قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
حقيقة علمية من القرآن الكريم. .
(الأوتاد) و (الرواسي) هبات ربانية لتثبيت الكرة الأرضية
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *زكي الناصر
من كان يتصور أن تكون الجبال عامل استقرار وثبات للكرة الارضية التي نعيش فوق سطحها؟ فيما القرآن الكريم قد أشار الى هذه الحقيقة في القرن السابع الميلادي حيث كانت اوربا غارقة في الظلام، وذلك الى جانب حقائق علمية مضيئة عديدة عن الانسان والطبيعة والكون.
تقول الآية القرآنية: "وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (النحل /15). فقد أكدت هذه الآية ان الجبال لها دور في تثبيت الأرض الكروية المتحركة. وجاء في موقع (اسرار الاعجاز في القرآن والسنّة) ان الابحاث في الغرب توصلت الى ان التوازن الأرضي هو توازن لبنات القشرة الأرضية العائمة على الغلاف الصخري للأرض والجبال تملك جذوراً تمتد إلى داخل الغلاف الصخري بهدف تأمين التوازن. مثالاً على ذلك: ان قطعة الجليد أو الخشب تطفو على سطح الماء ولكن هنالك جزءاً منها يغوص داخل الماء لتحقيق التوازن، وبغير هذا الجزء لا يتحقق التوازن لقطعة الخشب. وهذا ما يحدث بالضبط في الجبال فجميع جبال الدنيا لها جذور تمتد في الأرض وتعمل على تثبيت الأرض واستقرار الجبال. وهذا ما نجد وصفاً دقيقاً في الآية المشار اليها آنفاً، إذن سمّى القرآن الجبال بـ(الرواسي) تشبيهاً لها بالسفينة التي ترسو ويغوص جزء كبير منها في الماء.
ولو بحثنا عن معنى كلمة (رسا) في المعاجم مثل مختار الصحاح نجد معناها (ثبت)، وهذا ما تقوم به الجبال من تثبيت للأرض لكي لا تميل وتهتز بنا. ويؤكد العلماء اليوم أن كثافة الجبال تختلف عن كثافة الأرض التي حولها، تماماً مثل قطعة الجليد العائمة على سطح الماء. فإذا وضعنا قطعة من الجليد في الماء نجد أن جزءاً كبيراً منها يغوص في الماء ويظهر جزء صغير منها على وجه الماء ولولا ذلك لا تستقر قطعة الجليد وتنقلب وتميل.
وهنا تتجلّى عظمة القرآن في دقة التشبيه وروعته، ولذلك قال تعالى: "وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ" (الأنبياء /31). فشبّه الجبال بالسفن الرواسي وهو تشبيه دقيق جداً من الناحية العلمية.
إن جميع جبال الدنيا تمتد عميقاً في الغلاف الصخري للأرض، ويبلغ عمق هذه الجذور عشرات الكيلو مترات، ونجد أن عمق جذر الجبل يزيد على ارتفاعه فوق سطح الأرض بأكثر من عشرة أضعاف، وهذا ما نجده في الوتد. فالوتد من الناحية الهندسية وحتى يؤدي مهمته في التثبيت يجب أن يغوص في الأرض لعدة أضعاف الجزء البارز منه. فسبحان الذي سمّى الجبال (أوتاداً) وهذا التشبيه أفضل تشبيه من الناحية العلمية.
ثم إن جميع العلماء يؤكدون اليوم بأن الجبال لها أوتاد تمتد في الأرض وتغوص لعشرات الكيلو مترات، وهذا ما حدثنا عنه القرآن العظيم بقوله تعالى: "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا" (النبأ /6-7).
وهنا لنا وقفة لغوية مع كلمة (رسا) و نقدم من خلال هذه الوِقفة ما فهمه العرب قديماً من هذه الآيات. فلو بحثنا في معجم لسان العرب عن معنى كلمة (رَسَا)، لوجدنا: (رَسَا الشَّيءُ يَرْسُو رُسُوّاً و أَرْسَى: ثَبَتَ، و أَرْساه هو. و رَسَا الـجَبَلُ يَرْسُو إِذا ثَبَت أَصلهُ فـي الأَرضُ، وجبالٌ راسِياتٌ. و الرَّواسِي من الـجبال: الثَّوابِتُ الرَّواسخُ. و رَسَتِ السَّفـينةُ تَرْسُو رُسُوّاً: بَلَغَ أَسفلُها القَعْرَ وانتهى إِلـى قرارِ الـماءِ فَثَبَتَت وبقـيت لا تَسير، وأَرْساها هو. وفي التنزيل العزيز في قصة نوح عليه السلام وسفـينته: "وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" (هود: 41). و الـمِرْساةُ: أَنْـجَرُ السَّفـينة التـي تُرْسَى بها، وهو أَنْـجَرُ ضَخْمٌ يُشَدُّ بالـجِبال و يُرْسلُ فـي الـماءِ فـيُمْسِكُ السَّفـينة و يُرْسِيها حتـى لا تَسير. قال ابن بري: يقال: أَرْسَيْتُ الوَتِدَ فـي الأَرض إِذا ضَرَبْتَه فـيها).
وجاء في هذا المعجم معنى كلمة (وتد): (الوتِدُ، بالكسر، و الوَتْدُ و الوَدُّ: ما رُزَّ فـي الـحائِط أَو الأَرض من الـخشب، والـجمع أَوتادٌ، قال الله تعالـى: "والجِبالَ أَوتاداً" (النبأ: 7). و وَتَدَ الوَتِدُ وَتْداً وتِدَةً و وَتَّدَ كلاهما: ثَبَتَ، و وَتَدْتُه أَنا أَتِدُه وَتْداً وتِدَةً وَوَتَدْتُه: أَثْبَتُّه).
ونلاحظ أن العرب فهمت من الآيات ما نفهمه نحن اليوم مع فارق التطور العلمي، فهم فهموا من كتاب الله تعالى أن للجبال أصلاً في الأرض يثبته كما تثبت المرساة السفينة ولذلك سمى الله الجبال بالرواسي، وهذا ما يقوله العلماء اليوم كما نرى من خلال الأبحاث الصادرة حديثاً في علم التوازن الأرضي.