قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

تدبّر التلاوة
*السيد محمود الموسوي
بعد أن آمن البعض، وما كاد أن يؤمن بضرورة التدبّر في القرآن الكريم، قالوا كيف يمكن لعامّة الناس، أي غير العلماء العالمين بعلوم القرآن و بما يحتاجه من أدوات علمية راقية، أن يتدبّروا...؟ بل لماذا يحق لهم أن يتدبّروا...؟! أفلا يعدّ ذلك تطفلاً على كتاب الله المجيد؟! أليس ذلك من اختصاص أولئك العلماء الربانيين؟
لم يع أولئك أن التدبّر هو منظومة تشمل كافة بني البشر بما يحملون من قوى عقلية أودعها الله تعالى فيهم، لكي يعقلوا الأشياء و ينساق تفكيرهم نحو دلالاتها وآثاراها وبواطنها التي تخفى عن النظرة العابرة للأشياء، وعندما نقول أن التدبّر هو منهج في فهم آيات الله عز وجل يتّبعه العلماء في تفسيرهم، لا يعني ذلك أننا نقصره عليهم، ولكن التدبّر منظومة نسبية ، يختلف تعامل العلماء معه عن التالي لكتاب الله، لأن القرآن يعطي بقدر ما يُعطى من جهد.
ان تدبّر التلاوة هو أن يمعن القارئ نظره في الآيات الكريمة ويتفكّر فيها، و ينظر إلى ما يكون في نهاياتها من العواقب، لتتشبّع نفسه بالآيات ويستغرق عقله في المفاهيم، و يهتدي سلوكه ببصائر الوحي المقدّس.
قال تعالى: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" (محمد : 24). فالقلب المقفل هو الذي يقرأ بلا تدبّر. وقال عز وجل: "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" (ص : 29). والتذكرة لا تأتي إلا من خلال التدبّر.
فتدبّر التلاوة هو وعي المضمون من أجل الإنفتاح على آفاق الكتاب الكريم، وإلإ كيف يمكن التصديق بعظمة الآيات، وكيف يمكن التأثر الحقيقي بمرادات الباري عز شأنه؟ وكما يقول الإمام علي (عليه السلام): (ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر).
ولنا في العبرة القرآنية خير مثال وهو هدي من هدى التدبّر، ومثال عليه، حيث يقول عز وجل في (سورة المؤمنون): "حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ" (المؤمنون: 64 ـ 68).
وتخبرنا الآيات أنه قد حلّ العذاب على عامّة الناس في المجتمع، لأن الآيات كانت تتلى عليهم، ولكنهم لم يدّبروا القول لكي يلجوا في بحر الحقائق التي تنقذهم من العذاب وتبصرهم النور ، أليس في ذلك عبرة لنا في تلاوتنا للقرآن الكريم؟