قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

المرأة والأدوار الإجتماعية من منظور قرآني .. الزهراء (عليها السلام) نموذجاً
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة أسماء بورشيد - سيهات
تيمناً بالذكرى العطرة لمولدها الشريف، عقدت الندوة القرآنية التاسعة لمنتدى القرآن الكريم في مدينة سيهات شرق السعودية، تحت عنوان (الآفاق الاجتماعية في حياة الزهراء عليها السلام من خلال رؤية قرآنية). وتم تسليط الضوء فيها على شخصية الزهراء البتول (عليها السلام) ضمن دراسة قدمها سماحة الشيخ عبد الله مويس (حفظه الله).
ابتدأت الندوة بآيات عطرة من سورة الإنسان، وقد تطرقت الآية " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر"، فعند البحث في جنبات التاريخ نجد أقرب نموذج أخلاقي الى القرآن الكريم هو رسول الله وأهل بيته (عليهم الصلاة والسلام)، فقد كانوا هم القرآن الكريم الذي يسير على الأرض، ومن هؤلاء الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
وقبل البدء بتقديم الدراسة قال سماحة الشيخ مويّس: لا يخفي على الباحثين حقيقة المعاناة وظلم المرأة قبل بزوغ فجر الإسلام حيث كانت المرأة تعاني آنذاك من أبشع صور الاضطهاد الذي محا كيانها وقد صور القرآن الكريم تلك الحالة في قوله تعالى : "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجه مسوداً وهو كظيم"، ومن أهم وأول الأعمال التي قام بها الاسلام هو نبذ وشجب ظاهرة (وأد البنات) وقتلهنّ. والهدف هو إلغاء قيمة التفاضل على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو غير ذلك، واستبدالها بالقيم التفاضل الإنسانية في أعلى درجاتها ليصبح التقوى هو المقياس والمعيار لا غير، "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
وعلى ذلك فان معيار شخصية المرأة ستكون وفق التقوى وليس الانفلات والتحلل، فالاسلام يهدف الى تكوين الشخصية الانسانية من الناحية المعنوية وليس فقط المادية الظاهرية، نظراً على ان الظاهر الى زوال، وما يبقى هو صفات الانسان وخصاله، إن كانت حميدة أو ذميمة، فالتربية الصالحة والأجواء الايمانية، هو الذي يضفي على المرأة والفتاة العفاف والحياء والمنعة، والعكس بالعكس.
قال الله تعالى "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين"، فالهدف السامي هو الحفاظ على عفة المرأة لكي تنطلق في المجتمع دون أن تتعرض إلى الأذى والسوء من قبل بعض ضعاف النفوس.
أدوار في ضوء القرآن الكريم
بعد هذه المقدمة بدأ سماحة الشيخ المويّس بالبحث والتطرق لأدوار اجتماعية أناطها القرآن الكريم بالمرأة وهي من خلال المقدمة قد يكون الخطاب لعموم الإنسان رجلاً كان أو امرأة، ومن خلال نظرتنا للقرآن الكريم نلاحظ جملة من القيم الرئيسة والأساسية يمكن للمرأة أن تقوم بها وتؤديها في المجتمع بأحسن وجه وبأعلى درجة من الكفاءة ليتحول دورها إلى دور هام ورئيس على صعيد الأسرة والمجتمع، ألا وهو التربية الصالحة، وتنشأة الأبناء على أسس ومبادئ الاخلاق ومقومات الفلاح ليمكن للأبناء حمل صفات قيادية في الأمة ولكي تغرس في أفئدتهم تلك المبادئ السماوية هي من أعظم الأدوار التي يمكن للمرأة أن تمارسها.
وأشار أيضاً أن القرآن الكريم عدّ هذا الدور دوراً أساساً، وذكره في أكثر من موطن إلى أهمية هذا الأمر وكيف أن امرأة عمران مُدحت في القرآن الكريم وأصبحت آية تتلى إلى يوم القيامة لأنها كانت تحمل تطلعاً لذلك الجنين الذي في أحشائها فقالت "ربِ أني نذرت لك ما في بطني محرراً"، ذلك التطلع الكبير الذي يحمل الهم التربوي، قبل الولادة وقبل أن يطأ الطفل الأرض، بأن يكون المولود خادماً في دار العبادة ويكون عمله خالصاً لوجه الله تعالى.
