قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
الشمشاطي...
العالم، الأديب، الشاعر
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة منذر الخفاجي
من الإجحاف بحق أن يغفل المؤرخون عن ذكر سيرة هذا العالم في تاريخ الأدب العربي والذي يعد من أبرز علماء وأدباء القرن الرابع الهجري وواحداً من أعمدة التأليف والثقافة في ذلك ا لقرن حيث بلغ نمو الثقافة والأدب أوجه ووصل الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص الى ذروته فكان الشمشاطي يتبوّأ فيه مكانة علمية وأدبية كبيرة أفصحت عنها مؤلفاته التي دلت على ثقافة عالية وسعة دراية قل نظيرها بالشعر ونقده ولو امتدت اليه يد البحث والتحقيق ونفضت عن مؤلفاته الدراسات الأدبية غبار الزمن وركام النسيان والإهمال في الوقت الذي امتدت الأيدي الى من هو أقل منه شأناً وأدنى مرتبة ولو أتيح لمؤلفاته أن تظهر الى عالم الوجود لأصبحنا نسمع بالشمشاطي كما نسمع بالمبرد والقالي والجاحظ والتوحيدي.
لم ترد في الكتب التي ذكرت ترجمة الشمشاطي سنة ولادته وليس هذا بغريب كما جرت عادة أغلب المؤرخين ولكن الغريب أنها لم تجزم بسنة وفاته أيضاً!! وإن كانت قد اجتمعت على أنها كانت بعد عام 377هـ/ 987م كما لم تكن ترجمته سوى أسطر لا تتجاوز أصابع اليد جاءت في معجم الأدباء ج14 ص240 ومعجم البلدان ج3 ص320 لياقوت الحموي والفهرست لابن النديم ص220 والوافي بالوفيات للصفدي ج12 ص194 وهدية العارفين للبغدادي ج1 ص682 ومعجم المؤلفين لرضا كحالة ج7 ص203 والرجال للنجاشي ص200 وتأسيس الشيعة لعلوم الاسلام لحسن الصدر من بني عدي من تغلب عالم بالأدب ومن العلماء وقد زاد الثعالبي في اليتيمة ج1 ص109 أن له ابناً حذا حذو أبيه في الشعر والتأليف هو (أبو الفتح الحسن بن علي بن محمد الشمشاطي) ولكن حظ الابن لم يكن بأوفر من حظ الأب من الاهتمام من قبل الدارسين و الباحثين ونرجو أن تكون هذه المواضيع متواضعة إيذاناً بدراسات موسعة من قبل الكتاب والباحثين الكبار للإلمام بهذه الشخصيات الأدبية والعلمية الكبيرة.
واختلفت المصادر أيضاً في موطنه فذكر ياقوت أن أصله من شمشاط وهي مدينة بالروم على شاطئ الفرات وقال صاحب هدية العارفين أن شمشاط مدينة على شط الفرات قرب بغداد وعلى هذه النسبة سارت المصادر الأخرى وقد انفرد ابن النديم بنسبته الى سيمساط وقال: (أصله من سيمساط من بلاد أرمينية من الثغور) وسيمساط هذه على ما يذكر ياقوت في معجم البلدان مدينة على شاطئ الفرات من طرف بلاد الروم على غربي الفرات ولها قلعة.. الخ، وهي غير شمشاط وكلاهما على الفرات إلا أن الأولى من أعمال الشام والثانية في طرف أرمينية وقد اعتمد بروكلمان في تاريخ الأدب العربي ج3 ص141 على كلتا الروايتين فجعله الشمشاطي والسيمساطي إلا أن كوركيس عواد عندا أشار الى هذا الاختلاف أيد نسبته الى شمشاط فقال في مقدمة الديارات ص26: (ومن الثابت أنه منسوب الى شمشاط لكثرة ما ورد من الروايات في المصادر المختلفة من جهة ولأن ياقوت عندما تحدث عن هذه المدينة قال: ونسب إليها قوم من أهل العلم منهم أبو الحسن على بن محمد الشمشاطي) ومما يعزز رأي الاستاذ كوركيس عواد قول سيف الدولة الحمداني في الشمشاطي:
