قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الواسطة.. طريق مختصر لسرقة الوظائف
إستطلاع/ أحمد كامل أبو خليف:
تقف ظاهرة الواسطة حائلا بين الشباب من أصحاب الكفاءات والمؤهلات، وبين الوظائف والمراكز التي تتناسب مع قدراتهم. هذه الظاهرة التي بدت مثل السرطان الذي تمكن من جسد معظم القطاعات الحيوية في المجتمع .. فتضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، لتدهس في طريقها أحلام وآمال العديد من الشباب الطموح لصالح آخر قد يكون قريباً لأحد المسؤولين او أصحاب المراكز العليا في الدولة. وتُعد الواسطة من أهم أسباب هجرة العديد من الكفاءات إلى الخارج كما أنها الخطوة الأولى على سلم الرشوة وانتشار الفساد الإداري، وقد اتسع نطاقها في الوقت الحاضر حتى أصبحت تعرف بإسمها العربي في المراجع الأجنبية (Wasta) ومن مظاهرها الخطيرة ونتائجها : عجز بعض المؤسسات عن تقديم الخدمات المنوطة بها وهو ما يدفع بعض المراجعين الى البحث عن واسطة لتسهيل الحصول على بعض الخدمات وهنا مكمن الخطورة، بمعنى آخر أن الواسطة لا تقتصر على الحصول على وظيفة وإنما انتشرت فطالت المؤسسات والخدمات المقدمة للمواطنين.
دور الواسطة في التخلف والبطالة
يقول أسامة شوقي عبد الجبار : " الواسطة موجودة وبشكل كبير جدا، فهي تهدر مبدأ تكافؤ الفرص الذي يكفله الدستور والقانون في الحصول على الحقوق والخدمات وتفقدنا الثقة في الحصول على وظيفة، حتى إن كثيراً من الشباب يتندر بالشروط التي يُعلَن عنها لتولي بعض الوظائف ، حيث يبدو عدم انطباقها إلا على شخص أو أشخاص بعينهم" ويضيف : "الواسطة تصيب الشباب المجتهد بالإحباط فمن لا واسطة له يصعب عليه الحصول على وظيفة مهما كانت مؤهلاته وللواسطة دور خطير في تخلف المجتمع وانتشار البطالة بين الشباب، ذلك أن الشاب المؤهل الذي لا يملك واسطة عندما يتقدم إلى عمل فإن أوراقه توضع مع مئات من الأوراق الأخرى في خزنة النسيان" ويتابع " أذكر لك تجربتي الخاصة فقد تقدمت إلى الدورة الدبلوماسية رقم (26) في وزارة الخارجية وفق شروط معينة وضعتها الوزارة ولأني احمل المؤهلات المطلوبة واجد في نفسي الكفاءة فقد تقدمت للدورة المذكورة وتم إجراء المقابلة الشخصية في مقر وزارة الخارجية مع السيد وكيل الوزير ومجموعة من السفراء وأشاد أعضاء اللجنة بالمؤهلات التي احملها " وأضاف : "وبعدها أجريت الاختبار التحريري وكانت إجاباتي موفقة إلى حد كبير تفاجأت بعد إعلان النتائج بعدم وجود اسمي ووجود أسماء مخالفة للشروط المطلوبة للقبول فقد كان احد الشروط العمر أن لا يتجاوز (28) سنة لكن مع الأسف تم قبول أشخاص تجاوزت أعمارهم (35) سنة , إضافة إلى مخالفتهم شرط المعدل حيث تم قبول أشخاص معدلاتهم اقل من المعدلات المطلوبة وما يثير العجب لا الإعجاب ويدفع السؤال إلى الفم هو وجود أسماء معروفة كأبناء أعضاء مجلس النواب والسادة الوزراء وكأن الدورة هي لأبناء السادة المسؤولين المشتركين في العملية السياسية". ويختم أسامة كلامه بالسؤال :" من أوصل المسؤولين إلى هذه المناصب أليس أبناء هذا الشعب "؟.
الواسطة شعار اللذين يؤمنون بان البقاء للأقوى
ويرى حامد حبيب أن الواسطة " قضية شائكة للغاية ومتداخلة الأطراف، فهي فيروس خطير يضرب في جذور المجتمع وأعماقه بكل شراسة ووحشية ويترتب على ظهورها عدم وجود تكافؤ في الفرص وموت الضمائر وضياع الحقوق بين الناس وانتشار الظلم والفساد، إنها ظاهرة من اختراع أولئك الناس الذين يرفعون شعار البقاء للأقوى". ويضيف : " لا بد من عمل استطلاع شامل لمعرفة رأي الناس حول هذه الظاهرة الخطيرة لأنهم هم المتضررون أولا وأخيرا من هذا الداء اللعين وهم من يدفعون ثمن هذه الظاهرة من وقتهم ومالهم وأعصابهم ومصلحتهم" وقال أيضا :" أعتقد أن الواسطة غالبا ما تتعلق بالعمل الوظيفي ومجال التوظيف والتعيين، وإن كان البعض يذكر أنها في أيامنا هذه طالت كل شيء حتى المستشفيات التي من المفروض أن تكون في مأمن من هذه الظاهرة وأخواتها" وأكد على "أهمية محاربة هذه الظاهرة والتصدي لها بشتى الوسائل والطرق وذلك من خلال وضع بعض الضوابط والقواعد لحماية المجتمع وخصوصا الكفاءات الشبابية لأنهم هم أول المتضررين".
