قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
السيدة خديجة (ع) في ذكرى رحيلها..
مثال المرأة الواعية وقدوة الصبر والتضحية
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / شاكر حميد
عظيمة طاهرة نقية، سيدة ارتبط اسمها باسم أعظم العظماء وسيد المرسلين والأنبياء اشرف الخلق وأحبهم الى الله تعالى محمد (ص)، فكانت له شريكاً بالحب والمعاناة خففت عنه الآلام والمواجع، ساندته في تبليغ شرائع الرحمن وإعلان رسالة التوحيد، فاستحقت ان تكون أم المؤمنين الذين تفاخروا بها وبعظمتها، سيدة أعطت ما أعطت فاستحقت ان يخلّدها التاريخ ويذكر تضحياتها ويكتب اسمها بكلمات من ذهب برّاق لتكون طريقاً وقدوة لكل المؤمنات تلك هي أم المؤمنين وزوجة سيد المرسلين (ص) خديجة بنت خويلد(ع).
أبوها خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي، وفي قصي هذا تجتمع خديجة مع النبي (ص)، وهو من بني لؤي بن غالب، وأمها فاطمة بنت زائدة ابن الأصم بن رواحة وهو من بني لؤي بن غالب أيضاً، وفي لؤي تجتمع خديجة مع النبي (ص) من جهة أمها. ومن هنا نعلم أن خديجة قد وُلدت من والدين كليهما من أعرق الأسر في الجزيرة العربية وينتهي نسبها مع النبي (ص) إلى لؤي بن غالب ابن فهر. وبالإضافة إلى شرف نسبها أنها كانت مفطورة على التدين وحسن السيرة وراثة وتربية، وكانت أيام الجاهلية تدعى: الطاهرة وسيدة نساء قريش.
وُلدت خديجة بمكة المكرمة قبل عام الفيل الذي ولد فيه النبي (صلى الله عليه وآله) بخمس عشرة سنة، تزوجها رسول الله (ص) وعمرها أربعون سنة وعمر رسول الله (ص) يومئذ خمس وعشرون سنة على الأشهر. وكان زواجه بها قبل البعثة بخمس عشرة سنة، فحينما بعث النبي (ص) بالرسالة كان عمره الشريف أربعون سنة، وكان عمر خديجة خمساً وخمسين سنة، فبقيت مع النبي (ص) قبل بعثته خمس عشرة سنة، وبعد البعثة عشر سنين، حيث قبضت سلام الله عليها في السنة العاشرة من البعثة في العاشر من شهر رمضان وعمرها يومئذ خمس وستون سنة وعُمر النبي (ص) خمسون سنة وهي أول امرأة تزوجها رسول الله (ص) ولم يتزوج عليها مدة حياتها كما يجمع المؤرخون.
المجاهدة الأولى
لقد كانت هذه السيّدة الكريمة إلى جانب شريك حياتها في جميع الأحداث المريرة والمسرّة، تتقاسم معه حلوها ومرّها، وكانت دوماً تحرص على سلامته فتبعث غلمانها ليطمئنوها عليه ويتفقّدوا أحواله، وفي بعض الأحيان تفعل ذلك بنفسها، فقد رافقته مراراً إلى غار حراء.
لقد حاصرت قريش النبي وآل بيته في شعب أبي طالب لثلاث سنوات متتالية فمنعت عنهم الطعام والشراب والبيع والشراء، وكاد القوم أن يهلكوا لولا أنّ السيّدة خديجة عليها السلام سارعت بأموالها لنجدتهم، حيث كانت تهيّئ الطعام من السوق بأضعاف قيمته وترسله إليهم عن طريق ابن أخيها حكيم بن حزام ليسدّوا رمقهم به.
كانت السيّدة خديجة عليها السلام على دين أبيها إبراهيم عليه السلام وذلك قبل أن يُبعث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وكانوا يُعرفون بالحنفاء، وقد آمنت في اليوم الأول من بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله، كما جاء في الحديث الشريف: أوّل من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله من الرجال علي عليه السلام ومن النساء خديجة عليها السلام.
وعندما رجع الرسول الكريم صلى الله عليه وآله من غار حراء وهو ينوء بثقل الرسالة العظيمة، كانت السيّدة خديجة عليها السلام في استقباله حيث قالت له: أيّ نور أرى في جبينك؟ فأجابها: إنّه نور النبوّة، ومن ثمّ شرح لها أركان الإسلام، فقالت له: (آمنت وصدّقت ورضيت وسلّمت).
فكانت السيّدة خديجة أول سيّدة في الإسلام تصلّي، إذ أنّه لسنوات طويلة انحصر الإيمان بالدين الإسلامي بخديجة عليها السلام والإمام علي عليه السلام، وكان الرسول الأعظم يذهب إلى المسجد الحرام ويستقبل الكعبة وعلي عليه السلام إلى يمينه وخديجة خلفه، وكان هؤلاء الثلاثة هم النواة الأولى لأمّة الإسلام، وكانوا يعبدون معبودهم الواحد إلى جانب كعبة التوحيد.
