قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و البناء الاجتماعي
*كريم الموسوي
المعروف هو كل قول وفعل يستحسنه الشرع والعقل، ويعده ضمن قائمه الواجب أو المستحب. بينما المنكر هو كل قول وفعل يستقبحه الشرع والعقل، ويعده ضمن قائمة الحرام أو المكروه.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض الشرعية والفضائل الأخلاقية التي يشير التزام الإنسان بها إلى وعيه الديني وتحمله مسؤوليته الشرعية والعقلية والاجتماعية.. كما يكشف تفشي تفعيلها على الصعيد العام عن وجود مجتمع حيّ هادف متكاتف.
ولعل من مميزات اللسان الفذة، أن صاحبه يسعى إلى تفعيل هذه الفريضة الفاضلة، لصناعة مجتمع نزيه، للحيلولة دون تفشي الرذائل وسيطرة المفسدين على مقدراته ومجريات أموره.
وهذه الفريضة الفضيلة عبارة عن مشروع عمل اختطّه الله سبحانه وتعالى للمسلمين ليضمنوا سلامة حياتهم وتقدمهم على سائر الأمم والشعوب باعتبارهم أمة تطمح إلى تحكيم الشرع والعقل وكل ما من شأنه الانضواء تحت مسميات العدل والخير.
وقد روي أن رجلاً جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسأله عن أفضل الأعمال، فقال له النبي: (الإيمان بالله) فقال الرجل: ثم ماذا؟ فقال صلى الله عليه وآله: (صلة الأرحام) فسأله قائلاً: ثم ماذا؟ فأجابه النبي: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). ولأهمية هذه الفريضة الفضيلة، قال أميرالمؤمنين عليه السلام: (قوام الشريعة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود) .
وحول الجزاء المتعلق بإحياء هذه الفريضة الربانية، وشرحاً لقوله سبحانه وتعالى: "فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ" (الأعراف /165)، وأشار الإمام محمد الباقر عليه السلام إلى أن هؤلاء كانوا ثلاث فرق. ففرقة أقرت بالأمر بالمعروف وعملت به، فأنجاها الله. وفرقة أقرت به ولكنها لم تعمل به، فمسخت. وفرقة لم تقرّ ولم تعمل به فأهلكت.
والفرد المؤمن يفهم من عموم النص القرآني وأحاديث أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين أن تفعيل هذه الفريضة الشرعية والفضيلة الأخلاقية تعني إرادة نشر الخير والعدل، وعكسها إصراراً على تكريس الشر والظلم. ومن الواضح أن في الخير والعدل حياة وسعادة في الدنيا والآخرة، في حين أن الشر والظلم لاينتج عنها سوى التشرذم والأنانية والدمار والموت. وقد قال الإمام محمد الباقر عليه السلام: (أوحى الله إلى شعيب النبي أني مهلك مئة ألف من قومك، أربعون ألفاً من المسيئين وستون ألفاً من الصالحين فقال شعيب: المسيئون مذنبون، فمال بال الصالحين؟ فقال الله: إنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر).
مساحات الأمر والنهي
وضعت النصوص الدينية المقدسة شروطاً معينة، ورسمت مساحات محددة لأداء وممارسة هذا الواجب الإنساني ليتسنى النجاح وتتحقق الفائدة المرجوّة منه. مثال ذلك، أن على الآمر بالمعروف أو الناهي عن المنكر أن تكون له القدرة والوعي الكافيين بالمعروف والمنكر، ليكون الأمر والنهي عملاً متقناً ولايستوجب عواقب سلبية غير محمودة. وأن يتقن الآمر والناهي أسلوب الأمر وطريقة النهي، إذ أسلوب النصح له أكبر الدور والأثر في إيصال المعنى والتأثّر لدى المستمع. وأن يضمن الناصح الناهي عدم وقوع الضرر المعتد به على نفسه في بعض الحالات، أو على غيره..
والأمر المهم جداً في هذا الإطار، أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عاملاً بما يأمر وممتنعاً عما ينهي عنه، حتى أن القرآن المجيد عاب على أناس وكره لهم كراهة شديدة أن يأمروا بالبر أو ينهوا عن الشر (وينسون انفسهم). واضافة الى قضية اتقان أسلوب النصيحة، على من يأمر وينهي أن يتحلى بمزيد من النضج والموضوعية في توجيه نصيحته واختيار المكان والزمان والهيئة المناسبة والمطلوبة.