الواسطة تغني عن الخبرة والكفاءة
ويشير علي عبد الحرّ إلى أن "الواسطة من الأدوات القديمة في المجتمع لتجاوز الروتين والبيروقراطية الإدارية، والشعور بعدم العدالة وتكافؤ الفرص في الحصول على الخدمات والوظائف والمراكز الاجتماعية، لذلك عندما تتقدم لأي وظيفة فرغم الشروط التي تضعها الدوائر والمؤسسات للمتقدمين إليها وهي شرط الخبرة والمؤهل.. إلا أن ذلك لا يغني من الواسطة شيئا، فالواسطة تغني عن الخبرة والكفاءة والعكس ليس صحيحا"، وشدد على أن "تفعيل القانون أمر واجب، ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب هو أول شرط من شروط التقدم والنهوض والرقي بالأمم والمجتمعات، وهو مايسعى الجميع إليه".
الدولة تحارب الفساد.. فلماذا الواسطة هي الحكم؟
ويقول علي احمد أن "هناك بعض الدوائر والمؤسسات لا يمكن الحصول على وظيفة فيها إلا عن طريق الواسطة" ، وأضاف أنه "حتى مع توجه الدولة المعلن نحو محاربة الفساد فإن الواسطة لا زالت هي الحكم في كل شيء". وأرجع ظهور الواسطة إلى "ضعف الوعي الاجتماعي لدى البعض وعدم تقديرهم لعواقب مثل هذه الممارسات غير السوية سواء على الفرد أو المجتمع، فضلا عن غياب المعايير الدقيقة في الحساب والعقاب للموظف الذي يستغل نفوذه وحدود وظيفته في مخالفة القانون أو اهداره لمبدأ تكافؤ الفرص".
الواسطة منها السلبي وفيها الإيجابي أيضا
أمّا السيد علي الموسوي، فيقول أن :" الواسطة أو الوساطة كما نسميها هي الشفاعة ومنها ما هو حسن ومنها ما هو سيىء" قال تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) . ويضيف : " أما عن الشفاعة الحسنة فقد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحض عليها والترغيب فيها، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ، وأن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول أي الناس أحب إلى الله، فقال أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي له دينا أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا (يعني مسجد المدينة )، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام". وتابع بالقول أن " الشفاعة معناها: الوساطة في جلب الخير للمشفوع له أو درء الشر عنه بحق، ومثالها: أن يجد المسلم صاحب حق أو حاجة مشروعة لا يستطيع الوصول إليها إلا بوساطة فيتوسط له أو يسعى معه حتى يحصل على حقه أو يصل إلى حاجته...". ويضيف بالقول :" أما الشفاعة السيئة فهي الوساطة لدفع الحق ورده أو السعي في حصول الباطل أو إقراره..". ومن صورها اليوم توسط ذوى الجاه والمكانة لمن لا يستحق ليتبوأ منزلة ومنصبا لا يستحقه لعدم كفاءته فيضيع حقوق الناس ويفسد أعمالهم وهي سبب كثير مما يلاحظ من فساد إداري أو خلل اقتصادي او انحلال خلقي واجتماعي. ومن هنا كان لابد من تنبيه ذوى المكانة على أن يتثبتوا ويتبينوا ممن يشفعون له لئلا تكون شفاعتهم سيئة فينالهم وزرها كما قال تعالى (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) أي حظ ونصيب". ويبيّن السيد الموسوي أن "معالجة هذا المرض تكون بالعدل، والحكمة.. والله تعالى يقول: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).. كما تكون المعالجة لهذا المرض بالإخلاص في العمل وهو أن يتولاه من هو أهل اختصاصه حتى لا يكون العمل دمارا وفوضى.. وكذلك من الأمور المهمة للمعالجة الحزم، والعزم.. والحزم أن لا نُبالي بالقرابة، لاسيما إذا كانت تصدنا عن الواجب، وقد قطع النبي صلى الله عليه وآله وسلم باب الواسطة في إقامة الحدود، وفي غيرها ... والشفيع بالواسطة الآن صار في الغالب أعلى من القانون، وأشدّ نفوذا".