قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
السبيل نحو المعرفة الربانية - 2
النظر في ملكوت السماوات والارض
*السيد صادق الحسيني
من أهم المشاكل التي يعاني منها المسلمون عبر العصور هو عدم اتخاذهم القرآن الكريم مفتاحاً لأبواب المعارف مما ادى بهم الى التخلف، وهذا التخلف الذي أبعدهم عن الركب الحضاري والتقدم العلمي والمعرفي.. بينما القرآن الكريم يقول: "وعنده مفاتح الغيب" (الانعام /59).
هنالك من يأخذ النور لا لكي يستنير به في الظلمات وإنمّا لينظر اليه وحسب، وهكذا أصبح حال المسلمين، ننظر الى القرآن الكريم نظرة سطحية ونقرأه دون تدبّر، إنمّا ينبغي ان نقرأه بتدبر وننطلق منه وليس اليه، بمعنى اننّا حينما نقرأ الآية لا نقرأها لمجرد القراءة إنمّا ننطلق من الآية الى الواقع لنرى ما في الآية من آفاق واسعة من المعرفة تنير لنا الدرب المظلم.
وقد ذكرنا في العدد السابق بأنّ اوّل ما يدعونا القرآن اليه في سبيل تحصيل المعرفة هو (النظر) لأنه اولى خطوات الانسان الساعية نحو المعرفة، وقد أشرنا فيما سبق الى النظر في ظواهر الحياة، وفي هذه القسم نتطرق الى النظر في ملكوت السموات والارض وكيف نستلهم من النظر المعرفة والعلم قال الله تعالى: "أَوَ لَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللـه مِن شَيْءٍ" (الاعراف / 185)
فالنظر العميق هو النظر في الشيء ( وليس اليه ) وحين ينظر الانسان في الشيء يسعى نحو معرفة ابعاده وخصائصه وعلاقاته بسائر الامور، وقد أمرنا الله بأن ننظر في ملكوت السموات والارض لنرى كيفية التقدير والتدبير والنظام العجيب الذي يحافظ على سلامة المنظومة الشمسية وأنّ لو انحرف كوكب ما بمقدار بسيط فإنه ربما يحدث انفجارات هائلة نتيجة لتصادمه مع كواكب اخرى، ولكن هناك نظام دقيق يبقي المجموعة الشمسية سليمة.. إذن، ألا يجدر بنا أن ننظر الى ملكوت السموات والارض.
ثم إنّ النظر في الملكوت يكشف لنا بأنّ هناك خالقاً اوجدها واجرى فيها هذه السنن ولعلنا اذا جئنا الى قصة النبي ابراهيم (ع) نستلهم منها كيف نظر هذا النبي العظيم الى ظاهر السموات والارض وملكوتها وكانت نظرته عن عبرة وفكرة، قال الله تعالى: "وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لا اُحِبُّ الاَفِلِينَ" (الانعام /75-76)
فمن خلال نظره الى الملكوت حصل النبي ابراهيم (ع) على المعرفة بأنّ هناك مدبراً وخالقاً لهذه الكواكب هو الجدير بأن يُعبد، فقد تدرج من القمر الى الشمس ومن ثمّ الى خالقهما علماً بأنّ النبي ابراهيم عليه السلام لم يؤمن بالقمرين وإنمّا كان كلامه سؤال استنكاري.
وهناك المئات من الاشارات العلمية التي باتت اليوم من الامور الثابتة ولكن المقام لا يسع لذكرها وإنمّا نذكر حقيقة واحدة اشار لها القرآن ودعا الذين كفروا بأن يتفكروا في هذه الحقيقة لأنهم اذ وعوها لآمنوا بالله وهي حقيقة ايجاد السموات والارض ونهايتها. قال تعالى: "اولم ير الذين كفروا أنّ السماوات والارض كانتا رتقاً ففتقناهما" (الانبياء /30).
ينبغي لنا أن ننطلق من الآية الكريمة ونستاءل لماذا استخدم القرآن هذه التعابير؟ وبفضل الله وبعد التقدم العلمي اكتشفنا بعض ما اشارت له الآية، ففي مجال تصور مبدأ الكون تشير الآية أنّ اصل الكون كان كتلة صغيرة الحجم وقد كانت المادة الأولى التي خلقها الله سبحانه، وكان عليها عرش قدرته وسلطانه، ذات كتلة شديدة التركيز، فأحدث الرب فيها انفجاراً هائلاً، لا يزال صداه منتشراً في اطراف الفضاء رغم مرور (15) مليار سنة عليه كما تقول نظريات العلم الحديث.
عن مجرات ناشئة أو هي في طور الخلق وهذه الحقيقة ايضاً مذكورة في القرآن في قوله تعالى "و السماء بنيناها بأيد وإنّا لموسعون" (الذاريات /47) والنظر الى هذه الحقائق نظرة علمية كفيل بأن تبلور في انفسنا فطرة الايمان.
اذن هكذا كانت بداية هذه السموات السبع والارضون والنجوم والشموس عبارة عن كتلة صغيرة الحجم ومن ثم حدث فيها انفجار وهي في توسع لحد الآن ولكن سيأتي زمان يتوقف هذا التوسع ويبدأ العد العكسي وهو قوله تعالى: "يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ" (الأنبياء /104).
واذ تختلف التعابير الّا ان ما توصل اليه العلم الحديث يطابق تماماً ما اشارت اليه الآية وتضيف النظريات اليوم إن الكون لا يزال في اتساع، ولا تزال الاجهزة التي تغور بنا في عمق الفضاء الرحيب، تكشف لنا
بمعنى أنّ هذا الكون الرحيب والفضاء الواسع وملايين النجوم ستعود الى حالتها الاولى أي العدم وهو قوله تعالى: "كما بدأنا أول خلق نعيده" اذن بداية الخلق دليل على نهايته، وهذه البداية وتلك النهاية شاهدان يكشفان طبيعة وتفاصيل عودة الخلق، واذ لم يصل العلم الحديث الى هذه الحقيقة الّا ان هناك نظريات مشابهة، ولكن عند من يؤمن بالقرآن الكريم تعد هذه حقيقة ثابتة بأن كل هذه المجرات ستعود يوماً الى بدايتها وهو ما وعد الله به وذلك يكون حين تقوم الساعة، وهي حقيقة واحدة وهناك الكثير من الحقائق لازالت غامضة عندنا ينبغي أن نتدبر في الآيات القرآنية للوصول اليها.