قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

العلاقة العضوية بين عاشوراء و القرآن الكريم
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *السيد محمود الموسوي
يحاول البعض أن يجدّ في التفريق بين القرآن الكريم، وبين الإمام الحسين (ع) من خلال تكوين صورة سلبية للإمام، أو من خلال تحريف تأويل الآيات التي نزلت في الإمام الحسين (ع)، ويحاول البعض الآخر رداً على تلك الهجمة الظالمة أن يثبت العلاقة بينهما، من خلال طرق واساليب فنية وليست علمية، كأن يلجأ لحساب الكلمات أو الحروف التي تكوّن اسم الإمام الحسين أو لفظ كربلاء..!
هذه الطريقة لا تمت للمنهجية العلمية بصلة في الغالب، ويمكن أن يثبت من يتخذها أي صاحب دعوى لطرح دعوته بقطع النظر عن النتيجة، والحال أن العلاقة بين الإمام الحسين (ع) وبين القرآن حقيقة ناصعة لا تقبل التحريف ولا تحتاج إلى التكلّف:
أولاً: ان الإمام الحسين (ع) هو القرآن الناطق الذي لا يفترق عن هدى القرآن ولو قيد أنملة، بشهادة رسول الله (ص) عندما قال: (إني مخلف فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، والحديث متفق عليه، وهو يؤكد لنا أن الإمام الحسين هو ترجمان القرآن، وأن ما يقوم به من خطوات لهي آيات فعلية تتفاعل في ساحة الحياة.
ثانياً: بين الإمام الحسين (ع) منهجه من خلال القرآن الكريم في محطات مسيرته النهضوية، وأعلن للناس أنه (من قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق)، وقد تلى على أعدائه الآيات القرآنية لمزيد من القاء الحجة عليهم، وتلا الآيات لأصحابه تثبيتا لمواقفهم. وقد أقام القرآن الكريم وبذل مهجته في سبيل إعلاء قيمه ومعالمه.
ثالثاً: إن الآيات القرآنية قد نزلت في بيته عليه السلام، وقد نزلت فيه وفي أخيه وأمه وأبيه الكثير من الآيات، فسورة الإنسان كان أحد المعنيين بها، وسورة الكوثر كان نتاجها، وهو إحدى الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، وهو سبط من اسباط القرآن، وهو ابن الرسول ومن أهل بيته المطهرين بنص القرآن من كل رجس والمؤيد بالله، وغيرها الكثير من الآيات الصريحة في حق الإمام الحسين (ع).
وفي ساحة المواجهة وقبل ارتطام السيوف نشر الامام الحسين المصحف الشريف أمام جيش ابن سعد، وقال ما مضمونه: أيها الناس ان بيننا كتاب الله... وبذلك ألقى الحجة البالغة، فهم رفضوا حتى الاحتكام الى كتاب الله المجيد في قضيته الحقّة، وينظروا من هم على حق، أ هو أم يزيد، والمفارقة المحزنة في التاريخ حقاً، أن المسلمين رضوا بتحكيم القرآن الكريم بوجود حاكم شرعي جسّد العدل والانسانية ومعالم الدين، ألا وهو أمير المؤمنين، ليكون حكماً بينهم وبين معاوية الباغي. وحصل ما حصل فيما بعد. بينما الامام الحسين وقد اصبح في الزاوية الحرجة وفي ظل الحكم اللاشرعي للأمويين، فانهم تركوا الكتاب خلف أظهرهم، ومضوا الى حيث مصالحهم، وصدق الامام عليه السلام حين قال: (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يدورونه ما درّت معائشهم...).
لنراجع خطب وكلمات الامام الحسين عليه السلام في ظهر يوم عاشوراء، ولنراجع الخطب اللاهبة والبليغة للعقيلة زينب عليها السلام في الكوفة والشام، ونرى عمق الرابطة بين أهل البيت والقرآن الكريم، لقد كانت حجتهم القرآن، وتعبيرهم الآيات القرآنية. ومما تضمنته خطاباته البليغة الموجهة لأهل الكوفة، الآية الكريمة: "فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ" (يونس /71)، وقال عليه السلام: (هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعداً للقوم الظالمين)، والعبارة مقتبسة من الآية الكريمة: "كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (آل عمران /86).
ولابأس بالتطرق الى الاستشهادات القرآنية للعقيلة زينب في خطبتها اللاذعة التي وبّخت فيها أهل الكوفة بعد الواقعة، تقول: "كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ..." (النحل /92)، وقالت أيضاً عليها السلام: ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون. والعبارة مقتبسة من الآية الكريمة: ".... لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ" (المائدة 80).
وهنالك الكثير من العبارات والكلمات التي نطق بها الامام الحسين وأهل بيته في مسيرتهم النهضوية مقتبسين من القرآن الكريم، فهم القرآن الناطق، والتجسيد الحيّ له، وبهم ينطق الكتاب ويستنير المؤمنون، ومن يريد الفصل بينهم وبين القرآن الكريم، انما يسيء الى القرآن الكريم نفسه، من حيث يشعر او لا يشعر.