كذلك يطلب النبي زكريا من الله تعالى في الآية القرآنية ويقول: "هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء" (آل عمران /38) وبالفعل استجاب الله دعاءه و وهبه ذرية طيبة و رزقه بالنبي يحيى، هذا الهم والحرص يجب أن يزاحمه أي همّ آخر، نعم هنالك دعوات من البعض لخروج المرأة لساحة العمل وأن تمارس أدواراً وظيفية تناسبها ومن أجل أن تعين زوجها في أمر المعيشة وما إلى ذلك، وهو مطلب مشروع من حيث المبدأ، لكن على أرض الواقع يجب أن تتوفر الاجواء والظروف التي تحفظ للمرأة كرامتها وخصوصيتها، هذا من جانب، ومن جانب آخر عليها التفكير في أمر من ستتركهم في البيت من أطفال صغار وعلى من تعتمد في أمر تربيتهم وتنشأتهم؟
هنا نكون بأمس الحاجة الى سيرة الصديقة الطاهرة (صلوات الله عليها) في أمر التربية والتعليم، وكيف كانت تربي أبناءها وتغرس في نفوسهم منذ اللحظات الأولى قيم الاخلاق والانسانية وتقوية أواصر العلاقة بالله تعالى.
الزهراء نموذجاً
بدأ سماحة الشيخ المويّس باستعراض بعض النماذج اليسيرة حيث نرى بعمق التربية الدينية التي أولتها الصديقة الطاهرة إلى أبنائها، فالإمام المجتبى يخبرنا ويقول: (رأيت أمي فاطمة في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة و ساجدة حتى أتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين وتسميهم وتكثر الدعاء ولا تدعو لنفسها شيء، فقلت لها يا أماه لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ قالت: يا بني الجار ثم الدار) أنها أفضل وأنجع وسيلة للتربية على الإطلاق، والسؤال هنا: كيف رآها الإمام المجتبى تتبتل إلى الله تعالى بخشوع؟
انه ليس من الضروري أن توقظ الأم أو الأب الأبناء كي يصلوا ولكن إذا شاهدوا عمق العلاقة بين الأب والأم بخالقهم، وذلك الحرص على إحياء الليل بالعبادة والتفاني من أجل ذلك، فلابد أن يلفت ذلك نظر الطفل وجميع أفراد الأسرة.
كانت الزهراء (عليها السلام) تحثّ أبناءها على حضور مجالس العلم والوعظ... يعود أمير المؤمنين إلى الدار ذات يوم ليخبر بضعة رسول الله بالحديث الذي تحدثه رسول الله في المسجد فيجد أن الزهراء عارفه به، فيقول (عليه السلام): يا بنت رسول الله.. أنّى لكِ هذا ؟ فتقول: انه ابنك الحسن يسمع حديث أبي فيأتي ليحدثني به وكأنها حاضرة في المسجد، فهو (عليه السلام) ينقل الحديث لها بتفاصيله.
وفي شهر رمضان وعند حلول ليالي القدر العظيمة، كانت الصديقة الزهراء (عليها السلام) تحرص في يوم الثاني والعشرين على أن ينام أبناؤها في النهار لتهيء لهم الدار لإحياء ليلة الثالثة والعشرين، وجاء في (مفاتيح الجنان) للمحدث الشيخ عباس القمّي (طاب ثراه) إنها (عليها السلام) كانت تنثر الماء الى وجوه النيام في دارها ليستيقظوا في ليالي القدر واغتنام فرصة التضرع والتبتّل الى الله تعالى، هذه الأجواء الايمانية الخالصة والتحرر من قيود الحياة الدنيا هو الذي خلق ذلك الموقف العظيم والتاريخي الذي أشاد به الله تعالى في سورة الانسان حيث قال : "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً" (الانسان /8-9).
