قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
يشكلون أربعة أخماس المجتمع و 50% من البطالة
سكان العراق.. (شباب) يجب استيعابهم وإشراكهم في وضع السياسات وصنع القرار
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة علي التميمي/ الهدى:
على مرّ التاريخ ، كان للشباب دورهم الحيوي والمفصلي في جميع المجتمعات، وعلى اكتافهم قامت الرسالات والحضارات، والثورات ايضا، التي ادت الى تغييرات جذرية على مسرح الحياة ومشاهدها السياسية والاجتماعية، وتأريخ وواقع الشعوب ولغاية اليوم شاهد على ذلك. وفي منطقتنا ما من شك أن عصر الشباب قد بدأ من جديد بفرض نفسه بقوة على سير الأحداث بزخم منقطع النظير، وبتيار جارف بلغ قوته حد إزاحة الأنظمة السياسية مهما كان جبروتها وشراستها، و التجارب الماضية والقريبة في العراق، وبالامس واليوم في تونس ومصر و في البحرين و ليبيا واليمن وسورية، لاتزال فصولها تتوالى ساعة بساعة لتثبت مدى قدرة وتأثير الشباب في معالم النظام السياسي والاجتماعي .وعل الرغم من هذه الطاقات الهائلة التي يجب استيعابها من اجل بناء وتطوير مجتمعاتنا ـ الا أن الشباب في دول المنطقة، وفي مقدمها بلدنا العراق، يعاني للاسف الشديد من مشاكل كثيرة تعترض طريقه، ومن بينها آفة (البطالة) والتهميش.
وعلى الرغم من عدم وجود احصاءات وطنية رسمية دقيقة عن عدد الشباب في العراق، الا انهم بنظر المحللين ذوي الاختصاص يشكلون النسبة الاكبر من عدد السكان، فيما يقول الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة في العراق أد ميلكيرت أن " أربعة أخماس السكان هم دون سن الخامسة والثلاثين ونصفهم أقل من 15 عاما". بحسب ما اورد مركز انباء الامم المتحدة التابع لموقع الامم المتحدة الرسمي على شبكة الانترنت في الثامن من الشهر الجاري. حيث دعا الى ضرورة "تلبية احتياجات الشباب العراقي" واضاف إن "الشباب يمثل 50% من معدلات البطالة، بالإضافة إلى أن أقل من 40% من الأطفال مسجلين في المدارس الثانوية، وهذه الإحصائيات ترسم صورة قاتمة للسكان الشباب مع محدودية الفرص في المستقبل". حسب قوله. موضحا في كلمة له مؤخرا امام مجلس الأمن الدولي بنييورك إن العراق "بينما يشهد تقدما ملحوظا في الأشهر الأخيرة، فأنه ما زالت هناك العديد من التحديات، العراق قد حقق قفزات واسعة في الانتقال الديمقراطي على مدى السنوات الأخيرة، و المواطنين العراقيين يطالبون الآن بالأرباح التي وُعِدوا بها من قبل قادتهم". وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق ذكرت في في بيان لها بمناسبة يوم الشباب العالمي في 12 أب 2010 إن "عدد الشباب في العراق دون سن 19 سنة يبلغ نحو نصف سكان البلاد تقريباً مما يجعلهم ثروة كبيرة من شانها تحقيق مستقبلاً أفضل للعراق" بحسب نائب الممثل الخاص للامين العام في العراق كرستين ماكناب مشيرة إلى "ضرورة بذل جهود واستثمارات كبيرة في قطاع الشباب لجعلهم قادرين على قيادة البلادة في المستقبل". وفي تقرير اخر صدر في نفس الشهر قالت الأمم المتحدة أن معدل البطالة بين الشباب يبلغ 30% وهو ضعف المعدل الوطني.في حين أظهر مسح ميداني مشترك أجرته جهات عدة عراقية وأجنبية عدة بينها ووزارة التخطيط والتعاون الإنمائي وزارة الثقافة والشباب بحكومة إقليم كردستان وصندوق الأمم المتحدة للإسكان والمشروع العربي لصحة الأسرة في جامعة الدول العربية، للفترة من 15 نيسان ولغاية 10 أيار 2009، أظهر أن نسبة الشباب من مجموع السكان في العراق تتجاوز (40%)، فيما كانت النسبة في إقليم كردستان العراق نحو (37%). الى ذلك كشفت دراسة مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية أن فاتورة البطالة العربية تبلغ سنويا 50 مليار دولار وأن 25% من شباب المنطقة يعاني من البطالة. مشيرة إلى أن حل هذه المشكلة يقتضي معالجة شاملة ومشاركة واسعة النطاق لكل الجهات المعنية والحكومات وأصحاب الأعمال الخاصة ومقدمي خدمات التعليم والمجتمع المدني والطلاب . وركزت الدراسة بوجه خاص على تسع دول تمثل مختلف مستويات الدخل والتنوع الجغرافي والسكاني للمنطقة في كل من مصر والعراق و السعودية والجزائر، والأردن، والمغرب وعُمان واليمن والأراضي الفلسطينية.ولفت التقرير إلى أن التحديات الأخرى تتمثل في الضغوط التي سيضيفها سوق العمل على مدى الأعوام المقبلة، حيث إن ثلث مجموعة السكان تقريبا تحت سن الخامسة عشرة في الوقت الحالي، والثلث الثاني يتراوح عمره بين الخامسة عشرة والتاسعة والعشرين عاما، ونتيجة لذلك فإن عشرات الملايين من الشباب سينضمون إلى القوى العاملة في المنطقة على مدار السنوات العشر القادمة، وسيحتاجون إلى البحث عن وظائف سواء في وطنهم أو في الدول الأخرى.
