قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الغدير عيد يتجدد بكل معانيه
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *ضياء باقر
عيد بأية حالٍ عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ
إنه بيت للشاعر المصقع أبي الطيب المتنبي يخاطب فيها العيد، ولو أخذنا هذا البيت من الشعر وحولنا المعنى الى عيد الغدير الذي نعيش أيامه وخاطبناه، فهل نجد انه يعاد بما مضى أو لأمر جديد؟
وتعتمد الإجابة على فهم معنى يوم الغدير وما هو المطلوب من إحيائه، فهل تتمثل في المبايعة فقط والتي تمت في يوم الغدير، ولما تستقر في قلوب جميع المبايعين؟ أو المطلوب من الإحياء هو الاتيان بأمر جديد وهو تجديد البيعة لأمير المؤمنين (ع) والثبات عليها مهما كلف الثمن، والتي تمثل اليوم بالبيعة الحقيقية في وقت ظهور الامام القائم (ع)؟ ثم هل نحن بالمستوى المطلوب بعد أن نعرف أسباب نقض البيعة للإمام علي (ع) في وقتها، حتى يعلم المجتمع الاتجاه الصحيح؟
إن إبعاد الإمام علي (ع) عن منصبه الرباني بسبب عدة فئات منها كانت تهدف الى المناصب السياسية لتحقيق حب الرئاسة وحب الجاه الساري في نفوسهم وفئة غلبت عليها مصالحها الشخصية والتي كانت تتناغم مع من يريد ان يتسنم المنصب السياسي بحب الجاه وفئة حاقدة وحاسدة لمكانة الإمام، فلا يهمها من يكون ما دام إنه ليس الإمام علي بن أبي طالب (ع) وفئة ضعيفة سلمت أمرها بيد غيرها ولسان حالها يقول: (مالنا والدخول بين السلاطين)، وفئة جاهلة لم تكن بالمستوى المطلوب الذي يؤهلها لأن ترتقي لفهم حقيقة العقيدة ولم تعرف معنى غياب الولي عن تسلمه القيادة الإلهية، فنتج من هذا وذاك مجتمع سُلبت منهم القيادة الصحيحة وهم يتفرجون ولم يساندوا الإمام (ع) في قضيته العادلة، ولم يؤازروه إلا القلة القليلة أمثال ابو ذر وسلمان وعمار وغيرهم من الذين كانوا حجة على غيرهم ومصداقاً للآية: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه".
وقد اشار الإمام الهادي (ع) في زيارة يوم الغدير مخاطباً جده أمير المؤمنين (ع) قائلاً: (وحال بينك وبين مواهب الله لك) الى أولئك الذين نقضوا بيعتهم وحالوا بين الإمام (ع) وبين الحق الذي وهبه الله تعالى له بخلافة الرسول (ص) في إدارة شؤون الأمة والبلاد يوم غدير خم، وما أصطفى له في هذا المجال دون غيره، وما آل إليه الأمر جراء حيلولتهم دون تحقق هذه المواهب، حتى بقي الإمام (ع) مدة 25 سنة بعد رسول الله (ص) مقصى عن الحكومة، بسبب مؤامرات اولئك الذي نقضوا عهودهم معه ومع رسول الله (ص) بل مع الله تعالى، وكانت النتيجة حرمان الأمة من خليفة لو حكم فيهم بعد النبي (ص) لكان استمراراً لحكومته (ص) بكل جوانبها، بعدالتها ومساواتها بين الناس، و لوسّع من دائرتها بالنحو الذي يحقق رضا الله تعالى في أمن وطمأنينة المجتمع.
ولقد تجلت عظمة أهداف الغدير في المدة القصيرة التي حكم فيها أمير المؤمنين (ع) عندما آلت إليه الخلافة بعد ثورة الناس وقتلهم عثمان. فحق للغدير أن يكون عيداً عظيماً للمسلمين بل للبشرية جمعاء. واذا تسلسلنا بالغدير الى سائر الائمة (ع) نجد نفس المواقف، كالإمام الحسن والحسين (ع) وهكذا بقية الائمة الذين عملوا على رقي الفرد والمجتمع وايصاله الى المستوى الذي يعرفوا من خلاله القيادة الصحيحة وهي القيادة المعصومة والربانية، وابتعادهم عن القيادات المزيفة التي لا يهمها إلا مصالحها، ولا تستند إلى اساس ديني بحيث لا يصمدون أمام المغريات وبخاصة حبّ الرئاسة وحبّ الجاه الذي هو أكبر من حب المال، فضلاً عن الدستور الذي يسيرون عليه والذي لم يكن إلا عبارة عن إطروحات وضعوها هم لقيادة المجتمع والتي لا يلبث أن تثبت فشلها بعد مدة من التطبيق لأنها صادرة من البشر القاصر وليس من الله الحكيم القدير.
