قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
الشيخ كاشف الغطاء في ذكرى وفاته
القيادة الفذّة التي وحدت صفوف المسلمين
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة إعداد / جعفر ضياء الدين
هو الشيخ حسين بن علي بن محمد بن رضا بن موسى بن جعفر كاشف الغطاء من علماء الإمامية البارزين ممن ولدوا في النجف الأشرف سنة 1294 للهجرة. وليس غريباً عن شخص نشأ في عائلة عريقة في العلم والجهاد مهدت له الطريق ليكون مرجعاً للتقليد بعد وفاة أخيه الشيخ أحمد، حيث قلده جماعة من الناس في التبت وفي كل من الهند وأفغانستان وإيران ومسقط والقطيف والعراق.
ومن مناقبه وآثاره (رضوان الله عليه) مجموعة من الأعمال التي تركت بصمة لا زالت آثارها الى يومنا هذا من علم وعمل تمثلت بمجموعة من النشاطات على مختلف المستويات.
أولاً: المستوى العلمي
درس الشيخ علم الكلام والفلسفة على يد نوابغ من العلماء أمثال الميرزا محمد باقر الاصطبهاني، فأظهر قدرة علمية عالية أهلته لمرجعية التقليد وكانت حلقاته عامرة بالعلماء من جميع أنحاء العالم الاسلامي، كما درس على يد أكابر علماء مصر في القاهرة كشيخ الأزهر سليم البشري مما جعله ملماً بالعلوم فكان مؤلفاً في الفقه والأصول والفلسفة والكلام والأدب والتفسير وغيرها تتجاوز الثمانين والتي منها الآيات البينات، وأصل الشيعة وأصولها، والفردوس الأعلى، وغيرها.
ثانياً:نشاطه الاجتماعي والديني
قضى في ربوع سوريا ولبنان ومصر ثلاث سنوات، شارك خلالها في الحركة الوطنية ونشر فيها أمهات الصحف والمجلات مقالات نفيسة وقصائد بديعة.
سافر الشيخ كاشف الغطاء عدة مرات لتبليغ الرسالة وخدمة الدين والرد على المبشرين والملحدين، كما كان شاعراً كبيراً عرف بجزالة ألفاظه ورقة معانيه، وله قصيدة في رثاء الإمام الحسين (ع) حيث يقول:
نفس أذابتها أسى حسراتها فجرت بها محمرة عبراتها
وتذكرت عهد المحصب من منى فتوقدت بضلوعها هجراتها
كما أسهم سماحته أثناء وجوده في مصر بالتصدي للمحاولات التبشيرية التي تتعرض للنبي محمد (ص)، وتطعن به وبالقرآن الكريم، ففند كل ما رمي به الإسلام من افتراءات، وناقش النصارى في صلب معتقداتهم، وهذا ما أوقعه في بعض الحوادث التي كادت أن تودي بحياته أثناء حديثه في كنيسة في مصر. فعزم على مغادرة مصر أواخر صفر سنة 1331 للهجرة، فطلب إليه الشيخ محمد بخيت المفتي العام هناك بالبقاء الى نصف ربيع الأول لمشاهدة الحفلات التي تقام في عيد المولد النبوي، وبعدها رجع الى العراق في الكوت ثم الى النجف الأشرف لمزاولة أعماله في التأليف والتدريس.
ثالثاً: نشاطه السياسي
اقتدى في سيرته بالنبي (ص) والأئمة (ع)، فكان مقداماً شجاعاً وسجل العديد من المواقف ضد السياستين الأمريكية والبريطانية. كما وعرف باهتمامه بالقضية الفلسطينية حيث جعلها القضية الأولى في حياته وقد ناضل وجاهد وأفتى وحث الجماهير والأمة الإسلامية والعربية على الجهاد ولكن هذه النداءات لم تلقَ الاذان الصاغية حيث كانت الأمة العربية والإسلامية وحكوماتها تغط في نوم عميق. وقد شارك في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في فلسطين عام 1931، وحضره كبار علماء المذاهب الاسلامية من مختلف اقطار العالم الإسلامي، واعتلى المنصة ليلقي خطاباً تاريخياً على مسامع أكثر من مئة وخمسين ممثلاً من الأقطار الإسلامية، وبحضور أكثر من عشرين ألف مشارك، تناول فيها قضايا تهم الإسلام والمسلمين، وعلى رأسها وحدة المسلمين واستقلالهم ووجوب التصدي للمستعمرين والصهاينة والمحتلين.
