قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
في ذكرى مولده السعيد..
الحسن المجتبى.. صفات الحزم والانسانية
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة إعداد / ياسر الربيعي
لا يمكن لأي موالٍ حقيقي لأهل البيت عليهم السلام أن ينكر دور الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في مسيرة الرسالة، ولكن هناك قصوراً كبيراً في الميدان الثقافي والتربوي تجاه هذا الإمام الهمام سواء أكان في مجال ذكر مناسبة ولادته أم وفاته أم في مجال ذكر دوره الرسالي عليه السلام، وفوق ذلك يتعرض الإمام عليه السلام حتى هذا اليوم الى حملة خبيثة من قبل الحاقدين لأهل البيت عليهم السلام، الهدف منها تشويه صورته الناصعة، أو على الأقل تغييبه عن الذاكرة، فقد عدوه مزواجاً للنساء، ومهادناً ومسالماً و.... وغيرها من الصفات التي حاول المغرضون يائسين إلصاقها بهذا الإمام العظيم، بيد ان شواهد التاريخ أكدت انه عليه السلام، في الوقت الذي كان حليماً ومسالماً، كان أيضاً حازماً و ذا رؤية بعيدة.
يؤكد التاريخ ان الإمام الحسن المجتبى عليه السلام عاش أجواء الحروب وجشوبة العيش، وقد حضر مع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام الحروب الثلاث: (الجمل، والنهروان، وصفين)، وقد كان له فيها الدور الكبير، فضلاً عن أنه كان عليه السلام زاهداً و ورعاً و كريماً متخلقاً بأخلاق النبي صلى الله عليه وآله وابيه الامام علي عليه السلام.
فهو ثاني أئمَّة أهل البيت الطاهرين عليهم السلام، وأول السبطين، وأحد سيَّدي شباب أهل الجنَّة، وأحد ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله، وأحد الخمسة من أصحاب الكساء عليهم السلام.
ولادته:
وُلد الإمام الحسن عليه السلام في المدينة، ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث أو اثنتين من الهجرة، وهو عليه السلام، الإبن البِر للإمام علي وفاطمة الزهراء عليهما السلام، وكان يشبه النبي الاكرم، قد روَى عن أنس بن مالك: لم يكن أحدٌ أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله من الحسن بن علي عليهما السلام، ولمَّا وُلِد الحسن، قالت فاطمة للإمام علي : (سَمِّه) ، فقال الإمام عليه السلام : (مَا كُنتُ لأسبِقَ باسمِهِ رَسولَ الله صلى الله عليه وآله، فجاء النبي صلى الله عليه وآله، فأخُرِجَ إليه، فقال صلى الله عليه وآله : (اللَّهُمَّ إنِّي أُعِيذُه بِكَ وَولْدِهِ من الشَّيطانِ الرَّجيم)، وأذَّن صلى الله عليه وآله في أُذنِه اليمنى، وأقام في اليسرى، فسمَّاه صلى الله عليه وآله حَسَناً، ولم يكن يُعرف هذا الاسم في الجاهليَّة، وعقّ عنه كبشاً، وكان يُكنى بأبي محمد، كناه بها رسول الله صلى الله عليه وآله، أما القابه فهي: التقي، الزكي، السبط.
صفاته:
كان عليه السلام أبيض، مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، رقيق المشربة، كثّ اللحية، ذا وافرة، وكأن عنقه إبريق فضة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، مليحاً، من أحسن الناس وجهاً، وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر، حسن البدن.
أشهر زوجاته: خولة بنت منظور الفزارية، أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي، أم بشر بنت أبي مسعود الأنصاري، جعدة بنت الأشعث، هند بنت عبد الرحمن ابن أبي بكر، أما اولاده فهم: زيد، الحسن، عمرو، القاسم، عبد الله، عبد الرحمن، الحسن، طلحة وله من البنات: أم الحسن، أم الحسين، فاطمة أم عبد الله، فاطمة أم سلمة، رقية.
وقد بويع بالخلافة في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 40 للهجرة، وقد هادن معاوية في النصف من جمادى الأولى سنة 41 للهجرة بعد أن تبين الوهن في أصحابه.
كراماته عليه السلام
روى حسين بن عبد الوهاب بإسناده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: خرج الحسن بن علي في بعض أسفاره ومعه رجل من أولاد الزبير كان يقول بإمامته، فنزلوا في منزل تحت نخل يابس قد يبس من العطش، ففرش الحسن تحت نخلة منهما، وفرش الزّبيري بحذائه، قال: فرفع الزبيري رأسه إلى النّخلة، وقال: لو كان عليها رطب لأكلنا منه، فقال له الحسن عليه السلام إنك لتشتهي الرّطب؟ قال: نعم، فرفع يده إلى السّماء ودعا بكلمات فاخضرّت النّخلة، وحملت رطباً فقال الجمال الذي اكتروا منه: سحرٌ والله...! فقال الحسن عليه السلام ليس هذا بسحر، ولكن دعوة أولاد الأنبياء مستجابة، فصعد أحدهم النخلة وجنى من الرّطب ما كفاهم.
