قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

كربلاء... في الشعر العربي
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة حيدر ناصر
اكتسبت كربلاء أهميتها التاريخية منذ استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وصحبه (ع) عام 61هـ -680م عندما رفع راية الرفض بوجه الظلم حتى سقط مضرَّجاً بدمائه بعد أن جسد أروع دروس الإباء والتضحية من أجل إحقاق الحق وإماتة الباطل. ومنذ ذلك اليوم أصبحت كربلاء نقطة مضيئة في تاريخ المسلمين وقبلة للثوار والأحرار ومزاراً لكل المسلمين يتوافدون عليها من مشارق الأرض ومغاربها. وكربلاء مدينة موغلة في القدم يعود تاريخها لآلاف السنين فقد أكدت المصادر على أن كربلاء كانت تستقطب الكثير من الأقوام على مدى التاريخ لخصوبة تربتها وعذوبة مائها فازدهرت على عهدالكلدانيين والتنوخيين واللخميين والمناذرة وقد اختلف المؤرخون في أصل تسميتها فمنهم من قال بأعجمية هذا الأسم بنسبته الى السامية والآرامية والبابلية ومنهم من أرجعه الى أصول عربية وهذا الموضوع يحتاج الى شرح مطول لسنا بصدده. أما الروايات والأحاديث في فضل كربلاء وتربتها وفضل زيارة الإمام الحسين (ع) فهي كثيرة جداً تضيق بها الكتب الكبيرة. أما في الشعر فقد هزت كربلاء ضمائر الشعراء وأججت مشاعرهم منذ أن شهدت أرضها أروع ملاحم الإباء وأسناها وتجسدت على ثراها أنبل المواقف الانسانية وأسماها وخالطت تربتها أطهر الدماء وأزكاها فأستلهموا المعاني السامية والمبادئ العظيمة التي أصبحت شعاراً لكل انسان يرفض الظلم والطغيان وينشد الحرية والكرامة. ولو أخذنا هذا الموضوع بالاحصاء لضاقت به أضخم المجلدات وأوسعها لكثرة الشعراء الذين تناولوا ملحمة كربلاء في أشعارهم على مدى عصور التاريخ لذا سنقتصر على بعض الشعراء وتقديم المقدار الكافي من الشعر الذي يفي بالغرض ويكوّن فكرة كاملة عن النهج الذي اختطه ا لشعراء في الاستلهام من كربلاء التضحية والشهادة.
في حذونا لمنهج السبق الزمني لذكر كربلاء في الشعر العربي، وجدنا مصدرين تعرضا لذكر كربلاء قبل استشهاد الإمام الحسين (ع)، الأول ما رواه الطبري في حوادث سنة 12 للهجرة في عزوة خالد بن الوليد للعراق ونزوله عند فتحة الحيرة كربلاء فقال رجل من أشجع في ذلك:
لقد حُبست في (كربلاء) مطيتي وفي العين حتى عاد غثّاً سمينُها.. الخ
أما المصدر الثاني فقد ذكره أبو الفرج الاصفهاني ج12 ص63 وياقوت الحموي في معجم البلدان في (كربلاء) وهو قول معن بن أوس المزني من مخضرمي الجاهلية والإسلام من قصيدة طويلة:
إذا هي حلّت (كربلاء) فلِعلِعا فجوز العذيب دونها فالنوائحا
فبانت ناها من نواك فطاوعت مع الشانئين الشانئات الكواشحا
توهمت ربعاً بالمعبّر واضحاً أبت قرّتاه اليوم إلا تراوحا.. الخ
ومع عدم الترجيح في تقدم الشعر الأول على الثاني في السبق الزمني أو بالعكس يبقى هذان القولان هما من أقدم الشعر الذي ذكرت فيه كربلاء في الأدب العربي قبل استشهاد الإمام الحسين (ع) ثم تبدأ مرحلة جديدة لكربلاء مع الشعر بعد أن تشرفت بالأجساد الطاهرة لأهل البيت (ع) وامتزجت تربتها بدمائهم الزكية، رحلة الشعر المعطر بأريج الشهادة وعبق الإباء، وكان من الطبيعي أن يكون لهذا الاسم وقع في نفوس أفراد من عائلة البيت النبوي مثل السيدة زينب (ع) والسيدة سكينة والسيدة رباب زوجة الإمام الحسين (ع) التي روي أنها – اي الرباب – قد أنشدت هذين البيتين عندما أخذت رأس الحسين وقبلته ووضعته في حجرها؟
