قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
"ان القوة لله جميعاً"
الانسان ومشكلة فهم حقائق الوجود
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *طاهر القزويني
اذا أتت كلمة (الجمع) في آية فمعنى ذلك ان الله سبحانه وتعالى لايستثني منها أحداً، سواء كان القصد من الجمع هو الجمع ليوم القيامة ويشمل البشرية عامة او الجمع الذي يقصد منه المسلمون خاصة مثل الآية التي تقول "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا" (سورة آل عمران /103). فالاعتصام يجب ان يكون للجميع ولايجوز ان يستثني احد نفسه من هذا الجمع الا اذا اراد ان يعزل نفسه عن أمة الاسلام ويخرج عن الدين فله مايشاء ان يقول او يدعي من الادعاءات الباطلة التي تقوض وحدة المسلمين وتفرق شملهم.
ولا ادري كيف يدعي الانتماء الى دين محمد (ص) من يقرأ هذه الآية ويكفّر المسلمين ويسعى لالغاء الاخرين ويعمل على التفرقة فيما بينهم؟
لان كلمة الجمع التي وردت هنا هي شاملة لكافة المسلمين ولاتسمح لاحد منهم ان يستثني ويعطي الحق لنفسه بأن يخرج هذا أو ذاك من الاسلام، وللاسف نجد بعض المسلمين وهم ينقلون احاديث مزورة عن الرسول الاكرم (ص) وهي تشرع الخلاف بين المسلمين مثلما يقولون: (اختلاف أمتي رحمة)! بينما هذا الحديث يخالف الآية التي ذكرناها حول الاعتصام ويخالف عشرات الآيات الاخريات التي تنبذ الخلاف بين المسلمين.
فكلمة الجمع اذا أتت في الآية فانها تشمل جميع الافراد كما في هذه الآية: "أين ما تكونوا يأتي بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير" (البقرة /148) فلا يستطيع ان يفلت من هذه الآية ومن جمع الله أحد ولكن عادة مانصاب بالشك والارتياب تجاه هذه المسائل الحساسة ونشك ايضاً في نصر الله مع انه عزوجل وعدنا بهذا النصر، ونصاب بالخوف والهلع عندما نواجه اعداء الله لاننا لانملك الايمان الحقيقي بأن "القوة لله" وان أية قوة لله وليس لأحد غيره واذا لحقت بنا الهزيمة فليس سببه هو قوة اعدائنا بل بسبب ضعف عقيدتنا، وقد جاء في القرآن الكريم "ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً" (البقرة /165) فالقوة هي لله من دون استثناء في الدنيا وفي الآخرة ومايؤكد هذا القول مانقوله يومياً في الصلاة: (بحول الله وقوته اقوم واقعد)، أي اننا نتحرك ونقوم ونقعد بقوة الله وهذا ينطبق على بقية البشر من الكفار والفاسقين وغيرهم فانهم غير مستثنين من هذه القاعدة لان القوة لله جميعاً.
وهناك آية اخرى تذكر بالجمع ايضاً وهي التي تحدثنا عن العزة فان الله عزوجل يقول في كتابه المبين "أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً" (النساء /139) وهنا يتحدث الباري عزوجل عن حال اولئك الضعفاء من امثال زعماء بعض البلدان العربية الذين يظنون بان العزة لدى الغرب أو الشرق لذلك هم يرمون انفسهم في احضانهم على امل ان يحصلوا منهم على العزة لكن الله عزوجل يقول بان العزة ليست لدى هؤلاء وانما العزة هي لله جميعاً وليس لأحد آخر، ولذلك نجد هؤلاء الذين لايبغون العزة من الله واخذوا يتسكعون على ابواب الامريكان والصهاينة، هم اليوم اذلاء ومحتقرين لدى شعوبهم، فهم على الرغم من كل الامكانيات التي لديهم مازالوا اذلاء وضعفاء، والسبب هو ان الله لم يمنحهم العزة!
