قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
قصة قصيرة
دوامة البارود
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة عدنان عباس سلطان
الساعة المعلّقة تشير الى الخامسة عصرا عندما استيقظ من اغفاءته، بانت على نظراته المترددة والتفاتاته المتكررة في زوايا الغرفة ان ثمة فكرة ما قد واتته على نحو مفاجئ فإلتمعت عيناه بفرح طفولي اخترق مسافات الزمن وأطل من خلال الركام المتهالك الذي خلفته السنين وكأنه يعيش وسط الحلم الجميل ويعوم في عالمه الآمر استعاد أيام ذكرياته عندما كان طالبا في الجامعة يلتقي مع أصدقائه عند شجرة اليوكالبتوس ترى أمازال اسمه موجودا عليها عندما حفره مع تاريخ تخرجه انتابه حنين مفاجئ تناول عكازه الممدد الى جانبه وتحامل عليه بتؤدة رأى احفاده يلعبون في الحديقة وهو يقطع الممر عند خروجه من الدار تنسم النفحات الربيعية الناعمة بإرتياح كانت نظراته تتسع كل فعاليات المدينة بناسها وسياراتها وصخبها.
السعادة تملأ اعطافه كانت روحه تطير عبر فضاء رقيق في عالم سحري لا يدركه سواه عرّج قبل ان يصعد الحافلة الى كشك سجائر وابتاع بعضا منها يكفي حرمانا من لذة التدخين ومن كل الممنوعات.
وقف عند محل لبيع أسماك الزينة تأمل الاسماك الصغيرة في احواض الزجاج وهي تندفع كالسهام في كبد الماء لتختفي في عرائش النبات الداكن استدار متوجها نحو الحافلة الهدوء يشمل كل شيء لا يعكر صفوه غير ارتجاف الحافلة وهي تقطع الطريق الاشجار الباسقة طرحت ظلالها بامتدادات بعيدة ومتشابكة الناس يتحركون في كل مكان الاطفال يلعبون بمرح وحيوية على الدواليب الدوارة والمنزلقات المعدنية ومنهم من تسلّق الاشجار للعبث والمباهاة او في محاولة لاصطياد الطيور لاح على سيمائه التعب والامتعاض كانت حركات عكازه غير منتظمة ضاقت عيناه ولم تعد تحتوي الاشياء انبثقت في سمعه أصوات مرعبة أشبه ما تكون بضوضاء مجلجلة تزحف على مسامعه وهو لا يكاد يرى موطئ قدميه صعد بصعوبة الى الشلالات وعكازه ينقر على المدرجات بإرتباك وعشوائية كان الرذاذ مثل دخان بارد ظلل المكان الرطب وبدت له المصابيح الملونة كمغارات تحترق بالتماع نورها لقد كان مذهولا وهو يناوب يديه المرتجفتين على العكاز ذكريات قديمة عاشها منذ زمن بعيد أصبحت كالحلم ما الذي ذكره بها الآن؟؟؟ نظر الى شجرة اليوكالبتوس واختلطت مع صور ذكرياته أصوات وضوضاء مشحونة بل هي تندلق الآن وتملأ المكان بالاستغاثات البائسة صراخ نسوة وأطفال الأطفال الذين كانوا يلعبون بطائراتهم الورقية ويتسلقون الاشجار عيونهم مشدودة الى السماء وفي الدواليب والمنزلقات كان ينظر الى تلك الاغصان وهي تتقصف ثم تتجندل فوق بعضها فيما كانت العصافير مدماة تتساقط على الارض بين الحاجيات المتناثرة وترامس الشاي المقلوبة وطائرات الورق الممزقة جدران تتداعى وارتطامات متفجرات في كل مكان الظلمة تغلف كل شيء الطريق..، الاشجار.. السماء!! أحس انه لم يفقد السمع بعد وأنه مازال في العتمة ذاتها يتخبّط فيها ويعود بدياجيرها ويتذوق مرارتها ها هو يسمع كل شيء يشم رائحة التراب والبارود يحس بالحصى المتطاير يخترق جلده كالمسامير أثناء بحثه عن مكان آمن مع كثير من الناس الذين أفزعتهم المتفجرات عاد وسط الضوضاء والإرباك ارتطمت به الأجساد المذعورة ووقع في مكانه وسحقته الأقدام المرعوبة التي ارهقها الرعب وأوهنها الخوف ثم حدث الانفجار الكبير اثناء بحثه المسعور وصمّ اذنيه الى الأبد وظلت يداه تتخبطان وتقتلعان الحشائش وتمسكان بكل ما تقعان عليه على أطراف الحفرة الواسعة المرعبة وجد الكثير من الجثث المتناثرة ربما كان منها بعض أصدقائه القدامى فلعل أحدهم استبد به الحنين الى الماضي فجاء الى هنا كان الماء ينز من الارض كالشرايين المقطوعة وفي اليوم التالي كان الصباح مشرقا ومن خلل الاغصان أطلت حزمة من شعاع على رجل كبير السن يجلس مائلا على مقعد الجلوس المستطيل مستندا الى جذع شجرة اليوكالبتوس الملاصقة للمقعد وعكازه ممدا على الارض قريبا منه كانت يده قابضة على شيء من الطين والحشائش فيما كانت كثير من الكلاب تتخاطف حول المكان كانت تشم الارض وهي لم تتأكد بعد ان كان الشيخ قد مات ام لازال حياً.