قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

قف .. فأنت المسؤول
عمار كاظم
الله تبارك وتعالى خلق كل مخلوق لغاية معينة ولمسؤولية معينة، وقد هداه إلى كيفية ممارستها ضمن ما آتاه من إمكانات تتناسب وأداء هذه المسؤولية، ولا يوجد مخلوق على هذه الأرض لا يعرف ما هي المسؤولية أو المسؤوليات التي خلق من أجلها؟ فالكون الفسيح الذي يحيطنا بأرضه ومائه وسمائه مصمم على أساس المسؤولية التي تهدف إلى خدمة الإنسان والإنسان مزود بطاقات مسؤولة عن إعمار وإصلاح وازدهار هذا الكون، فلا عبث ولا سدى (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا)، فالإنسان يعيش المسؤولية في البيت فالأب مسؤولياته تجاه أولاده وزوجته وللزوجة مسؤوليات إزاء زوجها وأولادها وللأولاد مسؤولياتهم إزاء الأبوين وإزاء بعضهم البعض، وإذا تحللنا من ذلك وتنصلنا منه تزعزعت أركان الأسرة وتصدعت.
وفي رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام والتي يحدد فيها لكل إنسان ماله من الحق وما عليه من حق، هذه الرسالة التي تعطينا معنى المسؤولية وتعبر عن مسؤولية الإنسان تجاه ربه ونفسه فحق النفس عليك (أن تستعملها في طاعة الله عز وجل فتؤدي إلى لسانك حقه وإلى سمعك حقه وإلى بصرك حقه وإلى يدك حقها وإلى رجلك حقها وإلى بطنك حقها وتستعين بالله على ذلك) ويربينا الإمام علي (عليه السلام) أن نجتنب كلمات الغش والسباب والشتائم وأن ندرب ألسنتنا على كلمات الخير في كل مواقعها وأن نتكلم الكلمات التي تفتح عقول الناس وقلوبهم ولا تثير أحاسيسهم ولا تعمل على إثارة الأذى في أنفسهم ويعودنا على إمساك اللسان عن لغو الكلام الذي لا يفيد ولا ينفع وعن الكلام الذي يمكن أن يؤدي إلى الشر وإلى الإضرار بالآخرين (فحق اللسان إكرامه عن الخنا). اللسان الذي يجب أن يستعمله الإنسان من أجل المزيد من الخير والهداية للناس وإدخال السرور عليهم ولا يستعمله في ما يضرهم ويؤذيهم، كما ينبهنا الإمام علي (عليه السلام) عن حق السمع والكلام الباطل الذي يسيء إلى عقولنا وقلوبنا وروحنا وهدانا ولنستمع إلى الكلمات التي تهدينا وترشدنا وترفع بمستوانا وتعمق تفكيرنا، الكلمات التي تكسب الخلق الكريم وتعلم الصدق والأمانة والانفتاح على الله تعالى وينطلق عليه السلام من قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم.....) ليقول لنا (حق بصرك فغضه عما لا يحل لك) فالنظر على أساس أن نستفيد منه عظة وعبرة وأن تراعى فيها حدود الله تعالى ونواهيه ويحذرنا عليه السلام من استخدام جوارحنا في المواقع التي نهانا الله تعالى عنها، (وأما حق رجليك ألا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك) أن تمشي إلى أماكن الفجور و اللهو والفساد وإلى مهرجانات الظالمين وإلى اجتماعات المستكبرين بل يجب أن تكون حركة الإنسان إلى مواقع الحق والعدل والجهاد إلى مواقع العمل في سبيل الله إلى المواقع والغايات التي يحبها الله تعالى وأما (حق اليد فألا تبسطها إلى ما لا يحل لك) فلا يجب أن تمتد يدك لتضرب إنسانا بغير حق أو تستعملها في أكل حرام أو لعب حرام أو شهوة حرام ولكن تستعمل يدك في مواقع الخيرات في الجهاد في العطاء وتطلقها في الحلال وفي طاعة الله تعالى (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) إن مسؤوليتنا مضاعفة فالكلمة التي نتفوه بها مسؤولون عنها وهناك رقيب يراقب هذه الأقوال إذ كان خيرا أو شرا (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) فمسؤولية الكلمة تتحدد في التفكير بها قبل إطلاقها واختيار الأحسن من بين الكلمات الحسنة الكثيرة واتباع الأسلوب الأمثل في إطلاقها ودراسة انعكاسها وتأثيرها على من يتلقونها، ان انتقاء الكلمات الأحسن واختيار الأسلوب الأمثل هو الطريق الذي يريدنا الله تعالى أن نسلكه (وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) وعلينا أن نجتنب الكلمات الخبيثة وكلمة الزور والشهادة بالباطل والاجتناب عن كلمة التشهير والتسقيط بما لا يبقي حرية للآخر (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم). لا بد أن نبتعد عن الغيبة والنميمة والسخرية والكذب والبهتان والكلمة السيئة والرديئة هذه الكلمات التي تجرح المشاعر وتثير العواطف وتفجر الغضب وتفتح أبواب الشر إذ لا بد أن نكون في مستوى المسؤولية فالكلمة مسؤوليتك ما دامت في عهدتك وتحت طي لسانك فأنت قادر على التحكم بها فإذا خرجت صارت في عهدة الآخرين وعليها تترتب النتائج السلبية والإيجابية (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن).