قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
من المواقف الخالدة
عالم يحاور فلاح
*سامي كاظم
كان العالم المعروف الشيخ خواجه نصير الدين الطوسي يرى أن المسلم الذي لايعرف العقائد الإسلامية بالأدلّة والبراهين العلمية يكون (مشركاً) بدرجة ما!!
ذات مرة نزل من على جواده ودخل إلى أراضٍ زراعية وهناك وجد مزارعاً مسلماً وبيده المحراث، فسأله العالم: الله واحد أم إثنان؟!
أجاب المزارع قائلاً: الله واحد.
فقال العالم: إذا قيل لك إن الله إثنان، ماذا يكون ردك؟
فأجاب المزارع: أضرب على رأسه بهذا المحراث حتى ينفلق...!
فتراجع الخواجه نصير الدين عن رأيه وتبنّى الرأي القائل أن اليقين الفطري للإنسان بوحدانية الله يكفيه عن الأدلة العلمية، ولايصح بعد ذلك نسبة الشرك إلى المسلم. وهذا بالطبع لاينفي ضرورة معرفة الإنسان بالأدلة العلمية لمعتقداته الإسلامية بل ينبغي له ذلك، إلا إن الناس غير متفرغين دوماً لطلب العلم والدراسة، حتى يصبحوا فقهاء وعلماء ومتبحرين في أمور الدين، فأكثر هؤلاء منشغلون بحياتهم اليومية وبالكد على عيالهم، فهؤلاء تسقط عنهم فريضة طلب العلم، لكن هذا لايعني أنهم يتركون الأمورعلى عواهنها، وبحجة إنشغالهم بأمور الدنيا يعزفون عن المطالعة وما يتوجب عليهم معرفته.
صحيح أن فريضة طلب العلم قد سقطت عنهم، باعتبار أنها فريضة كفائية، إلا إن ذلك لايعني التسامح معهم في الجهل بأحكامهم الفقهية والدينية، وكذلك مسائل الحلال والحرام والأمور العقائدية والشؤون العملية ولاسيما أحكام المعاملات والزواج التي لابد أن يطلع عليها معظم افراد المجتمع حتى لايسقط في شراك المال الحرام والعلاقات المشبوهة التي تهدم المجتمع.
وبشكل عام فإنه يتوجب على المرء أن يدّخر وقتاً مناسباً للمطالعة في مختلف شؤون الحياة، في شؤون الزواج وفي شؤون تربية الأطفال، في شؤون الصحة، وفي شؤون السياسة والاقتصاد، وعليه أن يطمئن أن الوقت الذي يصرفه لمثل هذه المطالعة لن يخسره أبداً وسيستفيد منه في يوم من الأيام في حياته.
أما بالنسبة إلى عقائد الناس فهي فطرية وهي حصيلة إنسجام عقول الناس مع النظام الكوني، لذلك فلا خوف على عقائدهم من الجهل بالبراهين العلمية، إنما الخوف وكل الخوف من العلماء أو من يسمّون أنفسهم علماء ولديهم الوساوس والشكوك والظنون الفاسدة. المشكلة في العلماء الذين إذا إنحرف أحدهم كما قال الرسول الأعظم: (إذا فسد العالِم فسد العالَم) سيقلب الدنيا على رأسها بسبب جهله المركّب فهو يظن نفسه عالماً وهو إلى الجهل أقرب، وقد وصفهم الإمام علياً بن أبي طالب عليه السلام خير وصف ومن أراد التبحر في ذلك فليراجع نهج البلاغة ليكشف أن وصف الإمام بحق هؤلاء الجهلة الذين يسمّون أنفسهم علماء ينطبق على الكثير ممن لدينا في هذا الزمان.
ان العلماء الذين أباحوا الدماء والأعراض والأموال وبدأوا الفتك بجسد الإسلام من خلال إتهام هذه الجماعة أو هذه الفئة بالشرك بالله، إن الذي يكفر الناس ويصفهم بالشرك هو أقرب إليه منهم، لأن عقائد الناس فطرية، ونابعة من خالص وجدانهم، أما الذين ينخرطون في العلم ولايجدون أجوبة لأسئلتهم العلمية سيكونون أقرب إلى الكفر والإلحاد.
فلا تضعوا أنفسكم مواضع الله وتقولوا: هذا كافر... وذاك مشرك... وتلك الجماعة في ضلالة... وهذا في الجنة أو ذاك في النار... فإن الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى من يدليه على أهل الجنة وأهل الجحيم, فهو أعرف بنا من أنفسنا، فلا تحكموا على الناس من ظواهرهم، وقد تجد من ظاهره سلوك غير مقبول، لكن باطنه نقي، وبالعكس ربما يكون ظاهره سليماً وباطنه سقيماً ، فلا تغرنكم المظاهر فهي خداعة وقد جاء في الذكر الحكيم ذم العلم الظاهري.
وللأسف نلاحظ ظاهرة سيئة في الكثير من الحركات التي تدعي الإسلامية انها تبدأ حركتها السياسية والثقافية بنظرية (تكفير المجتمع) وبالطبع هذا منزلق يقودهم في النهاية إلى التطرف والانجرار إلى سفك الدماء بالباطل كما يحدث الآن في العراق وكما حدث من قبل في بلاد اسلامية مثل افغانستان والجزائر ومصر خلال عقد التسعينات. وما تزال هنالك جهود ومساعٍ لان يكون لهذه المسيرة امتداد وحركة في وقتنا الحاضر لتشمل بلاداً اخرى.