قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
الافتتاحية
الواقع الثقافي
محمد طاهر محمد
هناك مثل قديم في تراثنا العربي يقول: (لأمرٍ ما جَدَعَ قصير أنفه) ويضرب هذا المثل في من يستعمل الحيلة لنيل مرامه، وأول من أطلق هذا المثل هي (الزِباء) لما رأت قصيراً مجدوعاً، أما قصة هذا المثل فقد روي أن أبا الزباء وهو الريان الغساني كان ملكاً على الحضر فقتله جذيمة الأبرش وطرد الزباء الى الشام فلحقت بالروم وبلغت من همتها أنها جمعت الرجال وبذلت الاموال وعادت الى دار أبيها ومملكته فأزالت جذيمة عنها وقتلته. وكان لجذيمة وزير اسمه القصير فاحتال في قتل الزباء فجدع أنفه وضرب جسده ورحل إليها زاعماً أن عمراً ابن أخت جذيمة صنع به ذلك وأنه لجأ اليها هارباً منه واستجار بها ولم يزل يتلطف لها بطريق التجارة وكسب الأموال الى أن وثقت به، فعلم خفايا قصرها ثم وضع رجالاً من قوم عمرو في غرائر – أي أكياس من صوف أو وبر – وعليهم سلاح وحملهم على الابل على أنها قافلة متجر الى أن دخل بهم مدينتها فحلّوا الغرائر واحاطوا بقصرها وقتلوها فعلمت حيلته وقالت المثل.
من يتمعن في الواقع الثقافي يجد أن هذا المثل ينطبق تماماً عليه، فثقافة الاستجداء والتملق التي مارسها أغلب المحسوبين على الثقافة في عهد النظام السابق لا تزال تمارس بأساليب أخرى، فهؤلاء الوصوليون يحاولون بشتى الوسائل أن يبرروا (ماضيهم المنقرض) متذرعين بأعذار واهية لما فعلوه، والأنكى من ذلك أنهم يمارسون نفس اللعبة في الوقت الحاضر بعد أن تصدروا عناوين الصحف والوظائف الثقافية واصبحوا هم من يتهم هذا وينزه ذلك بعد أن مرروا (بغرائرهم) دعاواهم الكاذبة و(بطولاتهم) المزيفة في عهد النظام السابق بهدف قتل الثقافة، فهم يعرفون كيف تسلك الطريق الى المناصب الثقافية دون أن يمروا بالثقافة كما عرفوا كيف يجدعون أنف ماضيهم بتزلفهم ولتذهب الثقافة الى الجحيم.