قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
الدعاء والتقرب الى الله
دعاء أصحاب الكهف
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / عقيل عبد الصاحب
عندما لجأ الفتية الذين آمنوا بربهم وأعلنوا موالاتهم لنبوة عيسى بن مريم عليه السلام، الى ذلك الكهف، رفعوا أيديهم الى الدعاء وفي حالة حرجة وحساسة للغاية، فقد كانوا مطاردين ومحكوم عليهم بالاعدام، تقول الآية الكريمة على لسان أولئك الفتية: "إذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً" (الكهف /10).
معروف عن قصة أصحاب الكهف ان الغيب كان الدور الأساس في نجاتهم من أيدي الطاغية آنذاك، لكن بصائر القرآن الكريم تؤكد لنا ان دور الغيب لم يكن بعيداً عن السنن والمعادلات الالهية الثابتة في الحياة، وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة في مسيرة الرسالات الالهية، "ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم"، وهؤلاء الفتية المؤمنين الذين لم يتحدد حتى الان عددهم وبقي علمهم عند الله تعالى، كانوا يعيشون في فترة ما بعد ظهور نبي الله عيسى بن مريم، لكن في مملكة يحكمها طاغية وثني يحارب بشدة وقسوة أي دعوة للوحدانية، وكان هؤلاء يعملون في البلاد الحاكم، فعندما تحرروا من ضغوط النفس ومتطلباتها بالحفاظ على الجاه والسلطة والامتيازات، واعلنوا وحدانيتهم وكفرهم بالجبت والطاغوت، جائهم نصر الله تعالى بالنجاة، ثم تحولوا الى آية من آيات الله، ودرس بليغ في مواجهة الطغيان والانحراف. من هنا جاءت الآية الكريمة تخاطبنا: "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً" (الكهف /9)، بمعنى لا عجب من أمر الله تعالى مع من ينصرونه ويتحدون الضغوط ومختلف الممارسات القمعية.
وفي تفسيره (من هدى القرآن) يقول سماحة المرجع المدرسي (حفظه الله): بان ما يثير العجب في قصة اصحاب الكهف، اتخاذ هؤلاء الفتية ذلك الموقف التاريخي والكبير من دون وجود رسالة ولا رسول، يتابع سماحته قائلاً: من المعروف ان الله يبعث رسولا الى قوم يعظهم فيؤمن به جماعة ويكفر آخرون، ولكن ان ينبعث ضمير نقي في مجموعة فتية يعيشون تحت ركام الخرافات والجهل، وفي ظل ظروف حرجة، لهي قضية غريبة وتثير العجب، ولكن لدى التأمل الدقيق يتبين ان فطرة الانسان مهيأة لتمييز الانحراف من الاستقامة، وان قدرة الله ونصرته تعين الانسان الذي يستجيب لنداء فطرته.
ويبدو ان هذا هو السبب الذي جعل الفتية يدعون الله تعالى بما تذتكره الآية المباركة: "إذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً"، فقد وجدوا انفسهم وحيدين بعد ان لجأوا الى الكهف وانقطعوا عن الناس والمجتمع. يقول سماحة المرجع المدرسي عن هذه الآية: انهم طلبوا أمرين من الله تعالى:
الأول: الرحمة، أي الخير والتقدم وكل ما في الحياة من اسباب السعادة والفلاح.
الثاني: ان يهديهم الى الطريق السويّ، صحيح ان فطرتهم اوضحت لهم ان طريق قومهم خاطئ – يضيف سماحته- ولكنهم لم يكونوا يعرفون الطريق البديل، وما يجب ان يفعلوه.
هنا جاءت الاستجابة الالهية في قضية سبات هؤلاء الفتية طوال تلك الفترة، تقول الاية الكريمة: "فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً" (الكهف /11)، فمن خلال معجزة خالدة، أظهر الله تعالى أمر هؤلاء الفتية المؤمنين للناس وفي موقع القوة، إذ كان حكم الطغيان والكفر قد ولّى واندثر.