واحسيناً فلا نسيت حسيناً قصدته أسنة الأعداء
غادروه (بكربلاء) صريعاً لاسقى الغيث جانبي (كربلاء)
وكانت هذه السيدة الجليلة لا تهدأ ليلاً ولانهاراً من البكاء على الحسين ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد سنة من حادثة كربلاء، وذكر أبو الفرج الاصفهاني في الأغاني ج16 ص142 عن الرباب أنها: (خُطبت بعد استشهاد الحسين (ع) فأبت وقالت: ماكنت لأتخذ حُمواً بعد ابن رسول الله ثم قالت من أبيات:
إن الذي كان نوراً يُستضاء به (بكربلاء) قتيلاً غير مدفونِ
***
والله لا أبتغي صهراً بصهركم حتى أغيّب بين الرمل والطينِ
وجاء في المجالس السنية أن بشر بن حذلم كان شاعراً وحينما وصل ركب الأسارى والسبايا الى المدينة المنورة قال له الإمام زين العابدين: أدخل المدينة وأنعَ الحسين فلما بلغ بشر مسجد النبي صاح:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرارُ
الجسم منه (بكربلاء) مضرّج والرأس منه على القناة يدارُ
وفي الآمالي للشيخ المفيد ص324 وتذكرة الخواص 242: (أن عقبة بن عمر العبسي أو السهمي كان أول من ناح على الحسين ورثاه بقصيدة) ندرج منها الأبيات التي تتعلق بالموضوع:
مررت على قبر الحسين (بكربلا) ويسعد عيني دمعها وزفيرها
***
سلام على أهل القبور (بكربلا) وقلّ لها مني سلام يزورها
وفي كتاب (نهضة الحسين) ص152 نقلاً عن المجالس السنية: أن ابن الهبارية الشاعر مر بعد سليمان ابن قتة العدوي بكربلاء فجلس عند القبر وقال:
أحسين والمبعوث جدّك بالهدى قسماً يكون الحق عنه مسائلي
لو كنت شاهد (كربلا) لبذلت في تنفيس كربك جهد بذل الباذل
وسقيت حدّ السيف من أعدائكم عللاً وحدّ السمهري الذابل
أما مهيار الديلمي فهو عندما يرثي الحسين (ع) لا ينسى أن يضمّن مرثيته (كربلاء):
بآل علي صروف الزمان بسطن لساني لذم الصروفِ
وليس صديقي غير الحزين ليوم الحسين وغير الأسوفِ
هو الغصن كان كمينا فهب لدى (كربلاء) بريح عصوفِ
كما لم تخلُ التائية الخالدة لدعبل الخزاعي والتي تناقلتها جميع كتب التاريخ وأسفار الأدب وعدتها من أبلغ القصائد رثاء وفجيعة وحزنا من ذكر (كربلاء) وكان دعبل قد أنشدها بحضور الإمام الرضا (ع) فبكى الإمام حينما أنشدها دعبل وبكت النسوة والاطفار ومازالت هذه القصيدة تتلى الى اليوم عبر المنابر، يقول دعبل في قصيدته:
نفوس لدى النهرين من أرض (كربلا) معرّسهم فيها بشط فراتِ
فذكر كربلاء كان يهيج أحزان الأئمة ويستدر دموعهم عندما يستذكرون قتل الحسين (ع)، وفي (اقناع اللائم) ص156 وبحار الأنوار ج45 ص286: (أن جعفر بن عفان وهو من أصحاب الإمام الصادق (ع) وكان شاعراً فقال يرثي الحسين (ع) نقتطف من أبياته:
أذاقته حرّ القتل أمة جدّه هفت نعلها في (كربلاء) وزلّتِ
وذكر الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء في كتابه (الأنوار الحسينية) أن الشريف الرضي زار كربلاء سنة 386 للهجرة وشاهد قوماً يبكون ويتضرعون عند قبر الحسين فهرول إليهم وأخذ يرثي الحسين (ع):
(كربلا) لازلت كرباً وبلا مالقى عندك آل المصطفى
كم على تربك لما صرّعوا من دم سال ومن دمع جرى
ويقول أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:
والهاشميون استقلّت غيرهم من (كربلاء) بأعظم الأوتار
أما سبط ابن التعاويذي فيقول:
