قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
الإرهاب ضد الشيعة
الدوافع طائفية والوسائل محرمة!
إذا كان الإرهاب في العراق يستهدف البنى التحتية للدولة العراقية الجديدة، فيداهم جنوده دوائر الدولة ورجال الشرطة والحرس الوطني تحت شعار (الحرب ضد المحتلين) أو (المتعاونين مع المحتلين) فهل يستطيع أن يفسر لنا القائمون على الإرهاب أو المحرضون عليه أسباب استهداف الجوامع والكنائس والصوامع ورجال الدين؟ هل أماكن العبادة لأتباع الديانات السماوية هي عند هؤلاء في حكم مقرات الأجانب أم هي في حكم المؤسسات المتعاونة مع الأجنبي؟
وإذا كان الإرهاب العالمي الذي ينال من أقليات مضطهدة، هو أمر طبيعي تفرضه ظروف أمنية هشة، تقودها فوضى الأكثرية في الدول التي تبات ليلها بلا سلطة تحكم قبضتها في الشارع، فان الغريب حقا أن تكون الأكثرية الحاكمة في العراق هدفا أوليا مقصودا لذاته من قبل الإرهاب؟
ففي العراق أضرحة وقبور مقدسة ومساجد وحسينيات شيعية وأحزاب وشخصيات سياسية ورجال دين وحملة علوم أهل البيت وشرائح مختلفة من المجتمع تكد وتعمل لتوفير العيش الكريم ونساء وشيوخ وأطفال عرفوا بالفطرة أنهم ينتمون الى التشيّع، والجميع تعرضوا للإرهاب بمختلف أنواعه وطرقه وما زالوا هدفاً سهلاً لحراب الإرهابيين، فقد أكدت الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية الصادرة عن وزارات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، أن 90 % من ضحايا الإرهاب في العراق، هم من الطائفة الشيعية، يتوزعون بين رجال الحرس الوطني وقوى الشرطة، ووحدات الجيش وقادة الدولة ورجال الدين ومواطنين عاديين.
فهل يحمل الإرهاب في العراق عقائدا وأفكارا وايدولوجيا مذهبية تدفعه للقصاص من شيعي يؤدي صلاته في المسجد القريب من بيته تقربا لله، أوليست المذاهب الإسلامية تحث المسلمين على الصلاة في المساجد، أم أن الصلاة في مساجد المسلمين أصبحت في عرف الإرهابيين محرمة؟
قد لا يكون للإرهابي دين أو مذهب أو انتماء حقيقي ـ وهو كذلك ـ فالكثير ممن القي القبض عليهم هم ممن لا يفقه أبجديات الدين والمذهب والسياسة، فقد يكون الإرهابي قد سمع بالمذهب الوهابي أو (أبو حنيفة) ولكنه لا يعرف أن (الجهاد) مقيد بفتاوى المجتهدين في مذهبه، أو أن الجولان أرض سورية محتلة! فقد تفاجئ الإرهابي محمد التونسي عندما سأله المحقق: "لماذا لم تذهب إلى الجولان أوليس الجولان أرضا محتلة؟ فقال: وأين هي الجولان"!
رغم أن الإرهابي في العراق لا يحمل ثقافة دينية أو مذهبية أو سياسية لكي يقال عنه إنه من الدين الفلاني أو المذهب الفلاني أو الحزب الفلاني، إلا أن دوافع أكثرية الإرهابيين الذين قبض عليهم كانت دوافع دينية ومذهبية محضة، فلم يكن الإرهابيون صابئة أو يهودا أو مسيحيين، إنما كانوا مسلمين متطرفين، متشددين ومكفرين ينتمون للمذاهب العامة، وأكثرهم من المذهب الوهابي.
