قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

فتح مكة .. النصر الأعظم
*سعد مغيمش الشمّري
كان فتح مكة المكرمة في العاشر من شهر رمضان السنة الثامنة للهجرة، يوماً عظيماً في تاريخ الاسلام، ففي هذا اليوم كتب الرسول الأكرم بأحرف من نور أهم قواعد الحضارة الاسلامية، لذا لا يطلق عليها المؤرخون والعلماء بانها كانت غزوة، بل فتح مبين، فقد طغى الجانب الاجتماعي والانساني على الجانب السياسي والعسكري، ولو ان هذا الفتح ركّز دعائم الدولة الاسلامية أكثر وطمأن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) على مصير الرسالة والمسلمين.
كانت البداية والشرارة من نفس مشركي قريش وأعداء الدين كما كانت في السابق – وما يزالون- حيث لم يكن من شيمة النبي الأكرم الإغارة أو الحرب إلا على أناس يصدر منهم الشر والعدوان، فبعد صلح الحديبية انشغل المسلمون بنشر الدعوة وعرض تعاليم الإسلام على كل ذي عقل، وكان وفاؤهم للمعاهدة التي أمضاها النبي مع قريش أمراً مشهوداً في التاريخ. بيد إن مشركي قريش ظلوا على تعنتهم وجاهليتهم القديمة في التعامل مع الآخرين بشكل غير حكيم الامر الذي جرهم من أنفهم الى تنازلهم واستسلامهم للإسلام. وقد جرتهم الغطرسة والغرور إلى حماقة كبيرة أصبح بعدها عهد الحديبية لا قيمة له، وذلك عندما هاجموا خزاعة المنضوية في حلف مع المسلمين ، بمساعدة من بني بكر- وكان على خلاف مع خزاعة- فقاتلوهم فأصابوا منهم رجالاًً، وانحازت خزاعة إلى الحرم المكي إذ لم تكن متأهبة لحرب، فتبعهم بنو بكر يقتلونهم، وقريش تمدهم على البغي.
مقدمات الفتح المبين
لما صالح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قريشاً في منطقة الحديبية في السنة السادسة للهجرة، دخلت خزاعه في حلف النبي الأكرم وعهده ودخلت كنانه في حلف قريش وكانت تلك القبيلتين في حروب وثارات قديمه فارادت قبائل كنانه ان يصيبوا خزاعه الثار القديم. فأنحازوا عليها ليلاً فقتلوا واصابوا منهم. فاسرع عمرو بن سالم الخزاعي الى المدينه واخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بغدر قريش وحلفائها.
ارادت قريش تفادي الموضوع فارسلت ابو سفيان الى المدينة لتجديد الصلح مع المسلمين ولكن دون جدوى حيث امر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بالتهيؤ والاستعداد واعلمهم انه سائر الى مكه. كما أمر بكتم الامر عن قريش من اجل مباغتتها في عقر دارها.
أهمية مكة
تعتبر مكه عند المسلمين بيت الله. وهي حرام منذ خلق السموات والارض ولكن احلها الله الى الرسول يوم الفتح قال الرسول عن مكه (والله إنك لخير ارض الله. واحب ارض الله الى الله ولولا اخرجت منك لما خَرجتُ) كما ان الصلاه في المسجد الحرام يضاعف اجرها اضعافاً كثيره حسب الاسلام. صلاه في مسجدي هذا افضل من الف صلاه فيما سواه الا المسجد الحرام. وصلاة في المسجد الحرام افضل من مائة الف صلاة.
وبعد ان قام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بتجهيز جيشه للخروج الى مكه حضرت جموع كثيرة من القبائل من بني سليم والانصار والمهاجرين وبني غفار وغيرهم. أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان ينادي بالصلاة جماعة. فأجتمع الناس حتى امتلأ بهم المسجد ثم صعد المنبر ثم دعى قائلاً: (اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها).
وعندما سمع ابي حاطب بن ابي بلتعه قام بكتابة كتاب بعث به الى قريش مع إمرأه يخبرهم بما عزم عليه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وامرها ان تخفي الرساله في شعرها في الضفائر حتى لايراها احد. واذا بالوحي ينزل على الرسول ويعلمه بذلك. فبعث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن ابي طالب والزبير بن العوام ليلحقا بالمرأه وتم القبض عليها وعثروا على الرسالة في ضفائر شعرها.
