قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
الدعاء في القرآن الكريم
دعاءٌ في الظلمات
*صادق الحسيني
"وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَعَلَيْهِ فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إلاَّ أَنْت َسُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ" (87الانبياء)
لو آمنّا بأنّ ربنا هو اقرب الينا من حبل الوريد و أنه علام الغيوب و أنه تعالى لا تخفى عليه الطلائع، نعلم أن لا أهمية احياناً للسان في الدعاء اذ أن التوجه القلبي يكفي لذلك و الرب سبحانه وتعالى برحمته الواسعة يستجيب الدعاء لأنه يعلم بحال الانسان.
و هو ما نجده في قصة ابراهيم الخليل (ع) وهو بين السماء و الارض و قد ترك من خلفه قوما آذوه و كذّبوه و هو متجه قسراً الى نيران اضرمت لحرقه، (فجاءه جبريل عليه السلام يسأله: يا إبراهيم! ألك حاجة؟ الوقت ضيق، ولا يوجد فرصة للكلام الكثير، فقال أمّا اليك...! فقال كلا. حسبي الله ونعم الوكيل. فاستقبله ميكائيل فقال: إن اردت أخمدت النار فإنّ خزائن الامطار و المياه بيدي، فقال: كلا، لا اريد، و أتاه ملك الريح فقال: لو شئت طيرت النار فقال: كلا، لا اريد، فقال جبرئيل: فاسأل الله... حينها قال كلمة عظيمة، هي محل شاهدنا: (حسبي من سؤالي علمه بحالي) 1
فقد يكون احياناً توجه القلب الى الله كافٍ لاستجابة الدعاء و ان كان الافضل هو توجه جميع الجوارح بما فيها اللسان.
نجد حتى في بعض ادعية القرآن أن الدعاء محذوف وكأنّ الداعين يقولون كما قال ابراهيم الخليل: (حسبي من سؤالي علمه بحالي) و منها قصة يونس (ع) الذي ارسل الى مائة الف او يزيدون وبعد قصة لا مجال لذكرها، ذهب مغاضباً من قومه وركب البحر حتى لقيتهم حوت عظيم، فأجروا قرعة، فوقعت عليه فالقوه في البحر، يقول ربنا: "فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ" (الصافات /141)، و التقمه الحوت وهو مليم.
هناك حيث لا قوة تنجي ولا استطالة تغني، و حيث لا احد بامكانه الوصول اليه فضلاً عن مساعدته إياه هناك حيث الظلمات... ظلمة الليل و ظلمة قاع البحر و ظلمة بطن الحوت.
حقاً إنّ للدعاء هناك طعما وللالتجاء معنى و للخضوع تجليا و للاستكانة عرفانا انها لحظة الانقطاع الى الرب تعالى و الاعتراف والندم عن ما سبق ورغم أنه كان معصوماً من الخطأ و منزهاً رغم ذلك يبقى الانسان محتاجاً الى الاستغفار.
و جاء النداء منه قائلاً: "فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" (الأنبياء /87)، فلم يطلب نبي الله يونس النجاة من بطن الحوت ولا البقاء على وجه الحياة و لا حتى الاستغفار و انما فقط كان دعاؤه تنزيهاً للمعبود و اعترافاً بالخطايا و الذنوب.
وتقول الآية التالية: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ" أجل... لم يكن هذا الأمر خاصاً بيونس، بل هو لطف يشمل كل مؤمن يعتذر من ربّه عن تقصيره ويسأله العون والمدد والرحمة فإنّ اللّه سيستجيب له ويكشف عنه غمّه.
فنداء الآية لأولئك المجاهدين القابعين في ظلمات السجون و ظلم الطاغوت، كما هو ايضاً لأولئك الموغلين في ظلمات الاهواء و المعاصي و الغارقين في الماديات و المحتاجين دائماً رحمة الرب المتعال لكي يدعو ربهم ويقولوا: "سبحانك اني كنت من الظالمين" و كما يقول الامام الصادق (ع) : (عجبت لمن اغتم، كيف لايفزع إلى قوله عزوجل: "لاإِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين"، فإني سمعت الله عزوجل يقول بعقبها: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ").
1بحار الانوار ج68ص156
---------------
------------------------------------------------------------
---------------
------------------------------------------------------------