وروى ابن شهر آشوب بإسناده عن الامام زين العابدين عليه السلام قال: كان الحسن بن علي جالساً فأتاه آت، فقال: يا ابن رسول الله، قد احترقت دارك قال: كلا، ما احترقت! إذ أتاه آت فقال: يا ابن رسول الله، قد وقعت النار في دار إلى جنب دارك حتى ما شككنا أنها ستحرق دارك ثم أن الله صرفها عنها
الإمام الحسن (ع) وملك الروم
سأل ملك الرّوم الحسن بن عليٍّ عليه السلام عن سبعة أشياءٍ خلقها الله لم تركض في رحمٍ: فقال عليه السلام: أوّل هذه آدم عليه السلام، ثم حوّا، ثم كبش إبراهيم، ثم ناقة صالحٍ، ثم إبليس الملعون، ثم الحية، ثم الغراب الذي ذكره الله في القرآن.
ثمّ سأله الملك عن أرزاق الخلائق؟ فقال عليه السلام: أرزاق الخلائق في السّماء الرّابعة، تنزل بقدرٍ وتبسط بقدرٍ.
ثمّ سأله عن أرواح المؤمنين: أين يكونون إذا ماتوا؟ فقال عليه السلام: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كلّ ليلة جمعةٍ - وهو عرش الله الأدنى - منها يبسط الله الأرض وإليه يطويها، ومنها المحشر، ومنها استوى ربّنا على السّماء والملائكة.
ثمّ سأله عن أرواح الكفّار: أين تجتمع؟ فقال عليه السلام: تجتمع في وادي حضر موت وراء مدينة اليمن، ثمّ يبعث الله نارا من المشرق وناراً من المغرب، ويتبعها بريحين شديدتين، ويحشر النّاس عند صخرة بيت المقدس، فيحشر أهل الجنّة عن يمين الصّخرة ويزدلف المتّقون، وتصير جهنّم عن يسار الصّخرة في تخوم الأرضين السّابعة، وفيها الفلق والسّجّين، فيعرف الخلائق من عند الصّخرة، فمن وجبت له الجنة دخلها، ومن وجبت له النّار دخلها. وذلك قوله تعالى: (فريق في الجنّة وفريق في السعير)
تواضعه وسخاؤه
كثيرة هي الصفات الحميدة التي اتصف بها إمامنا الحسن المجتبى عليه السلام، لكن أبرزها وأكثرها وقعاً في التاريخ، هي تواضعه وسخاؤه وكرمه، بحيث لم يتمكن حتى الرواة المعادين لأهل البيت والمقربين للحكام الظلمة، إلا أن يذكروا من تلك المكرمات والأيادي البيضاء لهذا الامام الهمام.
ومما جاء في كتب السيرة انه عليه السلام مرّ على جماعة من الفقراء قد وضعوا على وجه الارض كسيرات من الخبز، كانوا قد التقطوها من الطريق وهم يأكلون منها، فدعوه لمشاركتهم في اكلها فأجاب دعوتهم قائلاً: "ان الله لا يحب المتكبرين". ولما فرغ من مشاركتهم دعاهم لضيافته فأغدق عليهم المال واطعمهم وكساهم.
ومن سخاء وكرم الامام الكثير من الشواهد والقصص، تدل على أنه عليه السلام يعلمنا أن هدف المال هو لكسوة عريان أو إغاثة ملهوف أو سد دين غارم أو سد جوع جائع، وقد قيل له مرة: لأي شيء لا نراك ترد سائلا؟ قال عليه السلام: (اني لله سائل وفيه راغب، وانا استحي ان اكون سائلا وأرد سائلا وان الله عودني عادة: ان يفيض نعمه عليّ وعودته ان أفيض نعمه على الناس، فأخشى ان قعطت العادة ان يمنعني العادة)!
ومما ينقل عن كرمه اللامحدود، أن جاءه اعرابي سائلاً: فقال:(اعطوه ما في الخزانة) وكان فيها عشرة الاف درهم.
فقال له الاعرابي: يا سيدي هلا تركتني ابوح بحاجتي وانشر مدحتي؟! وكأن الإمام عليه السلام يجيبه:
نحن أناس نوالنا خضلُ يرتع فيه الرجاء والأملُ
تجود قبل السؤال انفسنا خوفاً على ماء وجه من يسلُ
لو علم البحر فضل نائلنا لغاض من بعد فيضه خجلُ
فسلام عليك يا أبا محمد في يوم مولدك السعيد، وجعلنا الله من الموفقين للسير على نهجك وسيرتك وسيرة المعصومين الأربعة عشر، انه ولي التوفيق.