وبالتالي للحركة الإرهابية في العراق بُعدان: الأول بُعد عقائدي، ففي عقيدة هؤلاء الإرهابيين أن الشيعة ليسوا مسلمين، لكي تنطبق عليهم نصوص حرمة دم ومال المسلم، وحيث أن الشيعي ليس مسلما فهو إما مشرك أو كافر، ولا ثالث لهما وفي كلا الحالتين يستحق الشيعي هدر دمه!، وهذا هو المعنى الواضح للفلسفة التكفيرية المتبناة من طرف بعض المسلمين المعتقدين بصحة عقائدهم وأعمالهم من جهة، وبخطأ اعتقادات الآخرين من جهة ثانية.
ولا شك أن المنطلقات المذهبية المتعصبة لبعض أتباع المذاهب الإسلامية الأصولية هي بمثابة القنبلة الموقوتة في الوسط الديني التي إذا قدر لها أن تنفجر فإنها ستبدأ بأصحابها ولا تنتهي إلا بالمزيد من الدماء والأرواح المحرم قتلها.
والبعد الثاني بُعد سياسي، فحتى هذه الساعة لا يريد قادة الإرهاب الأصولي ومن طابقهم الرأي والموقف، أن يتصوروا ـ مجرد تصور ـ أن الشيعة وهم الغالبية السكانية في العراق سيحكمون العراق الجديد مثل غيرهم من مكونات المجتمع العراقي في نظام سياسي يكفل للأكثرية حقوقها والأقلية احترامها.
إن النظرة السلبية والتكفيرية لبعض المذاهب الإسلامية وما ترتب عليها من أعمال إرهابية منظمة طالت الألوف من الأبرياء بلا ذنب هي بحاجة إلى مراجعة شاملة من قبل جميع المسلمين، لان من شأن هذه الأعمال الإرهابية أن تسيء للإسلام والمسلمين أكثر بكثير مما تحصل عليه من مكاسب آنية.
من هنا لابد من تدارك القضية واحتواءها وذلك بالخطوات التالية:
ـ تأكيد البُعد الإنساني للشريعة الإسلامية في نظرتها للإنسان كانسان، انطلاقا من مفهوم (وكرمنا بني آدم) أو (أن أكرمكم عند الله اتقاكم).
ـ توضيح بعض المفاهيم الإسلامية التي هي مورد الالتباس والخلط، مثل مفهوم المقاومة والجهاد والتكليف والتدين والنفس والمصالحة وغيرها، ويتم ذلك عن طريق تشجيع بحث هذه المفردات وأمثالها وعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات التي تعطي المداليل الشرعية الصحيحة لكل مفردة من هذه المفردات.
ـ تكثيف الحملة الإعلامية لأهل الحل والعقد والفتوى ممن له تأثير في مجتمعه ومذهبه، وذلك من خلال إعداد الكراسات والكتب والبرامج التوضيحية للمسائل الدينية.
ـ تطوير الدراسات الإسلامية بما يتلاءم وروح العصر والتطور والمعايشة السلمية للمجتمعات الإنسانية.
ـ فتح باب الاجتهاد أمام علماء المذاهب الإسلامية، لكي يتمكن العلماء من استنباط الإحكام الإسلامية استنباطا يتلاءم مع مستوى تفكير الإنسان المعاصر. فرجوع المسلم لفتاوى المتقدمين من غير ملاحظة الفوارق وظروف الزمان والمكان، يؤدي في كثير من الأحيان إلى الفهم الجامد للنص والحديث وبالتالي الجنوح نحو الإرهاب والفعل العنيف.
ـ دراسة المذهب الشيعي من خلال مصادره ومنابعه ليتعرف المسلمون الآخرون على طبيعة المذهب الجعفري.
ـ تفعيل نهج اللاعنف في مقابل نهج العنف السائد في الأوساط الإسلامية، لان السلام هو الأصل، والحرب والعدوان استثناء له شروطه ومقدماته.
ـ تشديد العقوبة على الإرهابيين وقطاع الطرق للحد من سلوكهم الإجرامي المتزايد.
ـ وأخيرا اعتبار ضحايا الإرهاب في العراق شهداء، وتعويض المتضررين وعوائلهم.