قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

سمات الفلسفة القرآنية
*كريم الموسوي
ذكرنا فيما مضى على هذه الصفحة أن للقرآن الكريم فلسفة خاصة به تشمل كل ابعاد الانسان والمجتمع، فهنالك فلسفة للتاريخ وفلسفة للمجتمع. وبعد التعرّف على الصورة الداخلية المفصلة للفلسفة القرآنية، من الجدير بنا التعرّف على الصورة الخارجية لهذه الفلسفة.
هنالك سمات عديدة لهذه الصورة ، إلا ان ابرز ما فيها ثلاث: الواقعية، والشمولية، والعقلانية.
الواقعية:
إن الفلسفة القرآنية الواقعية تؤمن بكل ما هنالك من حقائق:
1- تؤمن بالله الحق، وتؤمن باسمائه، وتؤمن بالكائنات على انها حقائق مشهودة.
2- تؤمن بفوارق الحقائق عن بعضها، لذلك تؤمن بالانسان كانسان وبالحي كحي والنبات كنبات والجماد كجماد، بل تؤمن بان كل فرد هو فرد له ماهية خاصة به.
3- في الانسان - كما يؤمن القرآن- جوانب سلبية واخرى ايجابية، وينبغي ان تكون خطط الحياة منطلقة من التصديق بالجوانب السلبية، حتى يمكن علاجها بلا تورط في سلسلة من المثل الطوبائية.
ومن الفلسفات ما تنكر الله؛ فهي لا تؤمن بالواقع ككل فلا تتسم الا ببعض الواقعية، تماماً كالفلسفات التي تنكر الكائنات، او تزعم انها هي الله سبحانه، فهي ايضاً تكفر بالواقع كله. ومن الفلسفات ايضاً ما تؤمن فقط بجوهر الاشياء، وتزعم ان مظاهرها باطلة فلذلك لا تؤمن بواقعية كل شيء بقدر ما تؤمن بانها ظلال للحقيقة الكبرى، وهي نظرية (افلاطون).
الشمولية:
إن الإنسان ينظر من زاوية معينة، بينما تتسم نظرة القرآن بالشمول، فهو حين يأمر بشيء لا يفرط في تقديره لهذا الشيء او تجاهله الاشياء الاخرى التي ينبغي ايضاً العمل بها. وفي حقل الفلسفة؛ يهدي القرآن الى كل الحقائق، دون ان يفرط في دور إحداها على حساب الاخرى، فالدنيا حق والآخرة حق والنار حق والجنة حق والشهوات حق والعقل حق والفرد حق والجماعة حق. وفي حقل المنطق (ميزان التفكير - ومنهج المعرفة) وحول العوامل التي رأت كل فلسفة ان كل واحد منها مثلاً تمنع المعرفة ، قال القرآن ان جميعها مؤثرة في حجب الحقيقة عن الإنسان.
فبينما قال اتباع المدرسة السلوكية بتأثير الفعل المنعكس، واتباع المدرسة التكوينية بتأثير مكونات الشعور، والمدرسة الوظيفية بتأثير قانون التكيف مع البيئة، والمدرسة الترابطية بتأثير قانون التداعي، والمدرسة الفرضية بتأثير الغرائز المختلفة في نفسية الانسان، وبالتالي في منهجية تفكيره. وبينما اكتفت كل مدرسة من هذه المدارس بناحية خاصة وقالت انها مانعة الفرد عن الحقيقة. فان المدرسة القرآنية آمنت بالحقيقة كلها، وذهبت الى ان لكل واحد من العوامل السابقة بعض التأثير في النفس ويشاطرها العقل في البعض الآخر.
العقلانية:
حسب المدرسة القرآنية، خلقت الكائنات لهدف معين، وان وراءها تدبير معلوم، والإنسان بين المخلوقات اكثرها التصاقاً باهدافه الكبرى. ولذلك؛ فالعقلانية طابع بارز في الفلسفة القرآنية، فلا ندخل الجو القرآني حتى نلاحظ كل شيء منظماً موزوناً ، قد خلق ليؤدي دوراً مقصوداً، ولا نخرج من هذا الجو المليء بالنظام والتعقل حتى نجد انفسنا في متاهة الفلسفات المادية تتراكم فيها الاحجار بفوضى، وينبت الزرع ليضر، وتهب الرياح لتؤذي الناس. والعقلانية منطلق الفكر الإسلامي في تقييم الإنسان وتنظيمه ودفعه باتجاه رسالته في الحياة. وإذن، فإن هدفية الحياة تسبب الإيمان باليوم الآخر وبالرسالات، ولا يمكن الإيمان بالهدفية هذه دون عقلانية الكائنات.
من هنا؛ لا يمكننا فصل أي شيء في القرآن عن غايته، ولا يمكننا تصور أي عمل دون تصور عاقبته التي تعكسه، ان خيراً فخير وان شراً فشر.