حتى إذا ركضتْ على أعقابها دُلُفُ النبيط إليَّ من شمشاطِ
صدق المعلّم أنهم من أسرةٍ نُجُبٌ يسوسهمُ بنو سنباطِ
والمعلم هو الشمشاطي حيث كان يشغل منصب معلم لناصر الدولة الحمداني وأخيه وذكر الزركلي أنه كان معلماً لأبني ناصر الدولة بن حمدان وهو الصحيح لأنه يتوافق مع سنة وفاته ويدلنا هذا المنصب على مكانته العلمية والأدبية البارزة التي كان يتمتع بها الشمشاطي ورغم قلة المعلومات عن هذا الأديب الكبير إلا أن القارئ يستطيع أن يتلمس أصول ثقافته العالية ومدى علمه من خلال كتبه وخاصة كتابه القيم (الأنوار ومحاسن الأشعار) الذي ضم مئات الأبيات في العديد من الأغراض إضافة الى ذكره لأيام العرب والإلمام بتفاصيلها بدقة متناهية ومما يدل على شاعريته أن ابن الشجري أورد له في حماسته من ضمن ما اختاره من شعر العرب أبياتاً ذكرها في 238 يقول فيها الشمشاطي:
جاءتكَ أبكارُ القريض يقودها من جود كفّك قائدٌ ودليلُ
نجديةٌ ألفاظُها عدويّةُ أنسابُها بل فخرها موصولُ
قد قيّدت بعلاكَ وهي سوائرٌ ولها عليك إذا ظَعَنَّ حلولُ
وذكر له ياقوت قصيدة منها:
يا فتح كم قد مضى من الليل قل وتجنّب مقال ذي الميلِ
فعارضُ النوم مسبلٌ خُمرُاً وعارض المزن مسبلُ الذيلِ
والليل في البدر كالنهار إذا أضحى وهذا السحاب كالليلِ
وإضافة الى الكتاب الذي ذكرناه فهناك قائمة واسعة من المؤلفات في شتى فنون العلم فقد كتب في الأدب والتاريخ ومعاني القرآن واللغة والنحو والفقه منها: المجزي في النحو، غريب القرآن، المثلث في اللغة على حروف المعجم، مختصر فقه أهل البيت (ع)، النزه والابتهاج وهو مجموع كالأمالي، الأديرة والأعمار في البلدان والأقطار،÷ شرح الحماسة الطائية، المقصور والممدود، الواضح، الموثق، المذكر والمؤنث، تنقيح كتاب العين للفراهيدي، أخبار أبي تمام، شرح ديوان ديك الجن، ديوان شعر، وله رسائل الى سيف الدول الحمداني عدها الفياضي فكانت أكثر من عشرين رسالة إضافة الى كتب وتصانيف ورسائل أخرى في فنون شتى وقد أجمعت المصادر على أن للشمشاطي ديواناً كبيراً خاض فيه جميع أغراض الشعر ويتضح من خلال مقطوعاته التي توزعت في ثنايا المصادر التاريخية بأنه كان شاعراً مطبوعاً جزل الألفاظ حسن التصرف بها ملماً بأمور الشعر العربي ورغم أن أصول الموازنة ترجع الى النقاد إلا أننا نستطيع القول أنه كان من كبار الشعراء ولا يقل شأناً عن البحتري وأبي فراس وغيرهما إذا لم يفقهما في بعض الأغراض والذي دعانا الى هذا القول أن النقاد يؤثرون الشعر المطبوع الذي يفصح عن نفسه على الشعر المصنوع الذي تدعو له المناسبات الخاصة والذي يأتي تكلفاً فمن قوله:
نزلنا بأكنافِ الفرات فهيّجت نواعيره أحزاننا حين حنَّتِ
تحنّ وتسقي الروض ريّاً ولم تذق هواي الذي منه دموعي استهلّتِ
ولم تعرف الشوق الذي في جوانحي ولا حرقاً بين الضلوع أستكنتِ
ولو علمت ما قد لقيت وملكت لساناً لباحت بالهوى وتشكّتِ
ومن شعره أيضاً:
ليس للغربان أن صاحت بربع الدار ذنبُ
ولقد سُبّت جمالٌ ظلمت حين تُسَبُّ
إذ نأى في السفن أحباب فالتاع المُحبُّ
هي غربانُ فراقٍ إذ بها شتِّت شعبُ