فبعث الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) الى حاطباً مؤنباً على فعلته، فاعتذر معللاً فعلته باني فعلت ذلك ليس ارتداداً عن ديني ولكني خفت من فشلك في مكه! فأراد عمر بن الخطاب ان يضرب حاطباً فقال له الرسول: انه شهد بدراً ، لذا عفا الرسول عنه.
مغادرة الجيش المدينة
وفي رمضان في السنه الثامنه للهجره خرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم العاشر من رمضان يقود عشرة الاف من المسلمين. بعد استخلف محله ابو ذر الغفاري وعندما وصلوا الى وادي قريب من مكه يدعى (مر الظهران) اشعلوا ناراً فأضاء الوادي.
هنا عمّت الاخبار قريش، لكنهم يجهلون ما ينويه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). فخرج في تلك الليله ابو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورفاد يتجسسون الاخبار فوجدوا المسلمين في الوادي، وجاء في المصادر التاريخية إن العباس بن عبد المطلب عم النبي أجهز على ابو سفيان بطريق الصدفة و أسره وأتى به الى النبي الأكرم، وبعد أن شاهد حشود المسلمين المتحفزين لفتح مكة، كما أبلغه النبي الأكرم الأمان هو ومن دخل داره في مكة، رجع ابو سفيان مسرعاً الى مكه ونادى بأعلى صوته: (يامعشر قريش هذا محمد قد جائكم فيما لاقبل لكم به. فمن دخل داري فهو آمن. ومن اغلق عليه بابه فهو آمن. ومن دخل المسجد فهو آمن. وفرع الناس الى داره والى المسجد). فقامت اليه زوجته هند بنت عتبه ام معاويه فأخذت بلحيته ونادت يا آل غالب اقتلوا هذا الشيخ الاحمق هلا قاتلتم ودافعتهم عن انفسكم وبلادكم. فقال لها ويحك اسمعي وادخلي بيتك، ثم قال لاتغرنكم هذه من انفسكم فقد جائكم مالا قبل لكم به.
دخول مكة وتطهير البيت من الاصنام
دخل المسلمون مكة صباح يوم الجمعه الموافق العاشر من شهر رمضان رمضان في السنه الثامنة للهجرة. وقد نزلت آنئذ (سورة الفتح) حيث قال تعالى في مطلع السورة: "انا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويُتمّ نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما".
دخل الجيش الاسلامي كل حسب موضعه ومهامه وانهزم من اراد المقاومة من قريش ثم دخل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) المسجد الحرام فأقبل الى الحجر الاسود فأستلمه. هنا خاف الانصار من الفتح من اقامة الرسول بمكة فقال لهم: (معاذ الله المحيا محياكم. والممات مماتكم).
وبعد الطوف بالكعبة امر الرسول الأكرم بتحطيم الاصنام المصفوفه وكان عددها ثلاث مائه وستون صنماً مثبته بالرصاص. فأخذ يردد الآية القرآنية "جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا) (سورة الاسراء/ 8). ثم جلس في ناحية المسجد وارسل بلالاً الى عثمان بن طلحة ان يأتي بمفتاح الكعبه فجاء به ففتح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) باب الكعبع وصلى فيها ركعتين وخرج.
الخطبة الخالدة
خطب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال (لا اله الا الله وحده لاشريك له. صدق وعده. ونصر عبده. وهزم الاحزاب وحده. ألا فان كلّ مأثرة او دمٍ او مال يدعى به فهو تحت قدمي هاتين. إلا ان سدانة البيت سقاية الحاج فهما مردوتان الى اهليهما.
ثم قال يامعشر قريش ان الله اذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظيمها بالاباء الناس من ادم وادم خلق من تراب. ثم تلا الآية الكريمة: "يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم".
وبعد ان حان وقت صلاة الظهر أذّن بلال فوق ظهر الكعبة ونادى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدع في بيته صنماً الا كسره واتى الصفا يدعو الله تعالى ويذكره. ثم توجه الى رؤساء قريش الذين أوغلوا في إيذائه في المراحل الاولى من الدعوة الاسلامية، وخاطبهم: ما ظنكم أني صانعٌ بكم؟! قالوا أخ كريم وابن أخٍ كريم، فقال (صلى الله عليه وآله): (اذهبوا بانتم الطلقاء).
ثم بايع الناس الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاءه الناس الصغار والكبار والرجال والنساء فبايعوه على الايمان وشهادة أن لا اله الا الله وأنه رسول الله.