قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

حقيقة المنقذ بين الأمل والرجاء
عبد الحسين عمران
عاشت البشرية في ظل الجاهليّة البغيضة قروناً عديدة قبل ان تطل على الدنيا رسالة الهدى ودعوة الإصلاح التي بعث بها منقذ البشريّة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله. فكان الانسان في تلك الفترة الرهيبة يعيش في محيط البؤس واليأس الشقاء، وحين خوطب بكلمة الانقاذ وسمع صوت البشير ينادي باللحاق بركب الحضارة والمدنية والسعادة، انفتح قلبه للنداء واستجاب لدعوة الأمل والرجاء.
وهكذا حين تنشر المساوئ بظلمها على دنيا الانسان، وينقطع الأمل، وتحيط به أمواج البلاء تكون الرسالة الالهيّة هي المنقذ والرائد في دنيا الإصلاح. تقول الآية الكريمة: "وان من أمة الّاخالا فيها نذير".
وعندما أشرقت انوار القرآن الكريم، تببددت سحب الظلام، وعادت للانسان حرّيته الطبيعيّة وكرامته التي وهبها الله إياه وصادرها الطغاة المستبدون.
من هنا نعرف ان في كل فترة من فترات البشرّية يوجد هنالك منقذ و رسول هاد، يتحمّل مسؤولية الهداية والإصلاح. فظاهرة وجود النبوّة تعبّر عن لطف الله وعنايته بخلقه، لكن هل ينطفئ مشعل الهداية والصلاح برحيل النبي الأكرم عن هذه الحياة...؟!
هذا السؤال الذي ما يزال يحيّر الكثير من المسلمين، فمنهم من يذهب الى ان مسيرة الاسلام توقفت حيث توقفت حياة النبي في السنة الثالثة عشر من الهجرة، ويجب عليه ان يتقدي بما يسمونه بـ (السلف الصالح) وهم جمهرة الصحابة الذين كانوا محيطين بالنبي دون التكلف بالتمييز بين من كان منافقاً ومن كان مؤمناً وهؤلاء هم (السلفيون)، ومنهم من يعتقد بان عليه الاعتماد على نفسه في استنباط الاحكام والقوانين حسب الظروف ومقتضيات الزمان، فالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي التي تحكم وليست المبادئ والقيم التي أرساها الاسلام والنبي والقرآن الكريم. هذان الصنفان لا يجدان حاجة في المنقذ، إذ ان اوضاعهم طبيعية.
لكن الفئة التي تعتقد وتؤمن بان مسيرة الاسلام لا تتوقف ابداً حتى يوم القيامة، ولواء الرسالة والاصلاح ما يزال خفاقاً وان (الاسلام يعلو ولا يُعلى عليه)، فانها تجد الحاجة الى المنقذ والى اللحظة التي يكتمل فيه الدين ويقام العدل ويزهق الباطل، وهذا ما يتم انشاء الله على يد الامام الثاني عشر من أئمة أهل البيت ألا وهو المهدي المنتظر عجل الله فرجه، فهو الامتداد الطبيعي للرسالة المحمدية، وقد دعتنا الاحاديث الشريفة الى انتظار تلك اللحظة التاريخية العظيمة والتهيؤ دائماً لأن نكون بمستوى المشاركة في تلك النهضة العالمية.
لكن كيف يكون ذلك؟
هذا السؤال المفصلي الذي يقرر مصيرنا في اللحظة الراهنة، فنحن ندعي اننا متدينون ونؤمن بالله واليوم الآخر والنبوة والامامة وسائر الاحكام والقيم، لكن ما بالنا اذا رأينا هذه الاحكام والثوابت تتعرض للقدح والتشكيك ما سيكون موقفنا؟ دون تردد... ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هي حلقة الوصل بيننا وبين الانتظار الصحيح للمنقذ والمصلح العظيم، وببساطة فان هذه الفريضة هي بالحقيقة تجعلنا على صلة مباشرة مع إمامنا الحاضر – الغائب عجل الله فرجه، فنحن باداء هذه المسؤولية نكون قد اوثقنا الصلة به وبمهمته الربانية.
من هنا فان الدعوة الى الانتظار ليست دعوة استسلام او خنوع او تخلّ عن المسؤولية، الاّ ان البعض قد فهم قضيّة انتظار المهدي المصلح بشكل خاطئ. فهماً يصل الى حد تعطيل الاحكام الشرعيّة، والتوقف عن تحمّل مسؤوليّة الاصلاح، وايكال الأمر الى الامام الحجة عجل الله فرجه، خلافاً لصريح الرسالة الاسلاميّة وروح الدعوة الإلهية، فالقرآن كلّهُ دعوة الى الايمان، والعمل والتطبيق وتكليف بالاصلاح وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يأذن بتعطيل الشريعة والأحكام بأي حال من الاحوال، لان معنى تعطيل الشريعة الإلهيّة هو سيطرة الظلم والفساد والضلال وهذا مالا يأذن به الله سبحانه.
وهذا يفسر لنا مفهوم (الامل والرجاء)، فالانسان في ظل الانتظار الايجابي يكون دائماً في حالة نشاط وعمل دؤوب على طريق الاصلاح والبناء والتطور في المجتمع، وطالما تحذرنا الآيات الكريمة واحاديث أهل البيت عليهم السلام من اليأس والقنوط من رحمة الله ومن الفرج، ومن خلال هذه الآيات والاحاديث نكتشف الانهزاميين والسلبيين الذين لا يريدون الخير للدين وللمؤمنين، فهم دائماً في حالة يأس واحباط ويعيشون يومهم ولايفكرون بالمستقبل مهما حصل. هكذا انسان حتى وان ادّعى انه مسلم ومؤمن فانه ايمانه لن يؤهله لأن يكون في عداد المنتظرين والمصلحين.