قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
عن فاطمة، أحدّثكم
من كلمات آية الله السيد هادي المدرسي
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة (1)
عن فاطمة الزهراء اتحدث إليكم...
ليس سهلاً علي الدخول الى محراب فاطمة فهنا منبع السيول، وهنا منتهى النبوآت، وهنا ملتقى البحور، بحر العلم وبحر الايمان وبحر المحبة وبحر الشجاعة وبحر الزهادة وبحر الاخلاق، ترى من يجرؤ على السباحة في مجمع التيارات؟ ومن يستطيع ان يسبر غور البحور؟ ومن يمكنه أن يحمل في ملعقة صغيرة مياه المحيط؟ ومن يمكنه ان يطير في السماوات من دون جناح؟ ومن يمكنه ان يمسك الافق باصابع يديه؟
هل يمكننا ان نعرف حقيقة فاطمة وقد قال عنها رسول الله (ص): (يا فاطمة ما عرفك إلا الله وأنا)؟ وهل يمكننا أن نعرف السر المستودع فيها وقد قال ربنا في حديث قدسي مخاطباً نبيه الكريم: (لولاك لما خلقت الافلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما، فاطمة هي ثمرة وهي ثمرة الثمرة، وهي الروح وهي روح الروح، وهي حقيقة الجوهر وهي جوهر الحقيقة، هي فاطمة).
(2)
ولدت وعاشت في أجواء النبوة، ونهلت منها وشعت عليها وامتدت بها وعبرت عنها فكان موقعها من النبوة موقع المشكاة من المصباح منها يخرج النور وإليها يعود النور وبها يتمسك من يبحث عن النور، معها الطريق واضح لأنها هي النور وبدونها لا شيء غير الظلمة والعتمة والديجور.
ولدت في زمن المعاناة فأهل مكة كانوا يقاطعون أباها وأمها ويقاطعونها وماتت في زمن المعاناة وأهل المدينة كانوا يقاطعون زوجها وأولادها ويقاطعونها.
فتحت عينيها على الحياة والعالم تلفه الجاهلية الأولى، اما هي فكانت تحتضن الايمان، وعندما غمضت عينيها عن الحياة كان العالم تلفه الجاهلية الثانية، أما هي فكانت تحتضن الإيمان... لقد كانت فاطمة ما بين الولادة الصعبة وهذه الشهادة الأصعب، هي المشعل الذي ينير ماحوله ولا يحتاج الى شيء يستنير به.
من ينكر فضلها وهي سيدة الفضائل فهو يفضح جهله أو يكشف عن حقده أو يظهر فسوق روحه، بحق أقول لكم: إن من لا يحب فاطمة لا يحب الحق، ومن لا يحب فاطمة لا يحب الفضيلة، من لا يحب فاطمة لا يحب الصدق، من لا يحب فاطمة لا يحب العزّ، من لا يحب فاطمة لايحب الكرامة، من لا يحب فاطمة لا يحب الوفاء، من لا يحب فاطمة لا يحب الاخلاق... إن فاطمة هي الفضائل والمناقب والمحاسن والمواهب والأخلاق والمبادئ والقيم جميعاً.
كانت فاطمة الخط الفاصل بين حدين: بين أولئك القلّة الذين حملوا الإسلام مشعلاً ورفعوه بجهودهم وجهدهم ودموعهم ودمائهم، واستمروا في ذلك حتى النفس الأخير، وبين الكثرة الذين انتفعوا بالاسلام ورأوه مغانم ومنافع ومصالح وكراسي حكم، وسيوف سلطان.
كانت فاطمة، الحدّ الفاصل بين الذين آمنوا خوفاً من السيف وطمعاً في الدنيا، وبين الذين آمنوا خشية من الله وطمعاً في جنته، كانت الحد الفاصل بين المسلمين وبين المستسلمين، بين الذين كانوا يريدون تثبيت مغانم الحق وبين الذين كانوا يريدون تثبيت مغانمهم، كانت الحد الفاصل بين أهل الدنيا وبين أهل الآخرة.
(3)
لم تكن فاطمة ابنة الدنيا حاشاها، ولم تكن فاطمة ابنة الدنيا، بل كانت ابنة الجنة، من جنة عدن جاءت الى الأرض والى جنة عدن عادت في السماء وفي دنياها لم تهتم إلا بما يتعلق بمبدئها ومعادها فلم تبحث عن قوارير العطور أو مراود المكاحل أو رياش الخضاب، بل بحثت عن الدعاء، عن الصلاة، عن الخير، عن تحمل المسؤولية، لم تبحث عن الأموال والمغانم، بل بحثت عن الجهاد في سبيل الله ومقارعة الظالمين والتنمّر في ذات الله، عندما تقدم لها الإمام علي ليتزوجها قالت لها بعض النسوة: يا فاطمة إن علياً يتزوجك وهو منصرف للجهاد ومشغول بعبادة الله، فإزدادت به تعلقاً لأنه منصرفاً للجهاد ومشغول بعبادة الله، وقالوا لها: إن علياً رجل فقير يتزوجك على درع وهو يرقع مدرعته ولا يكتنز من دنياه قمراً ولا يعدّ لبالي يوميه ثوبا، فتزوجته لأنه فقير وقد وهب الله له حبّ الفقراء وجعله يرضى بهم اتباعاً ويرضون به إماماً حقاً.
إنها ابنة الجنة لا تهتم إلا بكل ما يقربها الى معدنها الأول ومعادها الأخير، أما الدنيا فقد طلقتها فاطمة مليون مرة، لقد علمتنا فاطمة أن الصمت على الباطل باطل، وأن نصرة الحق حق، وأن أداء الواجب واجب، وأن حمل راية الجهاد جهاد، علمتنا أن السيف حتى لوكان في غمده فهو سيف وأن الكنز حتى لو كان في مخبأه فهو كنز، وأن النار حتى لو كانت تحت الرماد فهي نار، وأن الشمس حتى لو كانت وراء الغيوم فهي شمس، وأن العكس بالعكس، الباطل حتى في قالب الحق باطل، والمزبلة حتى فوق مائدة الطعام مزبلة، والخشب حتى في غمد السيف خشب، والنفاق حتى في مظهر الإيمان نفاق.
فاطمة هي الميزان، هي الحقيقة، هي الكوثر، أما أعداؤها فباطل الأباطيل وقبض الريح.