لابد ان نفهم ان معادلات الوجود هي بيد الله وليس لدينا مفر اذا اردنا العزة والقوة إلا أن نلجأ الى الله لدليل بسيط وواضح ولا احد يستطيع انكاره وهو ان هلاك الناس هو بيد الله وليس بيد أحد آخر وربما يظن البعض ان القوى العظمى اذا ارادت شيئاً تستطيع تحقيقه حتى وان تمثل ذلك في هلاك البشرية، لكن الامر هو ليس كذلك لان هلاك الناس هو بيد الله لاغير وان القوى العظمى عاجزة عن حل مشاكلها فمن غير المنطقي ان نصنع لها هذه الهالة الكبيرة ونتصورها كأنها قوى لاتقهر فانها ونتيجة لفشلها في العراق اجبرت على تغيير سياساتها وان تظهر نمطاً آخر من أنماط سياستها.
القرآن الكريم يقول "قُل فمن يملك من الله شيئاً ان اراد ان يهلك المسيح بن مريم وامه ومن في الارض جميعاً" (المائدة /17). فالآية توضح للجميع بان هلاك البشر هو بيد الله وليس بيد قوة اخرى فان اراد الله هلاك احد او الناس جميعاً لفعل ذلك وكان الله على ذلك قديراً، اذن لماذا الخوف من الموت والموت هو بيد الله؟
المشكلة دوماً تكمن في قصر فهم الانسان عن ادراك حقائق الوجود وعدم معرفته بمديات التدخلات الغيبية في الحياة البشرية فنحن عندما نلاحظ حالة الكفر عند كثير من الناس بالله العزيز نصاب بالضعف ونعتقد بان الله عاجز امام هذا الكفر لكن الله عزوجل يجيبنا "ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً" (يونس /99) فالله ليس عاجزاً امام كفر هؤلاء وانه لويشاء لفرض عليهم الايمان لكنه عزوجل فرض سنناً وأقر شرائع تتيح للناس حرية الايمان والكفر ولكن لو ظهرت في هذا العالم حركة قوية لنشر الايمان بين البشرية فان الله عزوجل سيدعمها وسيعزز قوتها امام قوى الكفر.
وكما لاحظنا كيف ان قوى الكفر التي عملت على تحقيق التغيير في العراق من اجل مصالحها في هذا البلد انقلب السحر عليها وتوضح ان المنتصر كان هو منهج الامام الحسين عليه السلام. والواضح ان القوى العظمى لم تأت الى العراق حتى يحدث هذا الامر لكنها ارادة الله التي انتصرت في آخر المطاف، فهؤلاء الذين اتوا الى العراق وقتلوا اكثر من مليون عراقي مازالوا عاجزين عن تحقيق اهدافهم في هذا البلد.
ولو قرأنا القرآن بعيون البصيرة لوجدنا ان الله سبحانه سخر الارض وماحولها للمؤمنين حتى ينشروا الخير والعمل الصالح في البلاد وقد ورد في الكتاب المجيد: "وسخر لكم ما في السموات وما في الارض جميعاً" (الجاثية /13). فكل هذه الاشياء المسخرة للمؤمنين هي من اجل تحقيق غايات عليا لكن يجب ان يكون هؤلاء المؤمنون بنفس مستوى الرسالة التي يحملونها حتى يأتيهم الدعم الالهي، ونحن اليوم في العراق لدينا رسالة كبيرة ومهمة عظيمة يجب ان نحملها كما اراد الله وكما امر، ولانشغل انفسنا في الصراع على المناصب والمقاعد البرلمانية،لان هذه النزاعات ستحولنا الى اشخاص لانختلف كثيراً عن اولئك الجشعين الذين لايفكرون الا بتحقيق مصالحهم الشخصية وينسون ان لديهم رسالة عظيمة ومهمة كبيرة هي بوزن وحجم خلافة الله في الارض.