المال في خدمة الاسلام
لقد بذلت السيدة خديجة كل أموالها في سبيل نشر الدعوة الحقة للرسول الأكرم، الأمر الذي اشار إليه القرآن المجيد وجعله نعمة عظمى أنعم الله بها عليه بقوله مخاطباً له "وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى" (الضحى/ 8). فقد ذكر الكثير من المفسرين أن المراد من هذه الآية الكريمة: أي وجدك فقيراً فأغناك بأموال خديجة أولاً، وبالغنائم الكثيرة وغيرها، ثانياً وحتى ورد أنه: إنما قام الإسلام بأموال خديجة وسيف علي بن أبي طالب.
هذا الايمان المطلق بالله تعالى وبرسالته جعلها عليها السلام ذات منزلة سامية عند رسول الله وعند الله تعالى، وذلك تفردها عن جميع نساء زمانها في اتصافها بكل فضل وفضيلة. إذ من المعلوم أن النبي (صلى الله عليه و آله) لا يحابي أحداً، ولا يعطي المنزلة السامية إلا لمن يستحقها، ومنزلتها هذه عند النبي (ص) الصادق الأمين مستمدة من منزلتها الرفيعة عند الله تعالى وعظيم مقامها لديه، حتى أن الله تعالى بعث إليها سلاماً خاصاً على لسان النبي (ص). فقد روى العياشي في تفسيره من طرق عديدة عن أبي جعفر الباقر أنه قال: حدث أبو سعيد الخدري أن رسول الله (ص) قال: إن جبرئيل قال لي ليلة الإسراء حين رجعت وقلت يا جبرئيل هل لك من حاجة؟ قال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومني السلام، وأنها قالت حين أبلغها رسول الله (صلى الله عليه و آله) السلام من الله وجبرئيل: إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام وعلى جبرئيل السلام.
وعن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران. وهذا الحديث روته الصحاح والسنن، ويقول بعض الشراح: إن الضمير في قوله (خير نسائها) يعود إلى الأرض (أي خير نساء الأرض) وفسروه بأن كلاً من مريم وخديجة هي خير نساء الأرض في زمانها وعصرها.
وفاتها و مرقدها الطاهر
وما زالت خديجة قائمة في شؤون رسول الله (صلى الله عليه و آله) باذلة له كل ما تقدر عليه من الخدمة، ومشارِكة له في جهاده وجهوده في الدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه القويم ومواسية له في كافة المحن والنوائب حتى لحقتْ بربّها صابرة مجاهدة ومؤازرة مواسية. وكانت وفاتها في السنة العاشرة من البعثة في اليوم العاشر من شهر رمضان. على ما نص عليه السيد محسن العاملي في كتابه (مفتاح الجنات) ج3 ص256.
و روى المازندراني الحائري في كتابه (شجرة طوبى) ص22 ج2 مرسلاً قال: ولما أشتد مرض خديجة قالت: يا رسول الله إسمع وصاياي: أولاً فإني قاصرة في حقك فأعفني يا رسول الله، قال (ص) حاشا وكلا ما رأيت منك تقصيراً فقد بلغت جهدك وتعبت في داري غاية التعب ولقد بذلت أموالك وصرفت في سبيل الله جميع مالك. ثم قالت يا رسول الله الوصية الثانية أوصيك بهذه وأشارت إلى فاطمة فإنها غريبة من بعدي فلا يؤذيها أحد من نساء قريش. وأما الوصية الثالثة فإني أقولها لابنتي فاطمة وهي تقول لك فإني مستحية منك يا رسول الله فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وخرج من الحجرة، فدعت فاطمة وقالت لها: يا حبيبتي وقرة عيني قولي لأبيك: إن أمي تقول أنا خائفة من القبر. أريد منك رداءك الذي تلبسه حين نزول الوحي عليك تكفنني فيه فقالت ذلك لأبيها فسلم النبي (ص) الرداء إلى فاطمة وجاءت به إلى أمها فاسترت به سروراً عظيماً.
ويقع المزار الطاهر للسيّدة خديجة عليها السلام في بطن جبل حجون، حيث كان على مدى أربعة عشر قرناً مزاراً يحجّ إليه ملايين المسلمين في موسم الحجّ والعمرة، لينهلوا من فيض نوره، وقد أفتى العديد من مراجع الشيعة باستحباب زيارة القبر. ولقرون عديدة كانت تعلو القبر ضريح وقبّة شامخة، حتى جاء العام 1344 هـ، فسوّي الضريح بالأرض من قِبل الزُمَر الوهابية الضالة تزامنا مع الاعتداء على مراقد الائمة الاطهار المعصومين في مقبرة البقيع.
*المصدر/ شبكة النبأ