وهناك قضية مهمة جداً ينبغي التوجه والإشارة إليها، وهي متعلقة بالتزام الإنسان بالخير قبل أن ينصح به. و روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال: (لعن الله الآمرين بالمعروف؛ التاركين له، والناهين عن المنكر؛ العاملين به). وهذه اللعنة تعني الطرد من رحمة الله بينما الامتناع عن أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمثابة الكارثة الكبرى والطامة العظمى للفرد والمجتمع على حد سواء.
أما الالتزام بها، فهو بحاجة إلى مزيد من الهمة والشعور بالمسؤولية، بعيداً عن المصالح الشخصية، وخروجاً على مشاعر الخوف والجبن. ولايكون الفرد صالحاً، ولاتكون الأمة صالحة جديرة بالحياة مالم تؤدّ هذه الفريضة المقدسة.
ولعل أول مقدمات الالتزام بها. العمل على تعطيل مجالس المنكر وعدم الاشتراك في إقامتها.. إضافة إلى تحمل مشاق الصبر في أدائها، ثم إلى وعي كافٍ بحقيقة أن الأمر بالمعروف عملية بناء اجتماعي صالح، فيما النهي عن المنكر، مشروع هدمٍ لمظاهر الفساد الذي من الممكن أن ينخر الهيكلية الإجتماعية لكل شعب وأمة. وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لايقطعان رزقاً،ولا يقربان أجلاً) بينما أضاف أميرالمؤمنين عليه السلام بقوله الكريم: (ولكنهما يضاعفان الثواب ويجلبان الأجر العظيم، وأفضل منهما: كلمة حق عند سلطان جائر).
بين الهدم والبناء
ومن هنا؛ فإننا نكون على يقين، بأن مستوى الفوضى والإضطراب الإجتماعي منوط بصورة مباشرة بطبيعة ومستوى إهمال أداء هذه الفريضة العظيمة من قبل الشريحة الإجتماعية المثقفة على الأقل.
فلا ينبغي أن يتملكنا العجب إذا ما اطلعنا على الاضطراب السائد في الالتزامات الدينية في بلادن الاسلامية ومنها العراق وإلى المظاهر والممارسات الجاهلية التي تضرب بقواعد هيكله الإجتماعي.. وذلك بعد يقيننا بحقيقة الصلة بين الدمار الحاصل وبين ترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل على إصلاح القناعات الدينية والممارسات اليومية في ادمغة وقلوب وقابليات الأفراد والشرائح الاجتماعية.
ومن الأمر بالمعروف الذي ينظوي ضمن اطر البناء، والنهي عن المنكر الذي يأخذ جانب الهدم للسلبيات، ما يختص بالفرد لذاته حيث يأمر أو ينهي نفسه. ومنه ما يختص بالأسرة حيث يأمر أو ينهي بعض أفرادها البعض الآخر، حتى تتوسع دائرة تفعيل هذه الفريضة والسنة الحسنة حتى تشمل دوائر وأطر اجتماعية أخرى.
ومن مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المرحلة الفكرية بمعنى تحديد المعروف والمنكر، ثم المرحلة القلبية الذي يعني الرضا بالمعروف واستنكار المنكر وعدم الرضا به، ثم اظهار هذا الاستنكار على ملامح الوجه وسلوك الجوارح.
ثم هناك الامر والانكار بواسطة اللسان. وبواسطة اليد عبر الكتابة مثلاً، أو عبر استخدام مدارج ومراتب القوة طبقاً لما هو متاح حتى يبلغ الأمر إلى استخدام السلاح ضمن ضوابط يحددها العلماء وذو الشأن والمتصدون لعملية الاصلاح الاجتماعي. لئلا يكون تفعيل هذه المهمة مشوبة بالفوضى والاضطراب، ومن ثم تنتهك الحرمات وتلتبس الأمور تحت مسميات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالتالي يحصل التشوه لأداء هذه الفريضة المقدسة..
والمهم في الأمر هو الحرص والاصرار على إحياء هذه الشعيرة الدينية العظيمة وفق الموازين والقواعد التي حدّدها الدين قبل كل شيء، وعدم السماح لأعداء الدين والراغبين في إعادة الجاهلية إلى المجتمع المسلم بأخذ زمام المبادرة لتقويض وتشويه صورة هذا المجتمع.