قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
المقال الافتتاحي
الغدير والشعر
محمد طاهر محمد
واكب الشعر العربي أحداث الإسلام منذ بدء الدعوة المحمدية الشريفة مسجلاً أحداثها موثقاً تفاصيلها فكان له دور كبير في نشر الأفكار والمبادئ الإسلامية وأهدافها.
ومن الأحداث المهمة في التاريخ الإسلامي والتي سجلها الشعر العربي هي حادثة الغدير، وتتمثل هذه الحادثة في خطبة النبي (ص) التي ألقاها في ذلك اليوم أمام حشد كبير من المسلمين لتعيين الخليفة الشرعي من بعده، فقال (ص): (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ولسنا هنا بصدد عرض تفاصيل الحادثة وأبعادها فهي أوضح من الشمس لكل ذي عينين إلا لمن عمي أو تعامى فهذا الموضوع تناوله الكثير من علمائنا الأعلام ومراجعنا العظام وخصصوا الكثير من الكتب والدراسات وانتهجوا فيها النصوص الشرعية والحقائق العلمية في الإستدلال على خلافة أمير المؤمنين (ع).
أما ما نحن بصدده هو المساحة الكبيرة والحيز الواسع الذي احتلته هذه الحادثة أو (الحديث) في الشعر العربي على مدى التاريخ الإسلامي، ولا يسع الباحث في هذا الموضوع إلا الإشادة بالجهد العظيم الذي بذله العلامة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي في كتابه الخالد (الغدير في الكتاب والسنة والأدب) في الاهتمام بالشعر والاعتماد عليه وجعله ركناً أساساً في موسوعته الخالدة بعد القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بوصفه وثيقة تاريخية كبرى.
حقيقة أن المرء ليقف إجلالاً لهذا العمل الجبار الذي بذله الأميني في استقصاء شعراء الغدير وجمع أكبر عدد منهم حيث يدهش القارئ بمعرفته بالشعر حتى ليظن أنه لم يهتم في حياته بسوى الأدب فهو يبدأ رحلته مع الشعر في كتابه من الجزء الثاني فيبين منزلته في الإسلام من خلال استعراض موقف النبي (ص) وتشجيعه لحركة الشعر المؤيد للعقيدة ثم يستعرض شعراء الغدير منذ القرن الأول معتمداً التحليل النقدي في دراسة الشعر موضحاً دلالته على الحديث أو الحادثة أو ما يشير اليها، وقد أحصى أكثر من مئة شاعر من شعراء العربية على مدى ثلاثة عشر قرناً ومن أبرز الشعراء الذين استعرضهم وترجم لهم: الكميت والسيد الحميري وأبو تمام ودعبل الخزاعي وابن الرومي وأبو فراس الحمداني والصاحب بن عباد والشريفان ومهيار والمعري وصفي الدين الحلي وغيرهم الكثير ممن سجلوا واقعة الغدير في أشعارهم، ويستطيع القارئ من خلال هذه التراجم لهؤلاء الشعراء أن يستدل على الثراء العلمي والأدبي الذي يتمتع به المؤلف. فلو تناول المؤلف المصادر الأدبية فقط وهي الأشعار التي قيلت في الغدير لكفى دليلاً وبرهاناً لإقناع من أراد أن يهتدي الى طريق الحق فكيف و قد عضد كتابه بالنصوص القرآنية والأحاديث الشريفة والمصادر التاريخية والأدلة العقلية والنقلية لإثبات حديث الغدير.
لقد انطلق المؤلف من أساس علمي ومسلمات شرعية يقينية في النص الإلهي لعلي بن أبي طالب، فحادثة الغدير أمر تشريعي من الله للرسول (ص) ليوقف أمته على وليها بعده.