سأهدي للأئمة من سلامي وغرّ مدائحي أزكى هديّ
لطيبة والبقيع و (كربلاء) وسامرا وفيد والغريّ
كما يقول الصاحب بن عباد:
يا (كربلاء) تحدّثي ببلائنا وبكربنا أن الحديث يعادُ
ويقول أيضاً:
أنا من شيعة الرضا سيد الناس حيدرة
يا تباريح (كربلا) إن نفسي محيّرة
للذي نال سادتي من رزايا مشمّرة
ويقول أيضاً من قصيدة أخرى:
لهيب بقلبي حين أذكر (كربلا) فيهلكني بعد النحيب نحيبُ
ولكربلاء حيز في شعر الملك الصالح طلائع بن رزيك نختار منه هذه الأبيات:
أبكيهم بدموع لو بها شربوا في (كربلاء) كفتهم سورة الغللِ
ومن قصيدة أخرى يقول:
هذا الحسين بـ(كربلاء) ثوى وليس له نصير
فغدا بفتيته الكرام الى مصارعهم يسير
ويقول أيضاً:
في (كربلاء) ثوى ابن بنت رسول رب العالمينا
قف بالضريح وناده ياغاية المتوسلينا
وعندما أمر بصنع كسوة للحرمين الشريفين العلوي والحسيني وتحرى فيها أن تكون الستور في غاية الإبداع مع تطريز آيات قرآنية حولها أرسلها مع قصيدة نختار منها:
إذا عنّ لي تذكار سكان (كربلا) فما لفؤادي في الضلوعِ سكونُ
ومنها أيضاً:
ألا كل رزء بعد يومٍ بـ(كربلا) وبعد مصاب ابن النبي يهون
ويقول كثير عزة:
فسبطٌ سبط إيمانٍ وبرٍّ وسبطٌ غيّبته (كربلاء)
ويقول مهيار الديلمي:
فيوم السقيفة يابن النبي طرّق يومك في (كربلا)
ويصور ديك الجن موقف الحسين (ع) وحيداً في (كربلاء) فيقول:
ونظرت سبط محمد في (كربلا) فرداً يعاني حزنه المكظوما
وله من قصيدة أخرى:
ياعين في (كربلا) مقابر قد تركن قلبي مقابر الكربِ
كما كان (لكربلاء) مكانة في الشعر الأندلسي فقد أورد ابن الخطيب قصيدة لأبي بحر صفوان بن إدريس التجيبي المتوفى سنة 598 للهجرة وذكر أن هذه القصيدة كانت مشهورة ومنها:
على (كربلا) لا أخلف الغيث (كربلا) وإلا فإن الدمع أندى وأكرمُ
ومنها أيضاً:
وهم قطعوا رأس الحسين (بكربلا) كأنهمُ قد أحسنوا حين أجرموا
ولأبي البقاء الرندي الشاعر الأندلسي المتوفى سنة 684 للهجرة قصيدة طويلة في رثاء الحسين (ع) يقول فيها:
أبيت فلا يساعدني عزاءُ إذا ذكر الحسين و (كربلاء)
ومن شعراء الأندلس الذين رثوا الحسين (ع) وسجلوا في أشعارهم (كربلاء) ابن هانئ الذي يقول:
وكأن به لم يبق وتراً ضائعاً في (كربلاء) ولا دما مطلولاً
ومن هؤلاء الشعراء ابن ابي الخصال المتوفى سنة 540 للهجرة يقول في أحدى مراثيه الحسينية:
وابكِ الحسين ومن وافى منيته في (كربلاء) مضوا مثنىً ووحدانا
ويقول في قصيدة أخرى:
إن في (كربلاء) كرباً مقيماً فَتَنَ المؤمنين والمؤمناتِ
ويقول في حسينية أخرى:
ولو حدَّثت عن (كربلاء) لأبصرت حسيناً فتاها وهو شلِوٌ مقدَّدُ
وتستمر كربلاء تلهب وجدان الشعراء في كل العصور وفي كل زمان ومكان فلم تكن يوماً خاضعة لمرحلة معينة أو لبقعة محددة من الأرض فهي تمتد من الأزل الى الأزل تتغلغل الى النفوس تهز الأعماق البشرية فراح الشعراء يستمدون منها إلهامهم وينهلون من معينها الذي لا ينضب فاستحضرها الشعراء المعاصرون كما استحضرها القدماء يقول السيد حيدر الحلي:
فحشى ابن فاطمةٍ بعرصة (كربلا) بردت غليلاً وهو كان رواءها
ويقول أيضاً:
سل بهم أما تسل (كربلا) إذ واجهوا فيها البلا المكربا
ويقول أيضاً:
ولا كدم في (كربلا) طاح منكم فذاك لأجفان الحمية أسهرا
ويقول عبد الباقي العمري:
حتى جرى (بكربلاء) ماجرى وسال حتى بلغ السيل الزبى
ويقول أيضاً:
قضى نحبه في (كربلاء) ابن حاشر ولن ينقضي نحبي عليه الى الحشر
ويقول وقد شاهد هلال شهر محرم:
شهر به شهر البلاء (بكربلا) عضْباً تأنّق قينه بصقاله
وضمّن كربلاء تضميناً رائعاً في هذان البيتان:
أبدت سما وجوده أهلةً وأنجماً من وقع سمرٍ وظُبا
ورأسه الشريف شمسها التي تخيّرت من (كربلاء) مغربا
وله أيضاً هذين البيتين:
وناحت بوادي (كربلاء) وعدّدت عليهم وفي نادي الغريين غرّدت
وأجريت دمعاً لا يزال مسلسلا على مادخى آل النبي (بكربلا)
أما عبد الغفار الأخرس فيقول:
وكرّ البلا في (كربلاء) فأصبحت مواقف للبلوى ووقفاً على الضرِّ
وللشيخ فليح الحسون المتوفى سنة 1296 للهجرة من قصيدة له:
زهت (كربلا) لما حللتُ بأرضها فكل بلاد لست من أهلها قفرُ
وضمن الشيخ كاظم الأزري (كربلاء) في أربعة أبيات من قصائد شتى هي:
لله من في مغاني (كربلاء9 ثوى وعنده علم مايأتي من القدرِ
***
سل (كربلا) كم حوت منهم هلال دجىً كأنها فلك للأنجم الزهرِ
***
وصفقة الدين لم تنفق بضاعته في (كربلاء) ولم يربح سوى الضررِ
***
يهنيك يا (كربلا) وشيٌ ظفرت به من صنعة اليُمن لا من صنعة اليمنِ
أما الشيخ محسن أبو الحب فيقول:
ما كنت إلا واحداً في (كربلا) أضحى لا عين أهلها إنسانا
ويقول الشيخ الإمام محمد الحسين كاشف الغطاء:
ضربوا بعرصة (كربلا) خيامهم فأطل كرب فوقها وبلاء
لله أي رزية في (كربلا) عظمت فهانت دونها الأرزاء
***
يا هل ترى مضراً درت ماذا لقت في (كربلاء) أبناؤها وبناتها
***
الى أن دبت تسري بسم نفاقهم الى (كربلا) رقش الأفاعي النوافث
ويقول الشيخ محمد علي كمونة:
فوا حزني إذ لم أكن يوم (كربلا) قتيلاً ولم أبلغ هناك مآربي
***
لله طائفة بعرصة (كربلا) بفنائها طاف البقا بصفائها
عن (كربلا) وبلائها سل (كربلا) سل (كربلا) عن كربها وبلائها
***
بكر الغمام فجاء عرصة (كربلا) أرضاً بها نور الهداية يغرب
أما السيد موسى الطالقاني فله في كربلاء هذان البيتان:
يا نازلين (بكربلا) كم مهجة فيكم بفادحة الخطوب تصابُ
***
لستُ أنساه طريحاً في محاني (كربلا) في الثرى يبقى ثلاثاً عارياً منجدلا
ومثلهما للحاج هاشم الكعبي المتوفى سنة 1231 للهجرة حيث يقول:
لم يلف سبط محمد في (كربلا) يوماً بها جرة الظهيرة عاري
***
إن تكن (كربلا) فحيوا رباها وأطمئنوا بنا نشم ثراها
وللشاعر المصري مرسي شاكر طنطاوي هذا البيت:
في (كربلاء) مآتم لا تنتهي حتى يداهمنا الحمام صؤولا
وهذا البيت للشيخ إبراهيم الكفعمي:
فأني به جار الشهيد (بكربلا) سليل رسول الله خير مجير
وتغلغلت (كربلاء) الى قلب الشاعر المسيحي بولس سلامة الذي كتب ملحمته الخالدة (كربلاء) وملحمته (عيد الغدير) والمؤلفة من ثلاثة آلاف بيت فكانت دموعه تنساب مع كلماته وحين سئل عن سر بكائه أجاب: (إن ملحمة كربلاء هي ملحمتي الذاتية كفرد إنساني) يقول بولس سلامة:
يا ضياء الغروب في (كربلاء) دونك الشمس في الغروب ضياء
ونختم هذه الباقات من روائع الشعر العربي عن كربلاء بأبيات للعلامة الشيخ عبدالله العلايلي من قصيدته المطولة والرائعة في ذكرى الحسين و (كربلاء) حيث يقول:
فيا (كربلا) كهف الإباء مجسّماً ويا (كربلا) كهف البطولة والعلا
ويا (كربلا) قد حزتِ نفساً نبيلة وصُيِّرتِ بعد اليوم رمزاً الى السما
ويا (كربلا) قد صرتِ قبلة كل ذي نفس تصاغر دون مبدئها الدُنا
ويا (كربلا) قد حزتِ مجداً مؤثلاً وحزتِ فخاراً ينقضي دونه المدى