وهكذا نجد ظهور قادة بنظريات جديدة، لكن الأمة تصاب بالفشل والتخلف بعد أن تعقد الأمل على نظريات تعتقد أنها تحل مشاكلهم، ولكن الأمر يزداد سوءاً يوماً بعد يوم مادام لم يرتكز على قادة ربانيين ودستور إلهي وهكذا الحال الى أن يصل الأمر الى عهد الظهور، وحكومة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)، والذي هو غائب اليوم عن المجتمع لقصورهم، ولو كان المجتمع بمستوى تحمل المسؤولية والأمانة الإلهية لما استمرت الغيبة طيلة هذه الفترة.
وقد اثبتت المجتمعات جيل بعد آخر فشل كل القادة غير الممحصين والماديين، ولعل هذا أحد أسباب تطلع المجتع الى قائد حقيقي ينقذهم مما هم فيه ويحل مشاكلهم والتي اصبحت اليوم مشاكل عالمية ودولية، بعد أن كانت محصورة محلياً واقليمياً، فأصبح الامر بحاجة الى قائد فعلي تتطلع إليه الأمة بكل طوائفها وبخاصة بعد فشل كل الإطروحات المادية والعلمانية في تحقيق الحرية والرفاهية لبلادها، فكلما جاءت قيادة وضعت إطروحات جديدة وألغت التي قبلها وهكذا هو المنوال حتى خيّمت أجواء الكآبة واليأس والاحباط على الشعوب، بسبب الانتشار غير الطبيعي للوعود بالحرية والديمقراطية الحقيقية والرفاهية والسلام.
فاذا كان المسلمون ملتزمون ببيعتهم لأمير المؤمنين (ع) في غدير خم، لما كنّا نحتاج طيلة العهود الماضية الى التجارب الفاشلة التي دفع المسلمون ثمنها غالياً جداً، فسالت الدماء الزكية، وقامت أنطمة حكم ظالمة، وتعرضت مفاهيم وقيم للتغييب، وحورب علماء ومجاهدون مخلصون و....
لكن لو حكم أمير المؤمنين (ع) بعد النبي (ص) لانتعشت كل الشعوب وعاشت الأمن والسلام والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية، وهكذا لو تسلم بعده الأئمة عليه السلام.
ماذا يعني يوم الغدير في وقتنا؟
اليوم، وعند إحياء يوم الغدير، يجب أن نضع أنفسنا وكأننا نشهد ذلك اليوم وكأن النبي (ص) ينادي أمامنا: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ونبايعه بقبولنا ولايته والتي تمثل اليوم ولاية ابنه المنتظر (عج)، وهذه البيعة تعني أننا مستعدون لقبول الولاية الإلهية والدفاع عنها و أن نكون بالمستوى المطلوب الذي يفضل المصلحة العامة على مصالحنا الخاصة، وأن نفهم بأن لا حل جذري للمشاكل إلا بقيادة من تنصيب السماء، أما لو بايعنا بلساننا فقط ولم نكن بذلك المستوى فسيبقى إمامنا غائباً، لأنه مطّلع على اعمالنا ولسان حاله يقول: لو ظهرت لكم لخذلتموني كما خذلتوا آبائي وأجدادي.
إذن، فعيد الغدير اليوم يمثل تجديد البيعة للإمام علي (ع) والثباة على ولايته ويمثل كذلك مبايعة كل أمة لإمام زمانها وهذا يعني أن بيعتنا للإمام علي (ع)، هي البيعة لكل الأئمة وللإمام المهدي (عج) أيضاً، ونبايعه بأننا على المستوى المطلوب الذي يحيل بيننا وبين الأهواء الشخصية والمغريات وحب المال والجاه ومن هنا ندرك إن عيد الغدير هو عيد للإنسانية جمعاء لأن الإيمان به وتجديد العهد للإمام وقيادته الربانية يمهد الطريق لقيادة حفيده المنتظر (عج) للعالم كله والذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فتنعم البشرية بالحرية الحقيقية والرفاهية غير المصطنعة، والأمن والسلام الدائم وتقتلع الفتن من جذورها.