الزنديق الإمام الصادق (عليه السلام): ما تقول في علم النجوم؟ قال: هو علم قلّت منافعه وكثرت مضراته، لأنه لايدفع به المقدور ولايتقي به المحذور، إن أخبر المنجّم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء، وإن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله، وإن حدث به سوءٌ لم يمكنه صرفه، والمنجّم يضادالله في علمه بزعمه انه يرد قضاء الله عن خلقه. (بحارالأنوار، ج58، ص223)
هل أنت مهتم بتصحيح تصوراتك عن الأشياء؟
هناك من لايكترث للأمور التي تستولي على ذهنه والأفكار التي تسيطر عليه، فربما لاحظ بعض المؤشرات وظن أنها تدل على صحة ما يقول المنجم، لكن هذا الاعتقاد خاطئ ويجر إلى الكفر بالله، فان الذين عبدوا الشمس والقمر وبقية الكواكب كانوا يظنون بها خيراً، بمعنى أنها تهب الحياة والعطاء والرزق وأن منها السعد والنحس وهذا اعتقاد باطل يوصل الإنسان إلى عبادة باطلة، وقبل أن يقع المرء في هذه المتاهة يجب أن يفكر جيداً ويعطي الأشياء وزنها الحقيقي من دون زيادة أو نقصان ويحدث ذلك عند اتباع منهج وثقافة أهل البيت (عليهم السلام) هؤلاء الذين خصّهم الله بعلوم لم يطلع عليها بقية البشر فنحن نجد حتى في أدعيتهم الكثير من المعارف القيمة، فالامام الصادق (عليه السلام) في هذا الموضع يبين لنا كيف ينبغي أن يكون موقفنا تجاه الكواكب واتجاه من يؤمن بها، يقول في الدعاء بعد صلاة الاستخارة: (اللهم إنك خلقت أقواماً يلجؤون إلى مطالع النجوم لأوقات حركاتهم وسكونهم وتصرفهم وعقدهم، وخلقتني، أبرأ إليك من لجأ إليها ومن طلب الاختيارات بها، وأتيقن أنك لم تطّلع أحداً على غيبك في مواقعها ولم تسهّل له السبيل إلى تحصيل أفاعيلها، وإنك قادر على نقلها في مداراتها في مسيرها على السّعود العامة والخاصة إلى النّحوس، ومن النحوس الشاملة والمفردة إلى السعود، لأنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب..). (البحار/ ج58، ص229)
والقضية هنا ليس أن يكون كلام المنجّم صدقاً أو كذباً، إنما في صحة قراءة المنجّم للنجوم أم سقمها، وهو يجهل وجود قوانين إلهية أخرى، هي التي تغير ما هو مكتوب وما قرأه في النجوم، فالله سبحانه وتعالى يغيّر المكتوب ويقدّم ويؤخر بالآجال ويزيد ويقلل بالأرزاق ويفعل ما يشاء كيف يشاء.
ومع هذه التغييرات التي تجري من قبل الله تعالى يعجز الإنسان عن تقديم قراءة صحيحة لما هو مكتوب لمستقبل شخص أو جماعة، وإضافة إلى قانون الصدقة الذي يتفوق على قانون الطبيعيات، ثمة قوانين أخرى لله غير مكشوفة للناس هي ايضاً ذات تأثير على الحياة البشرية بل وتغير القوانين الطبيعية، ويمكن أن نقول بأن التوكل على الله هو أحد هذه القوانين التي تسيطر على القوانين الطبيعية، وقد ورد في نهج البلاغة من كلام لأميرالمؤمنين (عليه السلام) قال لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج فقيل له: يا أميرالمؤمنين إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لاتظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال (عليه السلام): أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صُرف عنه السوء؟ وتخاف الساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ؟ فمن صدقك بهذا فقد كذّب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله تعالى في نيل المحبوب، ودفع المكروه، ثم أقبل (عليه السلام) على الناس فقال: (أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يُهتدى به في برّ أو بحر، فإنها تدعو إلى الكهانة والمنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سيروا على اسم الله وعونه). (بحارالانوار/ ج58، ص258)- (نهج البلاغة/ خطبة 79)