التحديات التي واجهت شريحة الشباب العراقي على مدى عقود، ولغاية اليوم كبيرة ومتنوعة، بدءاً من الحروب العبثية لنظام البعث، او مواجهتهم بسياسة الاضطهاد وآلة القمع والسجن والتنكيل ومحاصرتهم ثقافيا، ومن بعد وعلى مدى عقد من الزمن واجه من هم (شباب اليوم) تحديا وظرفا قاسيا اخر حيث الذين ولدوا تحت وطأة العقوبات الاقتصادية على الشعب العراقي، فضلاً عن عيشهم في ظل أجواء يشوبها العنف والبطالة وترك التعليم، وهو ماكان مستمرا ايضا الى وقت قريب في سنوات مابعد التغيير، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى ضرورة بذل جهود كبيرة لتحسين واقعهم، والعمل على وضع برامج وخطط عمل مدروسة للاستفادة من طاقات الشباب كافة لتحقيق أهداف التمنية في العراق، وإلى إشراكهم في وضع السياسات والبرامج وصنع القرار التي من شأنها أن تعود بالنفع على البلاد في المستقبل، و توجيه هذه الطاقات بشكل صحيح حتى لاتتحول نتيجة الاحباط والشعور بالغبن والتهميش إلى حقول الغام متفجرة اجتماعيا وسياسيا او الوقوع في حواضن العنف و الإرهاب.
إن على الدولة وقادتها في العراق او باقي البلدان، إذا ما أرادوا المحافظة على الاستقرار، ومواكبة أمواج التغيير، وتطوير مؤسسات الحكم لاستيعاب كل ما هو جديد، واحتواء المد الشعبي، أن يمتصوا او بعبارة ادق يستوعبوا ويستثمروا ويوجهوا بشكل ايجابي حماس الشباب ومطالبهم سواء الاجتماعية والمعيشية او السياسية، وانتشارهم السريع والواسع، قبل فوات الأوان، وحتى لا يفاجؤوا بالصدمة والدهشة وارتفاع سقف المطالب التي باتت سمة عصرية، ومعاييرها أصبحت نمطية ومقبولة على مستوى العالم. ولكن يجب التنبيه والتحذير من أن تكون سياسة احتواء الشباب واستيعابهم والتناغم مع حجم طموحاتهم على درجة عالية من الشفافية والمصداقية والجدية، وليست مجرد شعارات أو إبر مخدرة أو شكليات للمجاملة او كسب اصواتهم فقط، فشباب اليوم أصبح على قدر كبير من الوعي والجرأة، وفي نفس الوقت على درجة مهمة من الحساسية والثقة بالذات ومحورية قيمة الكرامة والعدل في تفكيره وثقافته، وسوف يستشعر مؤشرات التعامل معه إن كان جاداً ومسؤولاً، أو أنه مجرد تكتيك وتسويف !.
قد يكون الفقر والظلم والبطالة والفساد عناوين الثورات العربية ذات الواقع الاقتصادي المؤلم، وقد تكون شرارة الانفجار في بعض الدول هي البحث عن لقمة العيش اليومي والفكاك من قيد الفقر ، هما عاملان مشجعان على الانتفاضة، ولكن مثل هذه التبريرات سرعان ما تصطدم بواقع واحد يشمل العديد من الدول،فهناك نوع آخر من الجوع يشمل عموم الشعوب العربية، ويتمثل في الإحساس بقيمتها الإنسانية وكرامتها، وحقها في المشاركة في اتخاذ القرار، واستشعارها بأنها من المقومات الأساسية في بلدانها بعد قرون من التهميش والإهمال، واعتبارها مجرد رعية يجب أن تسمع وتطيع، وهذا الشعور بدأ يسري في نفوس الشباب أكثر من أي وقت مضى، ويجب أن يكون لها وقع خاص ومكان بارز وحقيقي في بناء المستقبل دونما تأخير أو تردد.