وبعد أن نعرف قدوتنا الصالحة المتمثلة في الصديقة الطاهرة، علينا أن نفكر في كيفية خلق المرأة القدوة الصالحة في بيوتنا، فاذا ارادت الأم نقل صورة ناصعة ونموذجية الى ابنائها، لابد ان تكون هي على جانب من الطهر والعفاف والنقاء لأن تكون مؤهلة لحمل هذا النموذج، بمعنى أن تكون قد اقتدت به قبل غيرها، وحينئذ يمكننا الحديث عن التأثير والاستفادة من القدوات الحسنة في أمر التربية والتعليم. فالمرأة التي لم تصدق في قولها كيف تربي أبناءها على الصدق؟! والتي لا علاقة متينة لها بكتاب الله المجيد، كيف لها أن تربي أبناءها على تلاوة القرآن الكريم وفهمه وتطبيقه؟!
دورها داخل الأسرة
تطرق سماحة الشيخ عبد الله المويّس لدور المرأة داخل الأسرة على صعيد التعليم، وقال: إن القرآن الكريم قيمة رفيعة للإنسان من خلال العلم والمعرفة: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" وهنالك آيات عديدة حثت على العلم والتعلم والتفقه وما شابه ذلك وصرح النبي بقوله: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) وهذا ويشمل الجميع، من هذا التأكيد الحثيث لننظر إلى شخصية الزهراء وكيف كان بيتها بحق المدرسة الأولى النسائية والمرجع لنشر الفكر والثقافة.
ومن أدوار المرأة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن من المتعارف في مجتمعاتنا تحمل الرجل أعباء ومسؤوليات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل للمرأة نصيب في هذا؟
هذه الفريضة رغم أهميتها لكنها وللأسف نجدها اليوم فريضة ميتة في الواقع العلمي، وقد صرح بها القرآن الكريم واشتراك في تحمل مسؤوليتها الرجل والمرأة معاً "والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله"، إن الخطاب واضح؛ إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة دينية يجب على المؤمن رجلاً كان أو امرأة أن ينهض بها، وقد بين الفقهاء شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبينوا أن الأمر بالمستحب مستحباً كما النهي عن المكروه مستحب، أن الأمر ليس فقط يقتصر على الواجبات والمحرمات، بل حتى يشتمل على الآداب والسلوك، وهذا ما كانت تجسده الزهراء (عليها السلام)، في جميع مراحل حياتها.
المرأة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بالنسبة لمسألة مطالبة الحقوق، هل يمكن أن نجمع بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومطالبة المرأة بحقوقها؟
الزهراء علمتنا كيف تؤدي المرأة دوراً كبيراً يفوق دور الرجال حينما يأخذ حق من إنسان لا سيما إذا كان لا يعبأ بالماديات ثم نراه يقوم وهو في علته ومرضه ليعلن ويستنكر ويصرخ ويخطب في مواجهة كلامية، لا شك أنه يريد أن يبين ثقافة عالية، الزهراء ترى أن هذا الموقع الذي يحتله (فلان...) أول ما يبدأ به هو حقوق الناس، فكيف يستأمن على دينكم ودنياكم؟ لم تكن القضية قضية فدك، وما تصنع بفدك؟ إنما هو استنكار النهج الذي انتهب وابتدأ سلطته السياسية بالتجاوز على حقوق الآخرين، وعلى من تكون حجته واضحة، ولذلك كانت حريصة على بيان الحجة وعلى دحضها من كتاب الله تعالى، (... أفي كتاب الله أن ترث أباك وأن لا أرث أبي)؟ أ أنتم أعلم بعموم كتاب الله من أبي وابن عمي؟! فالقضية واضحة كانت في مطالبتها بحقها و بالولاية وتولي الأمر، لأن الإمامة لا تسقط بانتهاز الآخرين الفرصة، فحق الله باقٍ، ولكن المطالبة أن يذعن الناس لأداء هذا الحق وذلك هو الدور الكبير الذي قامت به الزهراء (عليها السلام)، وهو حجة على كل إنسان في أن يمارسه دوره بالوسائل السلمية وبالطرق الممكنة ليعلن صرخة مدوية تبقى مؤثرة عند المجتمع.