قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
بصائر من القرآن الكريم
(الرهط) العشيرة
*من رؤى سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)
"وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الارض ولا يصلحون" (النمل /48).
راجعنا الكثير من علماء اللغة حول كلمة (رهط) وتبين لنا أن الرهط هو الانسان الذي يملك جماعة، وانما سُمّي الرهط رهطاً يعني الانسان ينسل منه جماعة ويعني عنده ذرية و اولاد، و يعني رئيس يملك عشيرة ويملك أناساً من ذريته.
لعل هذه الآية الكريمة تتحدث عن جانب مهم من مسألة العشائرية، والعشيرة حالة طبيعية في الانسان وهي موجودة في كل العالم لأن التناسل والتسلسل واضح في كل مكان، لكن ماهي المهمة الاساسية لرئيس العشيرة؟
نستفيد من هذه الآية الكريمة ان مهمة رئيس العشيرة اصلاح ذات البين فيجب عليه ان يجمع عشيرته لانه رئيسهم، ويجب ان لايدعهم يتفرقون، كذلك يجب ان يوحد طاقاتهم فهم من الناحية الجسدية ربما موحدون، ولكن قد يختلفون على المصالح وعلى الاهواء.
لكن المشكلة عندما يكون الدور معكوساً، فبدل ان يوحد ويصلح يُفرق ويفسد، فهذا في الحقيقة نهاية المطاف، فاذا بدأ رؤساء العشائر أو القبائل بالتفريق ما بين الناس، يجب أن نعرف إنها نهاية هؤلاء الناس.
الى جانب الوحدة والتلاحم، على رئيس العشيرة أن يكون مصلحاً ما استطاع الى ذلك سبيلا، و عملية الاصلاح تبدأ من أمور صغيرة فيجب علينا ان لانفكر بالاصلاح من الامور الكبيرة اي يجب ان نبدأ باصلاح النفس ثم العائلة ثم العشيرة.
إن أكثر ما تعانيه مجتمعاتنا هي الاختلافات والانقسامات المتراكمة منذ زمن، وهذه الحالة تنعكس من حيث نريد أو لا نريد، على الوضع السياسي وآلية تشكيل الحكومة وهي السلطة التنفيذية في البلد، وأيضاً طريقة تسييرها للأمور، فاذا كانت القيم الاخلاقية والآداب الاسلامية هي السائدة بين أبناء المجتمع، فمن الطبيعي أن تكيف الحكومة ومؤسساتها مع هكذا جو، لاسيما في التجارب الديمقراطية كما يجري في العراق، فالحكومة تعد نفسها وليدة الإرادة الجماهيرية، فتحاول جاهدة أن تكسب ودّها ورضاها وألا تنحرف عن هذه الارداة في اطار الحق والعدل.
وبما ان العشيرة تشكل شريحة مهمة وأساس في المجتمع العراقي، يجب أن تُحظى بالعناية والاهتمام من المثقفين والمفكرين واهل البصائر واهل الدين واهل العلم، يجب أن يحولوا العشائر الى تجمعات صالحة وقوية ومقتدرة ومفيدة للبلد، وهذا العمل يسهم فيه – طبعاً- شيوخ العشائر ومن ثم رؤساء الافخاذ وغيرهم، من المعنيين، لأن انعدام الثقافة الاجتماعية عند هذه المساحة الواسعة من الشعب العراقي من شأنها أن تبقي على حالة التخلف والحرمان وضياع الهوية بين التجاذبات السياسية والفكرية التي يشهدها العراق اليوم.