قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

السندباد (البحري) و (الجوّي)!
*محمد طاهر محمد
يعود السندباد البحري الى بغداد محملاً بهدايا ثمينة من مغامرات شيقة عاشها خلال رحلته في البلاد البعيدة، لكن السندباد يعود بملامحه وهيئته التي عرفها الناس عنه، يجلس بينهم ليقصّ عليهم مغامراته، ورغم انه كان يلتقي بالسلاطين والامراء ويتبوأ عندهم مكانة عالية لشجاعته وجرأته إلا انه كان يحمل في رأسه خريطة لكل مكان يذهب اليه لكي يحافظ بحكمته على مكانته في تلك البلاد فيحترم عاداتها وتقاليدها فيتعامل مع اهل تلك البلاد وفقها. انها ليست ازدواجية بقدر ماهي احترام للمشاعر والاحاسيس. لكن سندبادنا (الجوي)، واقصد به الشاعر المغترب الذي اصبح شاعراً مشهوراً بفضل البلاط (الانترنيتي) عندما يعود الى بغداد او الى كربلاء او الى باقي المحافظات الاخرى فانه يحاول ان يصنع مغامراته فيها إذ انه بالتأكيد لم يستطع ان يضيف شيئاً الى ثقافة البلد الذي استضافه فيحشي رأسه بمصطلحات يتصور انها مبهمة ومُبهرة ليفرغها في أذان مستمعيه في بلده فيطلقها بحركات ذات دلالة واضحة إذ أنه يحاول بكل جهد التنقيب عن شاعرية غير مشخّصة وضائعة قبل ضياع ذاته وانتمائه ساخراً من المفاهيم الدينية والاخلاقية. ولكي لا يتحامل علينا الشعراء المغتربون لابد ان ننوه الى اننا لانقصدهم جميعاً، انما انطبق هذا الامر على حالات فردية تتبعناها.
إن الغريب في الامر هو ذلك الاهتمام النقدي و الشعري الذي يحظى به شاعر مغترب كهذا، فعصاه السحرية التي جاء بها من الغرب تعزف اوركسترا لازمكانية مشحونة بأثارة الشاعر المغترب والقبض على أذهان مستمعيه بأنه كتب هذه القصيدة او (النص) كما يسميه في لندن او استوكهولم اوغيرها من العواصم العالمية وقرأه في اكبر جامعاتها واشاد به (كريكو) و(كَونكورا)!!!
وهو عندما يتفوه بهذه الاشياء، فأنه سيزخ تصورا في الكثير من الاذهان التي عانت لفترة طويلة من (باؤنا لا تجر)، بان صاحبنا الشاعر المغترب وصل الى اقصى حدود الحداثة وتربع على عرش الرومانتيكية في الشعر الحديث، ولا يكاد يفرغ من نصه حتى تنثال الشهادات النقدية و الثناءات من افواه الادباء بحقه، وهكذا تتصاعد وتيرة المديح لتغطي على الاذهان والرؤى وتوحد التباين في الاذواق خاصة ان القوالب الذهبية التي صيغت للشاعر المغترب جاءت من كبار النقاد والشعراء فيخرج من امسيته الذهبية متوجاً بعالم ثالث خارج حدود الوطن والمنفى. ذكرني هذا بصديق راحل كان يبيع الكتب سالته عن مجموعة شعرية لشاعر قدمها له شاعر آخر حاباه بها فنصحني قائلاً: (الافضل ان تقرأ المقدمة فقط).
نحن لانريد ان نغمط حق أي شاعر مغترب او غيره، إنما نريد ان نبين عدم التكافؤ بين ماقال ذلك الشاعر وما قيل عنه وعن المزاجية والانطباع العشوائي السريع في التقييم والنقد ومدى انعكاسه على العلاقات في الاوساط الادبية.