وحدة المسلمين
كان للشيخ كاشف الغطاء دور بارز وكبير في بلورة فكرة الوحدة الإسلامية وايجاد السبل الكفيلة لتحقيق هذه الغاية العظيمة، حيث كان يعد الوحدة الطريق الذي تتحقق بالإرتكاز الى دعامتين: (كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة)، من خلال التنسيق بين المسلمين وعقد العهود والمواثيق بين العرب والمسلمين بعيداً عن أي تدخل أجنبي وهذا ما يفضي الى إيجاد قوة عظيمة مقابل الدول الأخرى ولكن هذه الدعوات ذهبت أدراج الرياح ولم يتحقق منها شيء.
مناهضته الإستعمار والتغريب
كان يناهض أشكال الممارسات الاستعمارية كافة، ويدعو الى التحرر والاستقلال حيث تزعم الحركة العشائرية في منطقة الفرات التي أطاحت بحكومة علي جودة الأيوبي.
ومن المواقف السياسية التي سجلها هو طرحه للمشاكل التي تخص عامة المسلمين حيث انتقد السياسة الاستعمارية البريطانية التي تتعامل بها مع العالم الاسلامي وعلى رأسها قضية فلسطين وحمّل بريطانيا مسؤولية الإعداد لإحتلال فلسطين من قبل الصهاينة وتشريد شعبها الى الدول المجاورة وكان ذلك خلال لقاء جمعه و السفير البريطاني في مدينة النجف الأشرف عام 1955. كما اعترض بوجه السفير الامريكي في العراق على السياسة الأمريكية ملقياً باللائمة على أمريكا في اغتصاب فلسطين وغيرها من الممارسات التي لا يمكن السكوت عنها.
كل ذلك حمله إلى أن ذاع صيته في البلاد الإسلامية وغيرها وتناولت أقلام الباحثين والمؤلفين إمامته وقيادته الفذة كما اتفق علماء الإسلام جميعاً وعلى اختلاف عناصرهم ومذاهبهم على الاقتداء بإمام من الإمامية مع تباعدهم عنها منذ عهود الإسلام الأولى وقد كان لهذه الإمامة والقيادة دوي في الشرق والغرب. فكان حقاًَ رائداً للوحدة وناهضاً بهموم الشعوب المغتصب حقها ومدافعاً عنها بكل ما أوتي من قوة.
للمرجع الراحل الشيخ كاشف الغطاء مؤلفات عديدة في الفقه والأصول والفلسفة والكلام والأدب والتفسير وغيرها تتجاوز الثمانين نذكر منها: الآيات البيّنات، أصل الشيعة وأصولها، الفردوس الأعلى، الأرض والتربة الحسينية، العبقات العنبرية، الاتحاد والاقتصاد، التوضيح في بيان ما هو الإنجيل، من هو المسيح، جنة المأوى، حاشية على التبصرة، حاشية على سفينة النجاة، حاشية على العروة الوثقى، الدين والإسلام، زاد المقلدين، سفينة النجاة، السياسة الحسينية، عين الميزان، المراجعات الريحانية، مقتل الحسين(ع)، الميثاق العربي الوطني، ديوان الشعر... وغيرها.
وفي آخر المطاف تعرض الشيخ لوعكة صحية أدخل على أثرها إلى مستشفى الكرخ في بغداد، ولكن صحته لم تتحسن، فقرروا نقله إلى مدينة كرند في غرب محافظة كرمانشاه الإيرانية، لغرض النقاهة، أملاً في شفائه، وبعد وصوله بثلاثة أيام توفي هناك، وذلك بتاريخ 18 ذي القعدة 1373هـ.