قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

القرآن الكريم بين الماضي والحاضر
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *السيد سجّاد المدرّسي
كتاب انزل على قلب نبي في وسط مجتمع امي لا يعرف القراءة والكتابة الا قليلاً.. انزل في مجتمع يسوده الجهل والتخلف، يسوده الغدر والخيانة و التكالب على السلطة بالطرق غير الشرعية عبر الغارات الليلية ونقض المواثيق المبرمة.
كتاب انزل على قلب ذلك النبي الرحيم ليخرجهم من الظلمات الى النور، وبالفعل فقد اخرجهم، وجعلهم خير أمة اخرجت للناس.
ولكن العالم اليوم قد تغير، فلسنا نركب الجمال للتنقل بين المدن، ولسنا نعيش بنفس الطريقة التي كان عرب الجزيرة العربية يعيشونها، لقد تطور العلم، نعيش اليوم في عالم الاتصالات السريعة و وسائل النقل النفاثة والتكنولوجيا المقتحمة لمعظم مجالات الحياة، وبكلمة في عالم يمتلك الحضارة.
ومع كل هذا، هل يمتلك القران الكريم القدرة على مجاراة تطور الزمان؟ أو هو كتاب قُدر ليكون تراثاً من الماضي فيه المعاجز البلاغية او الادبية والقصص التاريخية الممتعة؟!
لنلقي نظرة خاطفة على الحضارة في العالم اليوم، قبل ان نجيب على السؤال:
ما هي الحضارة؟
هل هي مجرد أبراج تناطح السحاب تضم عشرات الطوابق ؟ أو المصانع والمراكز الانتاجية المتنوعة والضخمة التي تبعث الابخرة والعوادم وتنتج السيارات والمحركات والطائرات والمعادن وتصنع الجسور والسدود وغير ذلك؟
ربما يكون البناء والاعمار والتقدم العلمي والتقني جزءاً من الحضارة، ولكنه جزء ضئيل، فالحضارة كلمة من أصل حضور الناس في مكان واحد والتعايش السلمي مع بعضهم البعض، وذلك يعني بناء الانسان المتعاون، والمعترف بحقوق نظرائه من البشر، وعدم التعدي على حقوقهم. فهل حضارة العالم اليوم تعكس التعريف الماضي؟
ان ما نراه اليوم في العالم على العكس تماماً، فنجد ان ثمانين بالمئة من الثرواث هي بيد خمس العالم، وذلك يعني ان سائر البشر يعيشون الامرين.
الا ترى ان سدس سكان العالم أي ما يزيد عن مليار من البشر يعيشون تحت خط الفقر؟ بالرغم من وفرة خيرات الارض التي خلقها الله تعالى لكل البشر، ولم يفرق بين الاسود والابيض، نجد المجاعة في الدول (النامية) او النائمة بتعبير افضل، وفي المقابل نجد ان الدول الغربية تتلف مئات الاطنان من الحبوب لتحافظ على القيمة السوقية للمواد الغذائية.
اما في التكالب على السلطة فلا تتحرج في الكلام عنه، لانه ادهى وأمرّ من التكالب عليها في الجاهلية الاولى، الا ترى كيف تنتقض المواثيق والعهود، وكيف تكون الائتلافات على شفا حفرة من النار والحروب ؟
هذه هي الصورة السريعة التي لم أشأ الدخول في تفاصيلها للحيّز الموجود، ولكن اقول ان حضارة اليوم هي نفسها الجاهلية الاولى جوهراً ولكن تختلف معها ظاهراً، فبدل السيف تستخدم القنابل الهيدروجينية، وبدل الخيل تستخدم طائرات (اف 35)، وبدل النبال تستخدم عابرات القارات وهكذا...
اذا كان الانسان هو الانسان و مشكلاته هي نفسها، التي كانت في سابق الازمان، فالقران الكريم هو نفسه اليوم قادرٌ على حل نفس المشاكل الموجودة، مهما استجد من تطورات، الا ترى ان شهوات الانسان هي نفسها لم تتغير، و حمياته لم تتبدل؟
والرب الذي خلق الانسان اعرف بحركاته وسكناته، بما يعمله بجوارحه او يختلجه في جوانحه، ولهذا الانسان والطبيعة وما حوله، انزل القران الكريم، ليهديه الى سواء السبيل. ففي هذا الكتاب من الافاق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية، ما لم يصل اليها انسان اليوم، وربما يكتشفها مستقبلاً.
يقول ربنا تعالى : "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل /89)، ففي هذا الكتاب بيان لكل ما يحتاجه الانسان في علاقته مع ربه، وعلاقته مع مجتمعه، وعلاقته مع الطبيعة من حوله، وبعد كل ذلك الهداية التي تعد النتيجة التي يرومها المسلم في الدنيا، لينال بها البشرى يوم القيامة.