قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

هل الجدال منهيٌ عنه ؟
*يونس الموسوي
جرى النهي عن الجدال في أكثر موقع ومنها الجدال في الحج، حتى ظن المسلمون أن الجدل محرم في الإسلام فهل هو كذلك؟
في كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله) قال أبو محمد العسكري ذُكر عند الصادق (عليهما السلام) الجدال في الدين وأن رسول الله والأئمة المعصومين (عليهم السلام) قد نهوا عنه فقال الصادق (عليه السلام): لم ينه عنه مطلقاً ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن أما تسمعون قول الله تعالى: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" وقوله تعالى: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (تفسير نور الثقلين/ ج2، ص27).
هذه الرواية طويلة ويذكر فيها الإمام الصادق (عليه السلام) كيف أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاجج أهل خمسة أديان هم اليهود والنصارى والدهرية والثنوية ومشركوا قريش وهي من المحاججات التاريخية التي أظهرت عجز وضعف حجة أصحاب تلك الأديان أمام منطق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكيف يحرم الله الجدال وهو موجود في القرآن الكريم: "وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"، فجعل علم الصدق والإيمان بالبرهان، ولايؤتى البرهان إلا بالجدال.
وفي آية أخرى يجادل الله العزيز أولئك الذين يشكون بالبعث وانه كيف يبعث العظام وهي رميم فقال الله في الرد عليه: "قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ" فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال: كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم؟ قال الله تعالى: "قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ" أفيعجز من إبتدأ به من لاشيء أن يعيده بعد أن يُبلى؟ بل إبتداؤه أصعب عندكم من اعادته.
ثم قال: "الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا" أي إذا كان قد كمن - كمن الشيء: خفى- النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب يستخرجها، فعرّفكم انه أقدر على إعادة ما بلى، ثم قال: "أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ" أي إذا كان خلق السموات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي، فكيف جوزتم من الله خالق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم، ولم تجوزوا ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟! فقال الصادق (عليه السلام): هذا هو الجدال بالتي هي أحسن لأن فيها قطع عذر الكافرين وإزالة شبههم، وأما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقاً لايمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله، وانما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق، فهذا هو المحرم لأنك مثله، جحد هو حقاً وجحدت أنت حقاً آخر... (تفسير الإمام العسكري(ع)).
وعلى خلاف ما هو متصور من حرمة الجدال في الحج، فإن الجدال المذكور في القرآن ليس هو الذي نعرفه ونقصده في الحوار بين إثنين وإنما هو قول الرجل (لا والله) و(بلى والله) فهذا هو الجدال في الحج فإن قالها ثلاثاً فعليه الدية وهناك روايات واردة في هذا المجال ومنها: عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله كثيراً وقلة الكلام، إلا بخير فإن من تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير كما قال الله عزوجل، فإن الله عزوجل يقول: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولافسوق ولا جدال في الحج)، والرفث هو الجماع، والفسوق هو الكذب والسباب، والجدال هو قول الرجل (لا والله)، و (بلى والله)، واعلم أن الرجل إذا حلف بثلاث أيمان ولاء، في مقام واحد وهو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه ويتصدق به وإذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل وعليه دم يهريقه ويتصدق به وقال: إتق المفاخرة وعليك بدرع يحجزك عن معاصي الله فإن الله عزوجل يقول: "ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق" قال أبو عبدالله: من التفث أن تتكلم في إحرامك بكلام قبيح فإذا دخلت مكة وطفت بالبيت وتكلمت بكلام طيب فكان ذلك كفارة قال: وسألته عن الرجل يقول: (لا لعمري) و (بلى لعمري)، قال: ليس هذا من الجدال إنما الجدال لا والله وبلى والله. (الكافي، ج4، ص43).
وللمزيد من التأكيد على أن الجدال المحرم في الحج هو القسم بالله وليس الجدال المتعارف لدينا وقد جاء في الحديث: عن أبان بن عثمان عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهم السلام) قال: إذا حلف ثلاث ايمان متتابعات صادقاً فقد جادل وعليه دم وإذا حلف بيمين واحدة كاذباً فقد جادل وعليه الدم. (نفس المصدر).
وهناك جدال منهي عنه، وهو الجدال الذي لايزيد الإنسان إلا بعداً عن الإيمان والمعرفة، وعندما يكون المرء قليل المعرفة في الدين ويريد الجدال في القرآن وآياته وغير ذلك من المعارف الدينية فإنه قد لايصل إلى نتيجة، بل يزداد شكوكاً وارتباكاً في عقيدته، فالأفضل لمثل هذا أن يتخلى عن الجدال ويذهب للتعلم على يد العلماء والحكماء قبل أن ينخرط في مسائل الجدال وقد ذكر الله عزوجل هذا النوع من الناس الذين يقحمون أنفسهم في مسائل الجدال التي تخص الدين وهم غير قادرين على الاجابة عنها فالله سبحانه وتعالى يقول: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ" (الحج/ 8) وفي آية أخرى هم يجادلون في آيات الله، وهؤلاء كما ذكرهم رب العزة لايملكون علماً يجادلون به ولم يتوصلوا إلى المعرفة عن طريق الهداية وليس لديهم كتاب مقدس يعتمدون عليه في نقاشهم وجدالهم، من هنا فأن طرق المعرفة التي يذكرها الله عزوجل هي: أولاً: العلم، وثانياً: الهداية، وثالثاً: الكتاب.
والفرق بين الهداية والكتاب: هي أن بعض الناس من الأميين الذين لم يدرسوا ويقرؤوا ويعرفوا الكتاب يصلون إلى معارف جوهرية في حياتهم نتيجة الإيمان، لأن الله يقذف في قلوبهم نور الإيمان.
وهناك من يصل إلى المعرفة عن طريق الكتاب المقدس، ففي الكتاب جميع علوم الدنيا والآخرة، ولكن فيه عمق لايصل إليه أي أحدٍ من الناس، سوى ذلك المتلهف للقرآن ولمعارفه والذي قد يطيل التدبر في آية واحدة مدة شهر أو شهرين أو حتى سنة، فهذا متعطش للقرآن وكلما أخذ منه يطمع بالمزيد، فهو لابد أن يصل إلى معرفة ليست لدى آخرين، لأنه يتلقى العلم من الله عزوجل.