قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
من المعاجز القرآنية
"صدره حرجاً يصعّد في السماء"
*إعداد / زكي الناصر
"فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ" (الأنعام /125).
الهداية، تُعد نعمة يمنّ بها الله سبحانه وتعالى على البشر، حيث الخروج من الظلمات الى النور، ومن التسافل الى سلّم التكامل الانساني، وكما إن لكل شيء ظرفاًَ يحتويه ويضمه، فان للهداية ظرفاً أيضاً وهو القلب والضمير الذي يصفه القرآن الكريم بـ(الصدر)، فهو يكون بمنزلة الأرض التي إن توفرت فيها عوامل الخصب والطيب، نمت فيها مفاهيم الدين والاخلاق، وإن افتقرت واجدبت، فانه من المتعذر ان تتجانس وتتقبل مع مفاهيم وقيم كهذه بأي شكل من الاشكال.
إن رحابة الصدر وسلامة القلب والسريرة من الأمور المفهومة والفطرية لدى الانسان، لأنه على صلة منذ نشأته الأولى بالقيم والمفاهيم الايجابية، ولذا عندنا في الاحاديث: (الانسان يولد على الفطرة)، أما الانحراف والخطيئة والغلظة فانها غير معروفة ولا مفهومة عند الانسان، إلا بعوامل موضوعية تطرأ عليه، لذا نجد القرآن الكريم يستخدم عبارة خاصة واستثنائية للتعبير عن الحالة المناقضة للهداية وهي الضلال، في كلمة تمثل لنا إعجازاً علمياً جديداً في القرآن الكريم، يُضاف الى ما توصلنا اليه من معاجز في اللغة والعلم ومختلف شؤون الحياة، في هذا الكتاب السماوي العظيم.
جاء في الآية الكريمة: " وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء"، اذا كان الضلال عكس الهداية، فان الصدر المنشرح بتوفيق الله تعالى عكس الصدر الضيق الأجدب، الذي يمتنع عن تلقي نور الهداية، هذا الصدر أو القلب أو النفس أو عبّر ما شئت، يكون في بعض الأحيان ضيّقاً لايحتمل أي عارض في الحياة، كأن تكون مشكلة أو نصيحة أو قضية تعاكس رغبته وهواه وتسبب له الازعاج.
ولأهمية هذه صفة الانشراح فان التحذير والتنبيه الإلهي لنا جاء من خلال مفردة استثنائية حقاً.. (يصّعّد)، فصاحب القلب الضيّق، يشبهه الباري عزوجلّ بمن يشعر بحالة الاختناق، والصعوبة الشديدة في التنفس..
وقد أثار هذا الموضوع الفقيه الراحل السيد محمد رضا الشيرازي (رحمه الله)، في إحدى محاضرات في معرض حديثه عن (سعة الصدر): (إن هذه الآية يعدها البعض من معاجز القرآن الكريم، وهي لم تكن مفهومة بهذا النحو عند المسلمين، حتى جاءت العلوم الحديثة لتتوصل الى ان الهواء في الطبقات الدنيا مضغوطة بشدة، وهو ما يمكننا نحن من استنشاق الهواء والاوكسجين، ولكن كلما ارتفعنا الى الأعلى، فان كثافة الهواء ستقل، وتبدأ الصعوبة في التنفس)، وهذا ما يفسّر لنا سبب تعرض ركاب بعض الطائرات بضيق التنفس، حيث يُقال لهم: إن الطائرة تعرضت لاختلال في الضغط الجوي، وربما تصل شدة الصعوبة في التنفس إلى حد الإغماء.
نعم.. هكذا يبين لنا القرآن الكريم ومن خلال فعل (يصّعّد) وهو من الافعال النادر استخدامها في الكلام، فهي ليست تأكيد وتشديد واحد، إنما تأكيد على تأكيد آخر.. فالذي لايتسم بالانشراح والانفتاح على الآخرين وعلى الهداية الربانية، يكون حاله كما يصفه كتابنا المجيد، دائم الضيق والكآبة ويشعر باستمرار بالاختناق، فهو يسير على الأرض، لكنه بالحقيقة ليس كذلك، إنما هو في الأجواء التي لايمكن لأحد التنفس فيها بسهولة، أما الانسان المنشرح والمتواضع والمهتدي، لايشعر بالارتياح والانشراح في صدره وقلبه فقط، بل يجد القدرة والقابلية على استيعاب الناس والعالم كله في صدره ولايجد في ذلك حرجاً.
1 / تطورات مناهج التفسير القرآني في القرن الأخير..رصد تاريخي مقارن ـ موسى الصدر ، أمان الله فريد. في كتاب المنهاج13، القسم الأول، ص36، ط1، مركز الغدير للدرسات.
2 / انظر المصدر السابق.
3 / مقدمة تفسير من هدى القرآن، ج1، ص10
4 / مقدمة تفسير من هدى القرآن، ج1، ص19، عن مجلة "كلستان قرآن" باللغة الفارسية، العدد43، سنة1421هـ
5 / من هدى القرآن، المقدمة ج1، ص25
6 / من هدى القرآن، ج1، ص 39، عن بحار الأنوار، ج24، ص185
7 / انظر بحوث تمهيدية، في مقدمة تفسير من هدى القرآن، ج1
---------------
------------------------------------------------------------
---------------
------------------------------------------------------------
1