قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
الدعاء في القرآن الكريم
"َيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً"
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *صادق الحسيني
(اللهم بك استعين في عسري و يسري و إياك ادعو رغباً ورهبا...)
حينما ارتشف رشفة من الماء فانني افعل ذلك رغبة بالارتواء و خوفاً من الهلاك عطشاً، و حينما اسدي خدمة الى صديق حميم فذلك طمعاً في ارضائه و خشية من سخطه و هكذا حين اذهب للعمل خوفاً من أن افتقر الى المال و رغبة في زيادته و حتى حين اطلب شيئاً فهو رغبة في حصوله و خشية عدمه.
اننا لو تأملنا قليلاً سنجد أن كل عمل نقوم به ليس الّا خوفاً او طمعاً و رغبة او رهبة، و اذ نتدرج من توافه الامور الى أعاظمها نرى أننا نصلي و نصوم ونحج و نزكي و نفعل الخيرات و نتجنب المحرمات كل ذلك رغبة و رهبة. يقول ربنا تعالى في وصفه لزكريا و اهله: "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" (الأنبياء /90) .
فالدعاء لا يخلو أما أن يكون لترغيب أو ترهيب و في الاساس من صفات المؤمنين كما ورد في الحديث انه يصوم رغباً ويصلي رهباً فما هو الذي يُرهب الانبياء و الصالحين و ماالذي يرغبون اليه؟
قد يكون المعنى أنهم يرغبون في الثواب طامعين في جنة الله التي فيها ما لذ و طاب من العطايا المادية و المعنوية و يخافون من عذاب الله راهبين من نار موقدة مؤصدة حامية.. وقيل لعل المراد الرغبة في الطاعة لا في الثواب و الرهبة من المعصية لارتفاع مقام الانبياء عن ذلك و هو ما يتجلى في قول مولى الموحدين وامير المؤمنين عليه السلام (ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك).
و مهما يكن فان الالتجاء منه اليه سبحانه فالرهبة منه و الرغبة اليه و الفرار منه اليه.. يقول ربنا تعالى: "عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ" (القلم /32)، ويقول تعالى: "وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ" (النحل /51)، واطلاق الكلمة العظيمة تدل على ان كل رغبة صغيرها و خطيرها كان الانبياء يدعون ربهم بها، فمن ملح الطعام الى الجنان و هكذا العكس، فمن مرض او ابتلاء الى النيران كانوا يبتهلون لربهم ليستجيب لهم، و هكذا تربطهم علاقة عرفانية مع ربهم، و من هنا حينما يدعو الانسان ربه الكريم في كل الموارد وفي كل زمان تتفتح له ابواب الرحمة، فمخطئ ذاك الذي لا يدعو الله و لا يعرفه الّا عند المصائب والنوائب بل و في الحديث القدسي: (اذكرني في ايام سرائك كي استجيب في أيام ضرائك) و هكذا يخاطب الله النبي موسى عليه السلام قائلاً يا موسى: (اذكرني على كل حال).
و درساً اخير نستلهمه من هذه الكلمة المباركة في آداب الدعاء هو أنّ الدعاء بالترغيب يكون باستقبال اليد الى السماء و الدعاء بالترهيب يكون بجعل ظهر اليد الى السماء كما في الحديث و لكن ذلك ايضاً لا يكون الّا بتوفيق منه عزوجل و لذلك نقرأ في الدعاء: (واجعلني ممن يسارع في الخيرات و يدعوك رهباً ورغبا واجعلني من الخاشعين).
نسأل الله ذلك .