قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
تحت الضوء
ساحة كرة القدم تقينا المجهول
محمد علي جواد تقي
يقال دائماً (أول الغيث قطرة)، وهي مقولة جميلة ومحببة للنفوس لما تشيعه من العطاء و الخصوبة والخير، وبالمقابل هناك مقولة ربما غير مدونة وغير معروفة كسابقتها: (أول الحريق شرارة)، فهي بالتأكيد تثير الاشمئزاز والتنفّر، لما يمكن أن تخلّفه من دمار وجدب، فاذا كنّا جدّيين في أمر إعادة البناء والإعمار في البلاد – وإن شاء الله نكون كذلك- يجدر بنا الانتباه الى الشرارات المنطلقة هنا وهناك، وإن كانت صغيرة لا تلبث أن تخبو وتذوب في الهواء، لأن ربما تصيب واحدة من هذه الشرارات ملفاً حساساً مغلقاً أو قضية كبيرة صامتة، فتتغير الأحوال والأوضاع، ولا يجب أن يكون هذا الكلام من باب الإثارة السلبية وتضخيم حدث بسيط يحصل في ناحية الحر (5كيلو متر غرب كربلاء المقدسة)، عندما خرج الشباب والفتيان تحت أشعة الشمس الحارقة ليبدون أعتراضهم بعفوية على قرار تجريف ساحة لكرة القدم يقضي بواسطتها حوالي (400) شاب يافع في العطلة الصيفية أوقاتهم، وإنما من باب (الوقاية خير من العلاج)، وقد أعرب الشباب المعترض عن استغرابه من غضّ بلدية الناحية نظرها عن قطعة أرض مجاورة و إصرارها على تجريف هذه الساحة بالذات بدعوى تحويلها الى حديقة أو واحة خضراء، وكانت الدهشة والغرابة أكثر أمام صمت المسؤولين المحليين عن إطلاق بديل عن هذه الساحة إذا سلمّنا بجدوائية المشروع و ضرورته.
لقد سمعنا وأيضاً المواطنون كثيراً الدعوات بالصبر والتأنّي وعدم استعجال المنجزات الخدمية أو التربوية أو الصحية وغيرها، وطالما قالوها في مناسبات عديدة بان (ما نقوم به لايشعر به أحد ولا يراه أحد)! في إشارة من المسؤولين على إهتمامهم بإصلاح البنية التحتية حتى لايتهمون بقصر النظر والسطحية، ونحن نتفق معهم في هذه الفكرة على الصعيد النظري، يبقى العملي واستحقاقاته، فاذا كانت القطرة تستلزم منّا الصبر والتأنّي لنزول الغيث والخير، فما بال المسؤولين لايلتفتون الى الشرارة الصغيرة الصادرة من حالة احتكاك، بان تصبح شعلة نار يوماً ما وتندلع ألسنتها هنا وهناك؟
صحيح أننا ما نزال وحتى إشعار آخر، مشغولون بالوضع الأمني، لكن الحياة مستمرة، فبعد كل إنفجار، مهما كانت بشاعته و قسوته فان مكان السيارة المفخخة أو العبوة الناسفة سيمحى من الأرض ويعود الباعة المتجولون الى كسبهم ويذهب الناس الى حال سبيلهم، ولا ننسى أن الأطفال من مواليد عام 2003 أصبح عمرهم اليوم ست سنوات وهم يستعدون العام القادم للاحتفال بدخولهم الصف الأول الإبتدائي، وهؤلاء الذين يعدون بعشرات الآلاف وغيرهم الذين يكبرونهم في العمر يتطلعون الى الحاضر والمسقبل، وليس بوسعهم النظر الى الماضي لأنهم ليسوا مسؤولين عنه، فاذا لم يتوفر الحد الأدنى من الحقوق لهذه الشريحة الناشئة، فان فراغاً سيتشكل في النفوس وسيبدأ البحث عن الوسيلة والطريقة لملأ هذا الفراغ، ولن تمضي فترة طويلة حتى تتحول هذه الشريحة الوديعة والناعمة الى يد مخشوشنة وضاربة في أحداث وتطورات سياسية وأمنية لامفر منها في المستقبل نظراً للتجاذبات والصراعات والانقسامات التي تعجّ بها الساحة السياسية في العراق، لاسيما وأن أحداً من سياسيينا لم يعطنا حتى اليوم ضمانات بعدم تكرار ما حصل من تحشيد وتعبئة للمشاعر الطائفية والقومية والسياسية وغيرها من المتبنيات، خلال السنوات الماضية.
أعتقد لو ألقينا نظرة متمعّنة بعض الشيء على الأحداث الجارية في ايران – وهي ليست ببعيدة عنّا- تتضح لنا الصورة ويتجسد لنا المثال، مع الأخذ بنظر الاعتبار اختلاف نوع الفراغ الموجود، فكل مجتمع يعتزّ ويهتمّ بشأن معين دون غيره، نظراًَ لخلفيته الثقافية والحضارية وطبيعته الاجتماعية، لكن في كل الأحوال النتيجة واحدة، ونرجو وندعو ألا يكون لعراقنا هكذا نتائج ومآلات، فالانسان المضطرب وغير المستقر نفسياً، لن يعبأ بالظواهر الجميلة أمامه مهما كبرت، لذا نهيب بالأخوة المسؤولين بأن ينظروا بعين على الحاضر وأخرى على المستقبل، وألا يزيدوا على الشباب والناشئة همّاً جديداً فوق سوء الخدمات والبطالة ومساوئ التعليم.
Mahdali12@yahoo.com